تعاطي العقاقير المهدأة "الكبسَلة" ظاهرة أفرزتها ضغوط الحياة وعقود الحروب

 

شبكة النبأ: "الكبسلة" او تعاطي العقاقير المهدأة، ظاهرة تُلاحَظ عند البعض ممن دفعتهم ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة للجوء اليها طلبا للراحة النفسية او الجسدية، ورغم تحذيرات المختصين بشأن مخاطرها فانها تواصل انتشارها في اجواء التقلبات الاجتماعية وافرازات الحروب.

بدأت "الكبسلة" كظاهرة في عهد النظام السابق وكنتيجة لظروف الحروب الكارثية التي شهدتها البلاد، لكنها اخذت بالانتشار بعد حرب 2003 بين صفوف الشباب والمراهقين كافراز للظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي مر بها العراق، كما يقول المختصون، الذي يؤشرون انها أحد افرازات الحروب والصراعات والارتجاجات في الاوضاع الاجتماعية، كما هي نتيجة لاهمال الكثير من العوائل لأولادهم.

وتظهر قصص المدمنين على الحبوب المهدأة وجود عوامل مشتركة تساعد على الأدمان، لعل أبرزها انتشار البطالة التي تدفع البعض الى اللجوء الى تلك العقاقير هربا من واقعهم، فيما يبرز في احيان اخرى عامل الحاجة المادية مع تورط البعض في شبكات الجريمة التي يفرض نظام عمل بعضها تنفيذ جرائم القتل والسرقة تحت تأثير تلك العقاقير.

ويشير وائل عبدالله (33 عاما) أحد الذين هددت تلك العقاقير حياته، ان الادمان يبدأ بتناول بضعة حبوب مهدأة للتخلص من مشكلة نفسية او اجتماعية او مادية ويتطور الأمر تدريجيا ليهدد مع مرور الوقت حياة الانسان ويغيرها بشكل كامل.

وقال وائل ان “المدمن يصبح بلا ارادة خاضعا لتأثير تلك الحبوب او لغيرها من المواد المخدرة، والتي قد تروجها وتلجأ اليها بعض عصابات الجريمة، وهي اخطر ما في الموضوع، حين تريد كسب فرد جديد الى جماعتها، واذا ما تورط المرأ مع واحدة من تلك الجماعات حينها ان لم تنهي الحبوب حياته فان ما يقوم به تحت تأثيرها وبتوجيه من تلك الجماعة سينهي حياته”.

وتابع “الحصول على تلك الحبوب ليس صعبا واسعارها ليست غالية، وبوجود مشاكل اجتماعية او اقتصادية وبيئة فاسدة يكون من السهل تورط الشباب والمراهقين بالكبسلة، لكن من الصعب التخلص منها حتى لو انتهت تلك المشاكل”. بحسب اصوات العراق.

وكشف عبدالله عن حالات تورط مع الكبسلة فرضتها الحاجة المادية، موضحا ذلك، “اعرف بعض الشبان الذين استقطبتهم جماعات معينة واغرتهم بالعمل والمال، ولتضمن السيطرة عليهم تقوم بتوريطهم مع الكبسلة وبشكل يجعلهم خاضعين لارادتهم لينفذوا ما يطلبونه تحت تأثير تلك العقاقير”.

وفي اشارة الى تأثير الظرف الاجتماعي في التورط مع “الكبسلة” والى نتائجها الخطيرة، قال محمد حسن (30 عاما) وهو يروي قصة أحد اصدقائه المدمنين ويدعى يونس، “كان قد فقد أمه وهو طفل في السادسة من عمره، فاشرف والده على نشأته دون اهتمام كبير به، فكان على خلاف دائم معه نتيجة مشاكل عائلية فانقطع عن التعليم وتوجه للعمل لاعانة نفسه وعائلته”.

وأضاف “دفعت ضغوط الحياة يونس الى اللجوء للـ “كبسلة” فأصبح مدمنا مع تناوله المستمر للحبوب، والتي زاد جرعاتها تدريجيا، وكان يدخل البيت ويأخذ ما يمكن ان يكفيه لثلاث اشهر، ولا يخرج الى بعد نفاذ الكمية، وكأنه يريد ان ينهي حياته، بل ويكشف عن نواياه في الانتحار، لكن لم يكن أحد يصدقه ظنا انه فاقد للوعي نتيجة الحبوب التي كان يتعاطاها، لكنه فعل ذلك”.

فيما أعاد احمد جاسم (34 عاما) احد مدمني الحبوب المهدأة، سبب لجوئه الى الكبسلة لسنوات معاناته في السجن أيام النظام السابق، وكسبيل وحيد للهروب من آلام التعذيب.

وقال لوكالة اصوات العراق “تعرضت للتعذيب في سجون النظام السابق، ووجدت نفسي مضطرا لتناول بعض الحبوب المهدأة والمسكنة، حتى لا اشعر بآلام التعذيب، وفعلا كنت لا احس بجسدي حتى لو خرج الدم منه وتقرحت كامل اطرافي، وبعد خروجي من السجن تعودت على تلك الحبوب ولم يعد بامكاني تركها، فبدونها تصبح حياتي مستحيلة”.

بينما قال علي احسان (35 عاما) احد المتعاطين السابقين وهو يروي قصة تورطه مع الكبسلة وكيفية نجاته منها، “كنت احد المدمنين في السابق، والسبب الرئيسي للجوئي الى هذه الحبوب هو البطالة واوقات الفراغ الطويلة، فضلا عن مشاكل شخصية واجهتها مع عائلتي، كنت ظائعا لا اعرف ماذا افعل كي اتخلص من هذه الضغوط ولا اجد احدا يساعدني على حلها”.

وتابع “ذات يوم وكنت في غاية الكآبة، اقنعني احد الزملاء بتناول بعض الحبوب لتهدأت اعصابي، قال لي ستساعدك على التخلص من همومك، أعطاني شريطا منها تسمى بلغة الشارع بـ(الوردي) فتناولت ثلاثة اقراص دفعة واحدة وشعرت بعدها بارتياح كبير”.

واضاف “كانت هذه بدايتي مع الكبسلة التي قضيت معها اسوأ أيام حياتي فقد دفعني الحصول عليها للقيام باعمال طائشة عرضت خلالها حياتي للخطر، ووجدت نفسي ذات يوم اسرق ويلقى علي القبض، فقضيت بسببها ثلاث سنوات في السجن”.

احسان، الذي تخلص من الادمان، اكمل قصته، قائلا “بعد اطلاق سراحي دخلت أحد المستشفيات التي ساعدتني على التخلص من الادمان، كانت ايام صعبة لكني الان بخير وصحتي جيدة”، داعيا الشباب الى الابتعاد عن “اصدقاء السوء والحذر من ان تدفعهم الضغوط النفسية والمشاكل الاجتماعية مهما كان حجمها الى مثل هذه الحبوب المدمرة”.

من جانبهم، حذر اطباء وصيادلة واساتذة علم اجتماع من المخاطر الكبيرة للادمان على بعض العقاقير المهدأة، مشيرين الى ان تلك العقاقير تؤخذ في حالات خاصة وبكميات قليلة ولفترات قصيرة.

وقال الصيدلي عباس كيلان ان “هذه الأدوية تعالج حالات معينة من المصابين بامراض نفسية، لكن يساء استخدامها ويصبح معها المريض مدمنا، وفي نفس الوقت لايمكن منع بيعها في الصيدليات، وحتى لو منعت فهي تباع على أرصفة الشوارع، ويمكن الحصول عليها بسهولة”.

وتابع كيلان “هناك الكثير من الأدوية التي يتعاطاها المصابون بالكبسلة منها الباركوز والمكدون والآرتين، بالاضافة الى الأدوية التي تستعمل كعلاج للسعال مثل التوسيرام والسيدوبكت والكوداين، وغيرها مثل الفاليوم وبعض الادوية المستخدمة لعلاج الحساسية”.

وكشف كيلان عن ان تلك الادوية اذا اخذت بجرعات كبيرة ودون استشارة الاطباء فانها “تعمل على تراخي الجهاز العصبي وتجعل الانسان يفقد الشعور بما يدور حوله”، منوها الى ان بعضها “يؤدي الى الهلوسة”.

الى ذلك، أشار المعاون الطبي صباح نوري، الى ان “بداية انتشار بعض ادوية الكبسلة ومشكلة الكبسلة كظاهرة تعود الى الحرب العراقية الايرانية (1980-1988) مع اصابة الجنود اثناء المعارك بجروح مؤلمة او باضطرابات نفسية حادة، فكان الاطباء يعطونهم بعض هذه الادوية حتى لا يشعر المصاب بالألم، ثم اخذت بالانتشار مع تعود بعض الجنود عليها”.

بدوره قال استاذ علم الاجتماع بجامعة بغداد ثائر أحمد ان “ظاهرة تعاطي الحبوب المهدأة ليست جديدة وظهرت مع الحروب التي مرت على العراق، لكنها انتشرت بشكل اوسع بعد دخول القوات الامريكية حيث اصبحت ظاهرة أكثر انتشارا نتيجة عدة عوامل”.

وأضاف “يجب العمل بجدية وبشكل مشترك بين الاسرة والمجتمع والحكومة للقضاء عليها”، لافتا الى “اهمية عامل الرقابة الذاتية في مواجهة تلك الظاهرة الخطرة”.

وتابع “ان العامل الرئيسي في انتشار هذه الظاهرة هو التفكك الأسري وتشرد العوائل واهمال الوالدين لمراقبة اولادهم خاصة المراهقين والشباب، وهي بمجملها تشكل خطر كبير على الشباب، لأن هذه الفئة هي الاقل قوة لتحمل الصدمات وحالات الفشل وبالتالي هي الاكثر عرضة لحالات الادمان على العقاقير المهدأة”.

وعن المعالجات الممكنة للمشكلة، دعا احمد، الآباء الى متابعة ابنائهم ومعاملتهم بشكل جيد وان يصبحوا اصدقاء لهم خاصة في فترة المراهقة، وقال “في هذه المرحلة العمرية الحساسة بل والخطرة في حياة الانسان، يجب ان لا يشعر الشاب بانه وحيد وان احدا لا يفهمه ويستوعب همومه”.

وخلص الى القول “الاصلاح يبدأ من داخل الاسرة ومن ثم المجتمع، وعلى الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ان يكون لها دور فعال في حل هذه المشكلة من خلال الندوات التقيفية وبناء المنتديات وقاعات الرياضة وغيرها من وسائل الترفيه وقضاء الاوقات، للمساهمة في تفريغ طاقات الشباب ومعرفة توجهاتهم واحاطة هذه الظاهرة من جميع الجوانب”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/كانون الثاني/2010 - 5/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م