أمريكا والصين: قُطبا العالم الجديد وصراع على الريادة

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: "إذا امتطيتَ نمراً فلن تنزل عن ظهرهِ بسهولة".. هذه المقولة الصينية تبدو ملائمة لمشاحنات بكين مع واشنطن هذا العام حيث تدفع طموحات كبيرة في داخل الصين إلى إتباع نهج أكثر صرامة في الخارج.

وأظهر غضب الصين من بيع الولايات المتحدة أسلحة لتايوان ولقاء الرئيس الامريكي باراك أوباما المزمع مع الدلاي لاما الزعيم الروحي للتبت أن في أعقاب الازمة المالية العالمية باتت الصين أكثر جرأة في العلن.

وفي عقود سابقة استقبلت الصين التي كانت اكثر فقرا وحذرا مبيعات الاسلحة الامريكية للجزيرة المثيرة للنزاع بكلمات غاضبة وأقل من هذا، لكن لم يعد الوضع الان كذلك مع دخول الصين عام النمر في تقويمها القمري التقليدي الذي تسمى فيه السنوات باسماء الحيوانات.

وأعلنت ادارة أوباما الاسبوع الماضي عن خطط لشحن صواريخ وطائرات هليكوبتر وأنظمة مراقبة الاسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار للجزيرة التي تحكم نفسها وتعتبرها بكين اقليما متمردا تابعا لها. وهددت الصين بخفض مستوى التعاون مع واشنطن وللمرة الاولى فرضت عقوبات على الشركات المرتبطة بهذه المبيعات.

كما نددت بكين هذا الاسبوع باعتزام أوباما لقاء الدلاي لاما الزعيم الروحي لهضبة التبت الذي يعيش في المنفى وتنتقده الصين بشدة.

ويضاف غضب الصين الصاخب الى مؤشرات على أن البلاد أصبحت اكثر ثقة ازاء الالقاء بثقلها السياسي الذي يتنامي وراء اقتصاد يرجح أن يتفوق على اليابان قريبا ليصبح ثاني اكبر اقتصاد في العالم غير أنه سيظل متأخرا كثيرا عن الولايات المتحدة.

ووراء هذا السعي لاثبات الذات ضغوط داخلية يرجح أن تصعب مهمة زعماء الصين لتهدئة الخلافات مع واشنطن والعواصم الغربية الاخرى. بحسب فرانس برس.

وتقول سوزان شيرك الاستاذة بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو وهي متخصصة في السياسة الخارجية الصينية "هناك هذا التناقض بين ازدياد الثقة خارجيا ونقص الثقة داخليا."وأضافت "هناك ايضا ما أعتبره فهما خاطئا بشكل خطير للقوة الاقتصادية للبلاد وكيف يترجم هذا الى نفوذ."

هل يحرق أوباما الجسـور مع الصين؟

ويدفع تفاقم العلاقات الامريكية الصينية في الفترة الاخيرة التفكير مليا بطبيعة التقارب الجدي بين اعظم دولتين في القرن الواحد والعشرين الذي كانت له اصداء واسعة. وكان الرئيس الامريكي باراك اوباما قد حدد اثناء زيارته للصين التفاعل الاقتصادي باعتباره الاولوية التي ترسم معالم سياسة اداراته الجديدة تجاه الصين.ومن هذه المنطلق تحدث الخبراء الامريكيون عن وجود افاق لبناء فضاء اقتصادي امريكي ـ صيني مشترك، ليكون وفق رأيهم الاساس لقيام " ثنائي كبير" يمد نفوذه على العالم باسره. بحسب صحيفة الوطن الكويتية.

واصبح لقاء قمة العشرين في لندن البرهان الاول على ان اوباما بصدد اقامة علاقات مع الصين ذات صبغة براغماتية مفرغة من الابعاد الايديولوجية. واعطى اوباما في لندن مفهوما بانه لم يعد يضع في مقدمة اولوياته في الحوار مع القيادة الصينية قضايا كانت تثير حفيظة بكين مثل حقوق الانسان واستقلال التبت واشاعة الديموقراطية التي كانت تصر عليها الادارة الامريكية السابقة. وبدلا من الحديث عن افاق الديموقراطية في الصين شرعت واشنطن بالحديث عن مشروع التكامل الجديد مع الصين، لاسيما وان هناك مؤشرات على انهيار مشروع امريكا ـ يفروراسيا الذي كانت تتحدث عنه الادارة الامريكية السابقة ليضم في مداره روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ودول اوروبا الشرقية.

وكانت المؤشرات الاولى للصعوبات التي من المحتمل ان تجابه سياسة اوباما من الصين قد برزت اثناء زيارته لبكين العام الماضي. فالصين لم تبد حماسة لافكار التكامل التي جاء بها الرئيس الامريكي فبكين ترى بانها لاتحتاج لعملية تكامل لان الزمن يعمل لصالح التنمية العاصفة للصين، ولاعتقادها ان بوسع هذا التكامل ان يفضي الى تعزيز مواقع امريكا في منطقة آسيا/المحيط الهادي، الامر الذي لايتجاوب ومصالحها كدولة اسيوية.

وانزلت الازمة الجديدة في العلاقات بين واشنطن وبكين حول قرار امريكا بيع صواريخ باتريوت لتايوان واستعدادها استقبال ضربة قوية بخطط العلاقات البراغماتية الجديدة مع بكين. وتنظر الصين الى خطط تصدير الاسلحة الامريكية لتايوان على انها محاولة لإضعاف الصين سياسيا، وإجبارها على هدر الكثير من الجهود والقدرات لحل المشكلة التايوانية.

وبتقدير مختلف المراقبين فان الادارة الامريكية تريد ان ترى الصين قوية اقتصاديا ولكن ضعيفة سياسيا. بيد ان بكين ترفض هذا الخيار.ومادام اوباما لم يدرك ذلك فان فكرة بناء علاقات جديدة مع الصين وان يكون العالم خاضع لنفوذ الثنائي الكبير، ستكون فكرة طوباوية.

وقالت صحيفة «الشعب» الصينية الصادرة الثلاثاء ان تصدير امريكا الصواريخ لتايوان يعني غلق الباب امام العلاقات الصينية الامريكية في المجال العسكري". وتضيف: «ربما هذه خطوة اولى نحو غلق ابواب اخرى، وحرق الجسور بين البلدين، ليجر خلفه سباق تسلح ونشوء اصطفاف دولي جديد».

غضب صيني بعد صفقة سلاح أمريكية لتايوان

وهاجمت وسائل الاعلام الرسمية في الصين الولايات المتحدة بسبب صفقة لبيع أسلحة أمريكية لتايوان قيمتها 6.4 مليار دولار في الوقت الذي أعلن فيه مسؤول امريكي التزام واشنطن بمساعدة الجزيرة على الدفاع عن نفسها.

وكشفت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما النقاب عن اول صفقة سلاح بينها وبين تايوان في خطوة قالت الصين انها تضر بأمنها القومي ودفعت بكين الى فرض عقوبات على الشركات الضالعة في الخطة.

وقال والاس جريجسون مساعد وزير الدفاع الامريكي لشؤون منطقة اسيا والمحيط الهادي يوم الاثنين في طوكيو ان الولايات المتحدة تعتزم الوفاء بالتزامها لضمان تمتع تايوان بالقدرة اللازمة للدفاع عن النفس.

ومضى جريجسون يقول "الولايات المتحدة ملتزمة بضمان تمتع تايوان بالقدرة على الدفاع عن النفس وتعتزم الولايات المتحدة بشكل كامل الوفاء بكل التزام من التزاماتها هناك وسنواصل القيام بذلك في المستقبل."وقال في نفس الوقت ان الولايات المتحدة تهدف الى الابقاء على علاقات تعاونية وودية مع الصين.

وربما يزيد هذا النزاع من الانقسامات بين البلدين. واضاف احدث نزاع بين اكبر وثالث اقتصاد في العالم الى قائمة طويلة من القضايا الاخرى التي توتر العلاقات بين الطرفين ومن بينها قيمة العملة الصينية واسلوب الحماية التجارية وحرية الانترنت. بحسب رويترز.

وقالت صحيفة تشاينا ديلي الرسمية ان مبيعات السلاح الامريكية لتايوان "تلقي بشكل حتمي ظلا طويلا على العلاقات الصينية الامريكية."

واضافت في مقال افتتاحي "رد الصين مهما كان عنيفا له ما يبرره. ليس هناك دولة تستحق الاحترام تقف مكتوفة اليدين في الوقت الذي يتعرض فيه امنها القومي للخطر وتضار مصالحها الاساسية.

"القرار الامريكي لا يتعارض فحسب مع الحلم المشترك بالسعى الى التنمية والتعاون بين الناس على طرفي مضيق تايوان ولكنه يكشف ايضا عن استخدام الولايات المتحدة لمعايير مزدوجة والنفاق بشأن القضاياالكبيرة المتصلة بالمصالح الاساسية للصين."

وتعتبر بكين تايوان اقليما ساعيا للانفصال. وفيما يعكس المشاعر الغاضبة بشأن هذه القضية عبر مستخدمو الانترنت الصينيون عن غضبهم بالدعوة لمقاطعة شركة بوينج وشركات أخرى ضالعة في الصفقة.

وتعارض الصين منذ سنوات مبيعات الاسحلة الامريكية الى تايوان. لكن بكين تسعى للمرة الاولى للضغط على الولايات المتحدة من خلال فرض عقوبات على الشركات الخاصة التي تشارك في مبيعات الاسلحة لتايوان.

الصين تواجه ضغطا بشأن العقوبات على إيران

من جانب آخر قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة تحاول اقناع الصين بأنه قد حان الوقت لاتخاذ موقف متشدد تجاه إيران بشأن برنامجها النووي رغم كون طهران موردا رئيسيا للنفط الى الصين.

وقالت في باريس إن الصين "تواجه ضغطا" للموافقة على عقوبات جديدة على ايران وان جهود التفاوض مع طهران تبوء بالفشل بشكل واضح.

وفي تعليقات حادة غير معتادة موجهة للصين قالت كلينتون انه ينبغي لجميع أعضاء مجلس الامن الدولي المضي قدما في فرض عقوبات على ايران بسبب النزاع النووي.

وقالت "ما نقوله نحن واخرون للصين هو .. نحن ندرك أنه يبدو في الوقت الحالي أن من غير البناء بالنسبة لكم فرض عقوبات على دولة تحصلون منها على قدر هائل من الموارد الطبيعية التي يحتاجها اقتصادكم المتنامي."

وأضافت كلينتون التي سعت للضغط على نظيرها الصيني يانغ جيه تشي بينما كانا في لندن "لكن فكروا في العواقب على المدى الاطول."

وتخشى الحكومات الغربية ان تكون ايران ترغب في صنع أسلحة نووية لكن طهران تقول ان برنامجها للاغراض السلمية.

وتتفاوض الدول الخمس التي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي - الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين - اضافة الى ألمانيا مع ايران لكن مسؤولين أمريكيين يقولون انه ينبغي أن تبحث المجموعة مسودات عقوبات محتملة قريبا.

وايدت روسيا والصين على مضض ثلاث جولات سابقة من العقوبات الا أنهما أقل حماسا على ما يبدو لفرض عقوبات جديدة هذه المرة فيما يعقد جهود اظهار جبهة موحدة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر عقب اجتماع مع كلينتون ان موقف روسيا لا يمثل مشكلة. وقال للصحفيين "نحن سعداء للغاية بموقف أصدقائنا الروس وما زلنا نعمل مع أصدقائنا الصينين" مضيفا أنه يأمل في التوصل الى اتفاق بشأن جولة رابعة من عقوبات الامم المتحدة.

جينتاو وأوباما يعارضان الحمائية والخلافات بينهما طبيعية

وأجرى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، محادثات مع مضيفه الرئيس الصيني، هو جينتاو، وبحثا العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا التعاون في مجال الاقتصاد الكلي والسياسات المالية، إلى جانب قضايا أخرى مثل البرامج النووية في كل من كوريا الشمالية وإيران، وضرورة حل هذه القضايا عبر الحوار.

كذلك ناقش الزعيمان قضايا مثل حقوق الإنسان وتعزيز الأمن في الفضاء الخارجي، واتفقا على ضرورة حل المسألة النووية في شبه الجزيرة الكورية وإيران عبر الحوار، وعبرا عن أملهما باستئناف المحادثات السداسية في أقرب وقت ممكن. بحسب سي ان ان.

واتفقت الصين والولايات المتحدة على مواصلة الحوار والتعاون في مجال الاقتصاد الكلي والسياسات المالية حيث لا يزال انتعاش الاقتصاد العالمي متقلب، حسبما ذكر الرئيس الصيني هو جينتاو في مؤتمر صحفي الثلاثاء في أعقاب محادثاته مع نظيره الأمريكي أوباما.

وقال الرئيس الصيني "لقد اتفقنا على معالجة الخلافات التجارية بين البلدين على نحو صحيح من خلال المفاوضات وعلى أساس من المساواة، وبذل جهود مشتركة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية بأسلوب صحي وثابت."

وأضاف "أكدت للرئيس أوباما أنه في ظل الوضع الحالي، يتعين على كل من الصين والولايات المتحدة معارضة ومقاومة الحمائية بكل أشكالها وحتى باتخاذ مواقف أقوى"، وفقاً لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا."

هذا وأشار الرئيس الصيني إلى أن الاختلافات طبيعية في العلاقات الصينية الأمريكية، وقال إن أساس العلاقات بين البلدين "يتركز في الاحترام المتبادل واستيعاب كل منهما للمصالح الجوهرية والاهتمامات الكبرى للآخر، بينما تعد الاختلافات جراء الظروف الوطنية المختلفة أمرا طبيعياً."

وذكر هو جينتاو "أن العلاقات الصينية الأمريكية مهمة للغاية.. وأن الحفاظ على مثل هذه العلاقات وتعزيزها تعد مسئولية مشتركة لكلا الجانبين."

ونقلت شينخوا عن أوباما قوله إن الحكومة الأمريكية تعترف بأن التبت جزء من الصين، وأنها "تدعم الاستئناف المبكر للحوار بين الحكومة الصينية وممثلي الدلاي لاما لحل أية قلاقل أو خلافات قد تكون لدى أي من الطرفين"، موضحاً أن بلاده تحترم سيادة الصين وسلامة أراضيها."

الصين آتية.. بكين تؤكد قدرتها على منافسة الغرب عسكرياً

ولفتَ وزير الدفاع الصيني، الجنرال ليانغ غوانغلي، إلى التطور العسكري الهائل لبلاده مؤكداً امتلاك بلاده أسلحة حديثة تنافس ترسانة الغرب، في تصريح جاء قبيل استعراض عسكري مقرر بمناسبة العيد القومي تكشف فيه بكين جانباً من قدراتها العسكرية المتنامية.

ونقلت وكالة شينخوا عن غوانغلي قوله: "قدرتنا على شن حرب دفاعية بتقنيات حديثة شهدت قفزة نوعية.. يمكن القول إن بحوزة الصين جميع ما تمتلكه دول الغرب من معدات حديثة ترتقي إلى المعايير الدولية."وأكد قائلاً: "لا نبالغ إن قلنا إن لجيشنا قدرات قتالية قوية."

ولأول مرة، ستكشف الصين عن انضمام طائرات إنذار مبكر "أواكس" وأخرى تعمل دون طيار، إلى ترسانة سلاحها الجوي.

وأكد المسؤول العسكري أن الترسانة العسكرية الصينية المتطورة تضم أقماراً صناعية عسكرية ومقاتلات جوية حديثة، ودبابات قتالية بالإضافة إلى سفن وغواصات، تعمل بتقنيات معقدة.

وأشارت وسائل إعلام صينية إلى أنه سيجري استعراض "52 نوعاً" من الأسلحة العسكرية المنتجة محلياً خلال العرض العسكري المقرر في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وخصصت حكومة بكين موازنات مالية هائلة لتحديث "جيش تحرير الشعب" الصيني، ويبلغ قوامه في الوقت الراهن 2.3 مليون جندي، بعد أن وصل إلى 6 ملايين فرد عام 1985.

وهذا العام، رفعت الحكومة الموازنة العسكرية بواقع 15.3 في المائة، إلى 69 مليار دولار، وفق موازنة قدمت للبرلمان الصيني في مارس/آذار الماضي، وفق "ديفنس نيوز"

ورغم تزايد المخاوف من مطامح تعزيز الصين لقدراتها العسكرية، إلى أن بكين شددت دوماً بأنه لأغراض دفاعية بحتة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/شباط/2010 - 26/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م