العنف الأسري: الانغلاق والتكتم يحوِّله إلى مرض اجتماعي شامل

صباح جاسم

 

شبكة النبأ: يتَّصِف العنف الأسري بأنه ظاهرة راسخة في أغلب المجتمعات وبالخصوص في المجتمعات العربية التي يكون فيها بأشكال متعددة، ولعل أشد وأكثر أشكاله إنتشاراً هو العنف النفسي الذي يسبب حالة من الاكتئاب الشديد للشخص المعنَّف خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة.

ويُقصد بالعنف الأسري عنف الآباء والأمهات فيما بينهم وضد أبنائهم، أو الأبناء فيما بينهم، وهو عنف بدني ومعنوي يترك أضراراً عديدة تؤثر فيهم مستقبلا.

وتشير الدراسات النفسية إلى ان خلافات الوالدين وما يحدث بينهما من مشاحنات ومشاجرات قد تؤثرسلبا في الحياة الزوجية لأبنائهما عند الكبر، حيث ان انتقال الصراع من جيل إلى آخر ينتج عندما لا يتعلم الأبناء سلوكيات التواصل والتفاهم بسبب مشاهدتهم ومراقبتهم للخلافات بين والديهم وكيف يتعامل بشكل سلبي بعضهم مع بعض.

والأسرة جزء اساس لتكوين المجتمع الناجح ويجب بناء هذا الاساس بطريقة التربيه السليمة وتوسيع الثقافة المجتمعية فيعرف كل شخص ما له وما عليه، ولابد ان نسعى لنبذ العنف بكل طاقاتنا. فمن البيت يبدأ الانتماء ومن ثم يصبح سلوك الابناء في الخارج مرآة لما هو داخل بيوتهم. فكثيرا ما نشاهد أثناء تجوالنا في الأحياء والطرقات وخاصة الشعبية منها اطفالاً يؤذون كل ما يصادفونه في طريقهم من الشجر والسيارات والمحلات وحتى الأشخاص بأيديهم او بألسنتهم.. وهذا انعكاس لصورة العنف الأسري.

أثر سلبي في شخصية الاطفال

تقول بثينة داود، أخصائية صعوبات تعلُّم،" إن العنف ضد النساء يخلق أثرا سلبيا في الأطفال وايضا المراهقين، وقد يدفع بعضهم وخاصة الفتيات إلى كراهية الجنس الآخر وكراهية الإرتباط، ما يسبب شرخا في تنمية العلاقة والترابط الاجتماعي". لذا يجب اللجوء إلى برامج موجهة للأسرة تناقش هذه الأمور التربوية في ظل المتغيرات الحالية وثورة التكنولوجيا، تعتمد على مبدأ الحوار الأسري لحل المشكلات، لأنه أفضل وسيلة لحياة أسرية هادئة وناجحة".

وتضيف،" ظاهرة العنف الأسري واقعة في كل المجتمعات، إلا أن المجتمع الغربي يعترف بوجود هذه المشكلة ويعمل على معالجتها بوسائل علمية، بعكس مجتمعاتنا العربية التي تعتبرها من الخصوصيات، كون هذه المشكلات يتعرض لها كل شخص وهو أمر عادي". بحسب صحيفة الدستور.

ويقول محمود عطون، صاحب مكتبة،" العنف الأسري الذي يوجه نحو احد افراد الأسرة ويتم إيقاع الأذى به نتيحة وجود خلاف بين الاب والأم او لانفصالهما الزوج والذي لايكون للأبناء أي سبب فيه ، فيقوم الاب بتوجيـه أقسى أنواع العنف تجاه ابنائه لتفريغ غضبه او قد يكون العنف من قبل زوجة الاب او زوج الأم..

ويضيف،" الأطفال الذين يتعرضون للعنف الشديد غالبا ما ينشأ عندهم حالة من العدوانية ويكون لديهم استعداد لممارسة العنف ضد الآخرين، واحيانا ضد أنفسهم. وحدوث الاكتئاب والتمرد، او الهروب من مواجهة المجتمع نتيجة إنهيار الترابط الاجتماعي لديهم وتردي الحالة النفسية، او فقدان الثقة بالنفس، أو ضعف التحصيل الدراسي".

وتقول أنعام، موظفة حكومية،" لنا في رسول الله صلى الله عليه واله أسوة حسنة فقد قال" إذا خلا في بيته ألين الناس وأكرم الناس، كان رجلا من رجالكم إلا أنه كان ضحّاكا بسّاما، وما كان إلا بشرا من البشر كان يكون في مهنة أهله - أي خدمتهم - يخصف نعله ويخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، ولا رأيته ضرب بيده إمرأة ولا خادما".

وتضيف انعام،" وكان (ص) إذا زارته ابنته فاطمة (ع) قام إليها يرحب بها ويأخذ بيدها ويجلسها في مكانه ويقول: "مرحبا بابنتي". أفلا يكون قدوتنا صلى الله عليه واله للتعامل الحسن بين أفراد الأسرة.

مَطالِب بتشريع قانون يجرِّم العنف الأسري

وفي البحرين قال الاتحاد النسائي البحريني أن 91 في المئة من المعنَّفات يتعرضنَ إلى العنف بعد الإنجاب.

وذكر الاتحاد خلال الفيلم الوثاقي الذي عرضه والإحصاءات التي قدمها أن 6 في المئة من المعنَّفات تعرضن إلى العنف بعد الزواج و 3 في المئة تعرضن للعنف أثناء فترة الخطوبة.

كما عرضت الإحصائية أن نسبة المعنفات الحاملات للشهادة الثانوية بلغ 40 في المئة، أما المعنفات الحاصلات على شهادة الدبلوم والبكالوريوس بلغ 21 في المئة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد المعنفات من حملة الماجستير 1 في المئة.

وكشفت الدراسة أن ربات البيوت هن أكثر المتعرضات إلى العنف الأسري، إذ بلغت نسبتهن 56 في المئة، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة التعنيف بالنسبة إلى الموظفات 44 في المئة.

وأوضحت الدراسة أن 90 في المئة يعتقدن أن المرأة تتعرض إلى العنف، إذ إن 12.1 في المئة من النساء يتعرضن للشتم، و11.6 يتعرضن إلى الاحتقار، وكشفت الدراسة أن 80 في المئة من العنف كان سببه المشكلات الجنسية، كما أنه كلما قل دخل الأسرة زاد العنف الأسري.

وفي هذا الصدد قالت رئيسة الاتحاد النسائي البحريني مريم الرويعي «إن الدراسات والإحصاءات أكدت أن العنف موجود في كل المجتمعات وبالذات العنف الأسري أي الممارس في إطار الأسرة، ويرتكبه أحد أفراد الأسرة قد يكون في علاقاتها الممتدة بحيث يشمل الأعمام والأخوال وقد تكون علاقاتها النووية من الأب والأم والأبناء فقط». بحسب صحيفة الوسط البحرينية.

وعللت الرويعي السبب في سكوت المعنفات عن العنف الأسري، بأنه يعود إلى الخوف على صلات القرابة، والخوف من الفضيحة وضرورة الحفاظ على الخصوصية، ولضعف العقوبة، مشيرة إلى أنه في أحيان كثيرة ترى بعض المعنفات أن العنف مقبول اجتماعيا، وذلك لاعتقادهم بان اضطهاد المرأة جزء من الدين ولذلك يجب التعايش معه والصبر عليه، مبينة أن العنف يبدأ بتعرض المرأة للضرب على يد الزوج مثلا وغير ذلك من أنواع العنف الذي تتعدد أنواعه وأشكاله وتتعدد الأضرار الناتجة عنه لتصل إلى حد اغتصاب الأب لابنته وتضطر الأم مرغمة على السكوت.

وأوضحت الرويعي أنه لابد البحث عن الحلول، مبينة أن الحل يكمن في إصدار قانون الحماية من العنف الأسري، بحيث تحدد مواده آليات التبليغ عن العنف، وإلى من تلجأ الضحية، كما يحدد إجراءات أمر الحماية، وواجبات متلقي البلاغ وواجبات النيابة العامة.

وذكرت الرويعي أن الاتحاد النسائي وضع رؤيته على «قانون الحماية من العنف الأسري» المحول إليه من مجلس النواب في العام 2007، مشيرة الى أن هناك مقترحا تمنت أن يدفع أعضاء وعضوات المجلس التشريعي به لإصدار القانون باعتباره اللبنة الأولى في مناهضة العنف الأسري بكل أشكاله.

كما تحدثت الرويعي عن انضمام مملكة البحرين إلى اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة وخصوصا التوصية (19) الخاصة بالعنف واتفاقية حقوق الطفل، مؤكدة ان هذه الاتفاقية سند قانوني والتزام على الجانب الرسمي تستند إليه مطالب الاتحاد.

أما رجل الدين السيد كامل الهاشمي فقد أكد أثناء مداخلته أن ظاهرة العنف الأسري لا تحتاج إلى قوانين وإنما تحتاج إلى ثقافة يتربى عليها الأجيال منذ الصغر، مشيرا إلى أنه لابد من تربية الرجل من صغره على ثقافة احترام المرأة حتى يستطيع فهم الطرف الآخر وهو المرأة على أنها كائن يتعامل معه بالرفق واللين.

ونوه الهاشمي بأن مشكلة العنف الأسري ليست مشكلة غياب التشريعات والقوانين، وإنما مشكلة غياب الوعي والثقافة في ضرورة احترام المرأة، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية حلت مشكلة العنف الأسري كما أن القوانين الدنيوية وضعت القوانين، إلا أنه على رغم ذلك مازالت حالات العنف الأسري تزداد وذلك بسبب غياب الوعي عن بعض الرجال.

13% من ممارسي العنف يتمنون بناتهم ذكوراً..

ومن جانب آخر يتعلق بميول الأزواج الذين يتصفون بالعنف، كشفت دراسة حديثة أن 13 في المئة من الآباء الذين يمارسون العنف الأسري، أفصحوا لبناتهم أن عنفهم ناجم عن «عدم رغبتهم في إنجاب الإناث»، وأنهم كانوا يتمنون لو أنهن كن «ذكوراً». وأوضحت الدراسة أن هؤلاء الآباء «لا يتورعون عن إخبار بناتهم بأنهن «لا يستحققن حتى مجرد الطعام الذي يحصلن عليه».

وأشارت الدراسة إلى أن العنف النفسي «أقل أشكال العنف التي تعرضت له الفتيات». وأبانت أن العنف الجسدي واللفظي والإهمال المُتعمد هي «أبرز أشكال العنف الذي يُمارس على الإناث في سن مبكرة». وأوضحت المقابلات التي أجراها باحثو مركز «رؤية للدراسات الاجتماعية»، مع ضحايا العنف الأسري، ضمن دراسة ميدانية غطت معظم مناطق السعودية أن «66 في المئة من عينة الدراسة ذكرن، أنهن تعرضن إلى الضرب بالعصي، والشد من الشعر، وحتى العض والقرص والخنق». وأشار 33 في المئة من الفتيات إلى أنهن «تعرضن إلى الكي بأدوات المائدة، كالملاعق، أو الصفع على الوجه».

وأفادت جميع الفتيات أنهن «يتعرضن إلى العنف اللفظي بصفة مستمرة داخل الأسرة»، معتبرات أن السب الموجه إليهن يعد «أمراً عادياً لا يثير حفيظة أحد في نطاق الأسرة، بل إن التوترات التي تحدث بين أعضاء الأسرة كالوالدين، غالباً ما تنعكس عليهن، فينعتن بأسوأ الصفات، حتى إن سبهن يعد شكلاً من أشكال التنفيس عن الضغوط التي يتعرض إليها الأب في عمله، أو الأم في حياتها الأسرية». وذكرت 26 في المئة من الفتيات، ممن شملتهن الدراسة أنهن «يتعرضن إلى الإهمال المتعمد كنوع من العنف الممارس ضدهن». وذكر 26 في المئة أنهن «يتعرضن بصفة مستمرة إلى التهديد بإخراجهن من المدارس، للعمل كخادمات في محيط الأسرة، لتوفير راتب العاملة». فيما أشارت ثلاث فتيات إلى أن «الوالدين كانا يغلقان على الواحدة منهن أبواب المسكن، ويخرجان للسهر عند الأقارب، من دون اهتمام بما قد يتعرضن إليه من مخاوف الوحدة، أو الحرص على إطعامهن بعد العودة من الزيارات الخارجية». بحسب صحيفة الحياة.

وأوضحت المقابلات التي أجريت مع الفتيات في الفئات العمرية المختلفة، أنهن «يتعرضن إلى العنف بوجه عام من جانب الأم، أو من يقوم بدورها، كزوجة الأب، أو العمة، أو الأخت الكبرى». أما الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 13 و 15 سنة، فقد ذكر 20 في المئة منهن أنهن «تعرضن إلى العنف الجسدي الشديد من جانب الأب بصفة أساسية»، فيما أشارت 13 في المئة من الفتيات في سن السابعة، إلى أن العاملة المنزلية هي التي كانت تضربهن، وتهددهن بمزيد من العقاب، لو أن أحداً من أفراد الأسرة علم بالاعتداء. ونبهت 20 في المئة ممن خضعن إلى الدراسة، إلى أن «إخوانهن الذكور هم من يمارسون عليهن العنف، إذا ما أغضبن أمهاتهن أو آباءهن». وتنوعت أسباب العنف الممارس ضد الفتيات، لكن «عدم طاعة الفتاة الصغيرة لمن هم أكبر منها عمراً»، يُعد السبب الأول. أما الثاني فهو «عدم مذاكرتهن لدروسهن، ومشاهدتهن التلفاز، وفق ما ذكرته 46 في المئة من فئات عمرية مختلفة. وأوردت الفتيات أسباباً مختلفة منها «العبث بمقتنيات زوجة الأب، واللعب في المنْزل، والصراخ». وأشارت ست في المئة من الفتيات إلى أنهن عوقبن بالضرب الشديد لأنهن «رفضن أن يتسولن لجلب المال للأب المُدمن، الذي أخرجهن من المدرسة، قبل أن ينجح أهل الزوج في إعادتهن إليها. بينما أبدت 20 في المئة من الفتيات دهشتهن من عدم معرفة الأسباب التي تؤدي إلى معاقبتهن. وتشير الدراسة إلى أن الفتيات عندما يتعرضن إلى العنف يلجأن إلى الاحتماء بالأشخاص الموجودين في المنْزل، الذين قد يتدخلون للتخفيف عنهن. بينما تتعقد المشكلة أمام الفتاة، إذا كان هناك إجماع بين أعضاء الأسرة على عقابها. فيما أن الفتيات الصغيرات قليلات الحيلة، ولا تملك إحداهن دفع العنف عن ذاتها.

قضايا العنف الأسري في السعودية تُقيَّد بمسميات آخرى

وفي السعودية أعترف مسؤول أمني بوزارة الداخلية السعودية أن أغلب قضايا العنف الأسري تسجل تحت مسميات أخرى أو تسقط بعقد صلح فلا تسجل رسميا ضمن محاضر رسمية.

وقال العقيد الدكتور بندر المخلف مدير غرفة العمليات الأمنية المشتركة بوزارة الداخلية شرق البلاد ,أن الواقع يرصد أكثر مما هو مسجل رسميا فيما يخص عدد حالات العنف الأسري.

وأشار خلال ندوة حقوقيها للامان الأسري انطلقت في مدينة الدمام أن شرق السعودية سجلت في اقل من 3 سنوات 663 حالة عنف تصدرتها قضايا هروب وتغيب الفتيات عن المنزل بـ312 حالة,وان هناك ألف حالة غير مبلغ عنها من حالات العنف الأسري مقابل 300 حالة مسجله.

وأشار انه بسبب وقوع العنف داخل أطار المنزل بعيدا عن الأنظار فان الضحية في الغالب لا تبلغ عن الإساءة أما لخوف أو تهديد من المعنف أو لأسباب تعود للعادات الاجتماعية السائدة.

وقال المخلف أن من أهم مسببات العنف الأسري تعاطي الكحول والمخدرات بالإضافة للأمراض النفسية والاجتماعية أو عدم التناسب بين الزوجين وضعف الوازع الديني وغيبا ثقافة الحوار وتأثرهم بالنواحي الاقتصادية وظروف المعيشة الصعبة أو البطالة ,منوه إلى أن حالات العنف تقع في الغالب على الأطفال والنساء وبعض المستضعفون من كبار السن والمعاقين.

من جانب آخر كشفت الدكتورة مها المنيف المدير التنفيذي لبرنامج الآمان الأسري الوطني أنهم رصدوا منذ 6 اشهر مع انطلاق السجل الوطني لرصد الحالات الالكتروني من خلال 38 مركز لحماية من العنف 153 حالة عنف ضد الأطفال على مستوى المناطق منها 80 طفل من الذكور و73 إناث و 60 في المائة من الحالات سببها عنف جسدي و20 في المائة عنف جنسي وبقية الحالات تندرج تحت الإهمال,مشيرة والى أن المنطقة الشرقية تحتضن 6 مراكز للحماية الأسرية في كافة مستشفيات المنطقة من اصل 38 مركز.

وقالت المنيف إلى أن البرنامج سيطلق نوفمبر المقبل تزامنا مع اليوم العالمي لطفل الرقم الموحد للخط الساخن للبلاغ عن حالات العنف ضد الأطفال يبدأ تفعيلة بالعاصمة السعودية.

فيما طالبت الأميرة عادلة بنت عبدالله نائب رئيس برنامج الآمان الأسري الوطني إلى توضيح دور المؤسسات القضائية والأمنية في مكافحة العنف المنزلي ومباشرة مهامها في حماية الضحايا ومعاقبة المعنفين.

وكانت دراسة أجراها مركز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية بالعاصمة السعودية ذكر فيها أن 21 في المائة من الأطفال يتعرضون للإيذاء الجسدي والنفسي بشكل دائم و45 في المائة منهم يتعرض للإيذاء بشكل يومي, بينما يتعرض 33 في المائة للإيذاء النفسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/كانون الثاني/2010 - 8/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م