شبكة النبأ: يقلِّب "محمد" ملف
معاملته التي بدأ بإجراءاتها قبل اكثر من عام لأجل الحصول على قرض مالي
من دائرة العمل والشؤون الاجتماعية التي من المفترض أن تمنحه للعاطلين
والمعاقين الذين يرومون البدء بمشاريع عمل صغيرة يعتاشون منها.
يقول محمد،" أنا مُعاق جزئياً وعاطل عن العمل وقد طالبتني دائرة
الشؤون الاجتماعية بتقرير من اللجان الطبية المختصة وبعد جولات فحص
ومواعيد عديدة حصلت على التقرير وجلبته للدائرة المعنية التي بقيَت
تعدُني بالحصول على القرض لأكثر من عام حتى إذا استلمتُ المبلغ وجدته
لم يكفِ للشروع بأي عمل استطيع أن أعتمد على مردوداته".
وفي العراق ملايين من المُعاقين والعاطلين عن العمل الذين أفرزتهم
عدة حروب خاضها النظام السابق مع دول الجوار وأدت بالنتيجة الى تحطيم
مقومات الاقتصاد وبُناه التحتية بصورة جعلت منه اقتصاداً شبه مدمّر
يعتمد على الاستيراد بصورة كاملة.
برامج رعاية متعثّرة
يقول الباحث الاجتماعي المسؤول عن برنامج القروض في دائرة العمل في
كربلاء عبد الكريم العامري،" ان برنامج القروض الصغيرة الذي طرحته
وزارة العمل قد بدأ العمل به منذ العام 2008 لكن التعثّر الكبير الذي
واجهته ميزانية الدولة للعام المنصرم بسبب هبوط أسعار النفط قد أثّر
كثيراً على هذا البرنامج".
ويضيف العامري،" منذ مطلع العام الفائت توقّفَ ترويج معاملات قروض
العاطلين تماماً، فضلاً عن عدم تسجيل أية أسماء جديدة ضمن برنامج
الإعانة الشهرية الذي تشرف عليه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
ويتابع،" تشير البيانات الى ان أعداد العاطلين في محافظة كربلاء قد
بلغ نحو 60,000 ألف عاطلاً تقريبا، في حين ان عدد المسجَّلين ضمن
برنامج شبكة الحماية الاجتماعية قليل جدا بالنسبة للكم الهائل منهم".
ويستدرك بالقول،" لكن وضع سوق العمل المتشعِّب في مختلف الحِرف يضمّ
بين طياته أعداداً كبيرة من المسجلين لدينا بصفة عاطلين حيث ان أغلبهم
يبرر لجوءه لأعمال مختلفة بحجة عدم كفاية راتب شبكة الحماية الاجتماعية.
وتقول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بحسب آخر تقرير لها أن مجموع
العاطلين عن العمل بلغ نحو مليون و405 ألف عاطلاً في عموم المحافظات
منذ عام 2003. منهم مليون و234 ألفاً من الذكور و173 ألفاً من الاناث.
ولكن هناك أعداد أخرى كبيرة لم تُسجَّل أسمائهم ضمن بيانات الوزارة
المذكورة لأسباب مختلفة.
العمالة الأجنبية تزيد من تفاقم الأزمة
ويقول علي سالم (31 سنة) عاطل عن العمل،" اجبرَتني ظروف قاسية على
عدم إكمال تعليمي ونتجَ عن ذلك انني زاولتُ العديد من المِهن الشاقة في
سبيل كسب الرزق الحلال ولكن في الاونة الاخيرة أخذَت العملة الآسيوية
الرخيصة تزاحُمنا في معيشتنا حيث هناك العشرات من الشباب القادمين من
سريلانكا وبنغلاديش بصورة غير رسمية يزاولون مختلف الأعمال في الحي
الصناعي وفي الفنادق والمعامل".
ويضيف علي،" ما يضيق الخناق علينا أكثر هو رغبة أصحاب العمل
المتزايدة في الإعتماد على العمالة الاجنبية رغم انها غير مرخصة من قبل
الدولة، بسبب قلّة الأجور التي يتقضاها العمّال الأجانب".
ويقول مصدر من الأمن السياحي في كربلاء رفض الكشف عن اسمه،" ان
ظاهرة العمالة الاجنبية هي خطأ جسيم يتحمل مسؤوليته المكاتب التي تتفق
على جلب هؤلاء العمّال وكذلك أصحاب الأعمال الذين يوظفون الاجانب
ويتركون أبناء البلد يموجون في بحر من البطالة".
ويضيف المصدر،" هؤلاء الاجانب يأتون عبر شركات للعمل في معسكرات
القوات المتعددة الجنسية وبعد انتهاء عقودهم يتسربون من المنطقة
الخضراء ببغداد ويذهبون للعمل في المناطق الآمنة دون أية اجرءات أصولية
او فحوصات طبية تثبت خلوهم من الأمراض والعاهات التي من الممكن ان تؤثر
على المجتمع العراقي".
وعند سؤاله عن تحركات الأمن السياحي تجاه هذه القضية قال المصدر،"
ألقت السلطات القبض على العشرات من العمّال الأجانب وأحالتهم بدورها
الى دائرة الإقامة للتحقيق في كيفية وصولهم للمحافظة ومن ثم ترحيلهم
لخارج العراق". مشيراً الى،" ان مكافحة العمالة غير المرخصة هي مسؤولية
مشتركة بين الحكومة المحلية والسلطات الأمنية المعنية وأصحاب العمل حيث
يمكن لهؤلاء التصدي لهذه الظاهرة من خلال تحذيرهم بعدم تشغيل اي عامل
أجنبي لايحمل تصريح رسمي للإقامة او العمل.
ويقول ابو علي، صاحب محلات تسوّق، "يأتينا بين الحين والآخر بعض
الشباب القادمين من دول آسيوية طلباً للعمل، ونحن بدورنا نطلب كفالة
المكتب الذي يحتفظ بجوازاتهم لنتأكّد من موقفهم الأمني، ومن ثم
نشغّلهُم لفترة في سبيل التجربة حتى اذا أثبتوا كفاءة والتزام
أبقيناهم، لأن أغلبهم يتقبل العمل لساعات اضافية بأجور زهيدة فضلاً عن
عدم حاجتهم لإجازات عمل".
وعن قضية إسهام هذه الظاهرة في تكريس حالة البطالة التي يعاني منها
المجتمع يقول ابو علي،" نحن نرحّب بأي أحد يريد العمل ما دامت لدينا
فرصة لذلك ولكن العامل العراقي غالباً ما يطالب بحقوق اضافية وإجازات
كثيرة، فضلاً عن إساءات البعض من العمّال الى المتسوّقين وعدم التزامهم
بالدوام اليومي الامر الذي يؤثر على عملنا".
وما بين العوَز والبطالة ومزاحمة العمالة الأجنبية من جانب وغياب
قانون العمل والخطط الحكومية للتوظيف من جانب آخر، تبقى أحلام
العاطِلين والمعوَّقين تؤرقهم وتشكّل كابوساً يقض مضاجعهم كل حين. |