لا بقاء  للحكومات إلاّ بالنهج الديمقراطي

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تُجهِد الحكومات العربية والإسلامية أجهزتها بأساليب شتى، من أجل ضمان بقائها على رأس السلطة لأطول مدة ممكنة، فنراها تتبع الكثير من الطرق والاساليب ومنها ما هو غير مشروع من اجل البقاء في الكرسي، ناسية او متناسية بأن هذا الامر لا يتم إلا من خلال إحترام الناس وآرائهم وعلمائهم ووجهائهم، وإشاعة النهج التحرري الديمقراطي الذي يتيح للعلماء والوجهاء وعامة الناس مشاركة اوسع في إدارة شؤون البلاد لا سيما الجانب السياسي الذي يؤثر على طبيعة حياتهم بصورة مباشرة.

بمعنى أن النهج التحرري هو السبيل الأقصر والأضمن للحكومات كي تحقق نوعا من الاستقرار والمطاولة كونها في هذه الحالة ستراعي آراء الناس وتعمل على تحقيق تطلعاتهم ومن خلال الهامش الفاعل للحرية ستكون الحكومة حريصة على تأدية واجباتها السياسية والادارية وغيرها على أفضل وجه، بسبب حالة التعاون التي ستنشأ وتتطور بينها وبين المجتمع.

وطالما أن عامة الناس لا يمتلكون الرؤية الواضحة في الغالب وطالما انهم يشعرون بحاجتهم للقيادة والرأي السديد، هنا سيأتي دور العلماء والوجهاء لتنوير الناس ومساعدتهم على بلورة رأي سديد يسهم في تحقيق تطلعاتهم على النحو الأفضل من لدن الحكومة، وبهذا ستكون هناك رابطة مُثلى بين عامة الشعب والعلماء ستؤثر قطعاً على طبيعة علاقتهم بالحكومة، كما يؤكد ذلك الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كرّاسه المعنون (تحطم الحكومات الاسلامية بمحاربة العلماء) إذ يقول:

(جراء ابتعاد الحكومة عن العلماء ينشأ ابتعاد الشعب عن الحكومة، وبذلك تقع المحاربة بين الحكومة والشعب، إذ الشعب تابع للعلماء، فكل من ابتعدَ عن العلماء ابتعدَ الشعب عنه ـ كما سبق ـ وحينئذ تكون بين الشعب والحكومة محاربة.

فالشعب ينسف الحكومة وينتقصها ولا يحترم قوانينها، فيعمل حينئذ على خلاف ما تريده الحكومة ويهرب من الضرائب ولا يعطي حتى رسوم الماء والكهرباء والمواصلات، ويخرق قوانين الدولة في السفر والإقامة والعمارة وألف شيء وشيء. وتأخذ الحكومة حينئذ بمحاربة الشعب اعتقالاً وسجناً وتعذيباً ونفياً، وأحياناً إعداماً، وربما مصادرة للأموال وألف شيء وشيء).

إن الشعب هو صانع الحضارة لا سيما إذا توفرت له الحومة المناسبة وبعكسه لن يغيب دوره في هذا المجال بل سيتعثر بسبب الحكومات الأحادية المنهج التي لا تنظر الى الحياة إلا بعين واحدة هي عين مصالحها وثباتها في موقعها، لذلك يرى العلماء دائما أن الشعوب هي مصدر الحضارات وبهذا تنبني بينهما علاقات ثقة مستديمة، يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في هذا المجال بالكراس نفسه:

(باني الحضارة هو الشعب الحر الذي له مشّوق، فإذا أخذ الحكام بمخالفة العلماء ومحاربتهم وسلبوا الحريات عن الشعب، فحينئذ لم ير الشعب في الحكام مظلة للتقدم، وكان ذلك سبباً في خمود الشعب، فيتأخر الكل عن ركب الحضارة والتقدم).

ولعلنا نقرّ جميعا بالمعادلة السببية الواضحة التي تربط بين نهج الحرية وصناعة الحضارة، فهذا الطرفان لهذه المعادلة هما أساس تطور الامم والشعوب في عموم المعمور، وبغياب الحرية لابد أن تنطفئ الحضارة او تتراجع ضمورا وتخلفا بسبب الانهاج غير المتحررة التي تستند إليها الحكومات الجاهلة حين تقوم بمحاربة الشعوب والعلماء والمثقفين والمصلحين كونهم يشكلون مصدر خطر عليها، فكلما كانت الحرية متاحة كلما قل هامش الفساد والاستفراد بالسلطة والعكس يصح، ولهذا تكون الحكومات اول الخاسرين بمحاربتها للعلماء والمصلحين، والنهج الديمقراطي التحرري إذ يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) بهذا الصدد:

( لذا فاللازم أن يكون هنالك -شورى المرجعية- من ناحية، و- الأحزاب الحرة - من ناحية ثانية، و- الوعي العام- من ناحية ثالثة، و- تطبيق قوانين الإسلام ـ كالأمة الواحدة، والأخوة، والحرية ـ من ناحية رابعة، حتى يرفع هذا الخطر وسائر الأخطار عن الحُكام).

وإذا ما استحكم العداء بين الشعب وحكومته بسبب سياسات التكميم والمصادرة والتحجيم وما شابه، فإن الشعب لا ريب سوف يلجأ الى بدائل كثيرة، لا سيما أن قادته من العلماء والشرائح الاخرى الواعية تكون في موقع المساندة والتوجيه.

وهكذا يبدو واضحا أن لا خيار أمام الحكومات سوى طريق التحرر وبث أجواء الحرية وقبول بل وتشجيع الرأي الآخر وتطوير ثقافة المعارضة كونها عنصر تدعيم لا تهديم وأول المستفيدين من هذه الاجواء هي الحكومات قبل غيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/كانون الثاني/2010 - 10/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م