مفاوضات السلام... رحلة نحو السراب

مرتضى بدر

من سياق الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، والنشاط الذي دبّ مؤخراً في عروق دول الاعتدال العربي، يعتقد المرء للوهلة الأولى أنّ هناك مفاجآت ستظهر في الأفق قد تُسرع في حركة قطار السلام، وهناك من المراقبين من يرى في هذه التحركات شيئًا من الريبة، خصوصا إذا ما ربطنا ذلك بالجمود الحاصل في الملف النووي الإيراني، والتهديدات التي تصدر من بعض الدول الغربية.

القطار الذي يُسَمّى بالسلام يقوده فعلياً ويتحكم في مصيره الكيان الصهيوني، أما الولايات المتحدة الأميركية فإنّها تقوم بدور الراعي الرسمي والمنسّق، من دون أن يكون لها تأثير على قرارات حليفتها (إسرائيل). والمؤسف أنّ عرب الاعتدال قد اعتادوا كلّ مرة على ركوب هكذا نوع من القطارات البطيئة الحركة التي تهوى التوقف في محطات عديدة لفترات طويلة، كمحطات أوسلو ومدريد... الخ.

الحديث يدور هذه الأيام عن محطة جديدة لانطلاق القطار، وجولة أخرى من المفاوضات، وبتعبير أدقّ، رحلة جديدة نحو السراب، وليس السلام الموعود. إنّ موعد انطلاق القطار وسرعته سيتحدد حسب رغبة ومزاج الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى، وتمنّيات الراعي الأميركي بالدرجة الثانية.

 الراعي الأميركي يتكلم عن احتمال قيام دويلة فلسطينية في غضون سنتين. إننا لو نتصفّح التاريخ القريب، نتذكر المواعيد التي أطلقتها الإدارات الأميركية السابقة بدءًا بجورج بوش الأب ومن ثم الابن وقبل ذلك سمعنا ذلك على لسان (بيل كلينتون)، واليوم إدارة (أوباما) تعزف نفس النغمة، وهكذا تدور الدوائر على العرب، وتضيع من خلالها حقوق الشعب الفلسطيني.

“قطار السراب” ربما يكون عنوانًا مفضّلاً لكتابة سيناريو مسرحي عن عملية السلام في الشرق الأوسط. أتمنى لو أنّ أحداً من كتّاب المسرح في عالمنا العربي يبادر مشكوراً بوضع سيناريو درامي للمشهد السياسي العربي الراهن، ويبرز لنا قصة هذا القطار من بدء انطلاقته، مرورًا بالمحطات التي توقف عندها، مع إبراز الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالعرب من محطةٍ لأخرى، وينتهي إلى ما وصل إليه هذا القطار في رحلته المشؤومة.

في الواقع، إنّ مسلسل التنازلات العربية حديث ذو شجون، وربما آخرها قبول (محمود عباس) بالدخول في المفاوضات، على رغم أنه أقسم ألا يدخل في أيّ حوار أو مفاوضات مع حكومة (نتنياهو)، إلا إذا أوقفت الاستيطان في القدس والأراضي المتنازع عليها داخل حدود عام 1967، إلا أنّ حكومة العدو لا تكترث بشروط الطرف الأضعف، وتستمر في الاستيلاء على الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات، بل أكثر من ذلك، تضع شروطًا لبدء المفاوضات، منها: قبول العرب بيهودية دولة إسرائيل، وعدم وضع القدس وعودة اللاجئين على جدول المفاوضات، وتطالب بإعادة النظر في موضوع تبادل الأراضي والحدود وفق التوسع الديموغرافي والاستيطاني، والقبول بسياسة الأمر الواقع.

في المقابل نجد القيادة الفلسطينية التي تتعرّض للضغوط من أطراف عربية ودولية للدخول في المفاوضات من دون شروط مسبقة من جهة، وتقلب مواقفها من جهة أخرى، فإنها كما يبدو تدخل مجدداً في المفاوضات، وتقدم المزيد من التنازلات كما عودتنا على ذلك. في آخر حديثٍ له مع محطة (الجزيرة) قال (عباس): “إنه طالما اختار العرب السلام واستمروا في خيارهم هذا فإنه ملتزم بخيارهم، ولن يخرج عن إرادتهم”، وهذا يعني أنه سيرضخ لإرادة دول محور الاعتدال العربي، وبصورة غير مباشرة لإرادة أميركا.

(محمود عباس) سوف يشارك في قمة إقليمية جديدة تدعو لها واشنطن، والجميع سوف يركب قطار السراب مجددًا، وتبدأ رحلة المفاوضات من أجل المفاوضات، وسنشهد هدر المزيد من الوقت والجهد، والمزيد من التنازلات من جانب عرب الاعتدال والسلطة الفلسطينية، في الوقت الذي يستمر فيه الحصار الظالم لأهل غزة، وتستمر جرافات العدو بالتوغل في الأراضي الفلسطينية لقضم المزيد من الأراضي، بينما الخلاف يتعمق بين الفلسطينيين من جهة، وحماس والحكومة المصرية المشاركة في الحصار من جهة أخرى... يا ترى متى يفيق المهرولون نحو السراب من غفلتهم؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/كانون الثاني/2010 - 9/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م