تعتبر الاخبار التي تنشرها وسائل الاعلام من اعظم المصادر التي تبنى
عليها الاراء والبحوث والدراسات التي تكون ذات تأثير فعال على حركة
الشعوب اليومية ومنها تتخذ القرارات المصيرية والتي تؤثر فينا غالبا...
والاستهانة بها او المرور بها عابرين غير عابئين بمحتواها البنيوي
وآثارها الجانبية هو بمثابة العيش في عالم منعزل ومنفصل فقد يأتي يوم
ونعيش تكرار الحدث دون الاستفادة من نفس الاخطاء هذا بالاضافة الى
فقدان فرص الاستفادة في بناء الشخصية العلمية المعرفية المستقلة
القادرة على التحليل والاستنباط واستقراء المستقبل من اهم مصادره
المتداولة...
نعم قد تختلف الرؤى والاساليب المنهجية ولكن تبقى الاهداف واحدة وهي
منتهى رغبة الطالب المحب للحقيقة الموضوعية بحلوها ومرها...
قراءة الحدث لن تكون بمعزل عن التأثيرات الجانبية للبيئة والموروثات
الدينية والتقاليد الاجتماعية والمستويات الثقافية والاكاديمية
والاقتصادية مع مستوى الذكاء على صعيد الفرد...
هذا يعني استحالة القراءة بدون تلك المؤثرات!...ولكن بعضها يغني
القراءة ويعطي له ابعاد جديدة تثري الواقع الانساني على اساليب جديدة
قد تكون مطمورة في عقولنا لان الزمن هو حالة من التراكم المعرفي بلا شك...ولذلك
فأن القراءة المتنوعة الجوانب للحدث تمنحه جاذبية جميلة قد تكون مفقودة
اذا تمت القراءة من بعد واحد او من خلال قراءة النص دون تحليله وتبسيطه
ونقده وهذا معروف لنا من خلال ضعف القراءة والمتابعة والتصديق للاحداث
من وسائل الاعلام التي مصدرها نظم شمولية،بينما يكون العكس من الحصول
على نفس المعلومة من مصادر مفتوحة وغير منغلقة وان كان بنسبية اعلى
لاستحالة الموضوعية المطلقة في وسائل الاعلام!...
لكل شخص القدرة ان يكون افضل من غالبية وسائل الاعلام التي تقوم
بنشر وتحليل الاخبار كون معظمها خاضع لمصادر تمويله والتي تكون في
الغالب حكومية او رأسمالية، بينما الفرد منا يكون مستقلا عن تلك
المؤثرات والتبعية ولكن بشرط امتلاك المبادئ الرئيسية للمعرفة مع
الرغبة الكاملة في الاستقلالية والموضوعية وما عداها يكون نسخة مصغرة
للتبعية الاعلامية!...
وعن المراجعة الشاملة لمستويات التبعية والاستقلالية لدى شعوب
العالم العربي...نرى التبعية الدالة على مسلوبية الارادة واضحة بجلاء
اشمئزازي لا يمكن الفلتان منه!...فللغالبية تصوراتها المبنية بصورة
اساسية على طبيعة النظام السياسي والفكري وهي ليست لكل بلد بل لكل
مجموعة اقليمية، فالخليجي لايمكنه الخروج من تصورات شيوخه طويلي العمر!...والبعثي
عن البعث طريقنا!...ولا المصري عن مصر ام الدنيا بشقيها الناصري
والساداتي!... ولا الليبي عن طريقه الاخضر في صحرائه القاحلة!...ولا
المغربي عن رداء امير المؤمنين في بلده العلماني!....الخ.
اذا خرج من تلك القيود والتي تحتاج الى جدارة وشجاعة فسوف يرى نفسه
ينظر من زوايا متعددة ومظلمة للاخرين وسوف يكون بعيدا عن الجمع العام
الذي قد يعاديه اذا بقى بصورته الانعزالية وقد يصالحه ويتودد اليه اذا
حاول نشر وعيه الجديد القوي التكوين وسط جموع العوام الذي يتركون تلك
القضايا بسبب انشغالهم اليومي بمتاعبهم الحياتية ويحاولون ان يجربوا كل
جديد لغرض الخروج من تلك الدائرة المهلكة من المتاعب ومن سيطرة بائعي
الثقافة المشوهة!... وما اصطياد الجماعات الارهابية لكل المهمشين في
مجتمعاتهم الا امثلة نموذجية لمن يبغي البناء بدلا من ترك الفرصة لمن
يبغي التخريب...
عملية المزج في القراءة بين الموضوعية والسخرية تعطي مرحا نفسيا
للتخفيف من آثار التفكير الجاف وأثره المتعب احيانا...لكن ينبغي
التفريق بين السخرية الايجابية والتي من ابرزها سخرية برناردشو
الايرلندي... وبين السخرية السلبية لبعض الكتاب العرب بدون ذكر اسمائهم
حتى لا نمنح لهم اهمية وهمية حتى ولو كانت بطريقة السخرية منهم!!...
من هذا المنطلق يكون قراءة الحدث والاستمتاع بقرائته والاستفادة من
توابعه... وبدون ذلك تبقى انعزاليتنا الفكرية كمثل انعزاليتنا الحياتية
في عالم اليوم....
عدالة الامم المتهالكة!
نقلت وكالات الانباء(10-1-2010) خبر تبرئة عيسى بن زايد المتهم
بتعذيب التاجر الافغاني الذي خدع الشيخ الذي يملك المليارات ببضعة الاف
فقط! مما يعني ان الجاني ارتكب مخالفة مالية صغيرة! والحدث تم بمشاركة
من قبل حراسه وخدمه بطريقة وحشية نقلها اصدقائه عبر تصوير مرئي لا شك
فيه وقد وضعت بلاده في حرج كبير لم تتخلص منه في ردعه بعقوبة تناسب
عمله مما جعل صورتها اكثر تشوها ... وقد تمت ادانة بعض المشاركين
الصغار بالسجن بما في ذلك الاخوان اللذان فضحا ذلك العمل المشين!...
العقوبة وقعت على الحراس والخدم وكأن هؤلاء يستطيعون الاعتراض على
سيدهم!... ومحتوى التسجيل يتضمن مشاهد تقشعر لها الابدان في طرق
التعذيب التي هي من الممارسات المنتشرة في العالم العربي وتمارسها
الاجهزة الرسمية تحت ظل القانون وبرعاية الحكومات كافة!...ولم تنتقد
الحكم سوى امريكا وبعض منظمات حقوق الانسان!...اما البلاد العربية سواء
وسائل اعلام وبخاصة الفضائيات التي تنبح ليل نهار! او حتى مواقع الحوار
في الانترنت خلت من المناقشات او ذكر الحادثة (التعليقات في موقع
العربية اغلبيتها الساحقة مؤيدة للحكم بالبراءة وبالدعاء للشيخ المتهم
بطريقة اثارت انتباه بعض المعلقين هناك مما يعني ان التزييف في
الانترنت يتم بصلافة لاحدود لها) او منظمات اهلية او حتى رجال دين لا
يخافون في الله لومة لائم بقول الحق او مشاهير الفن والادب الذين
يمارسون عملهم تحت رعاية ضمائرهم الانسانية الرقيقة اذا كان بعضهم يملك
وازع ديني ضعيف !...
الجميع اتفق لاول مرة على الصمت في اتفاق نادر الحدوث!...لماذا؟...
الجواب:لا يجوز رمي الاخرين بحجر والبيت من زجاج ومشاهد الفضائح يمكن
رؤيتها بسهولة من خلاله مما يعني التزام الجميع بمبدأ من لا يكون
بخطايا عليه رمي الحجر!...او قد يكون هنالك اسباب مجهولة! فلذلك يلتزم
الجميع الصمت الرهيب!...
في الحديث النبوي الشهير المروي بطرق وصيغ عديدة:(انما اهلكت الامم
التي قبلكم انهم اذا سرق القوي تركوه واذا سرق الضعيف اقاموا الحد عليه!)...وهو
يتفق مع العقل والمنطق ومع جميع الحالات التي تتنافى مع العدالة
المنشودة للجميع بدون تفريق...
تلك المحاكمة تذكرنا بحادثة وقعت عام 1988 عندما قتل عدي نجل
الديكتاتور صدام...الحارس الشخصي لابيه والاثنان كانا سكارى!...وبطريقة
المسرحية الهزلية التي تتعامل بها الانظمة الشمولية مع عقول شعوبها
باستخفاف لامثيل له جرت بعض احداثها مثل هذه الواقعة الحديثة!من حيث
الاقامة الجبرية المؤقتة وليس السجن كالاخرين ولكن الاختلاف البسيط هو
ان عدي سافر الى سويسرا ليقضي وقتا ممتعا لبضعة شهور وليفقد في صالات
القمار ملايين الدولارات ثم يعود الى بلاده من جديد لممارسة لهوه وعبثه
المشهوران عنه وليتصدى لممارسة مسؤولياته الرسمية بغية خلافة ابيه وقد
نسيت الحادثة المذكورة ولم يتذكرها احدا بالطبع!... والمضحك ان القاضي
آنذاك اعترض على وضع عدي في الاقامة الجبرية وقدم استقالته وكأنه من
جنس نادر!، بينما كانت تتم محاكمة اناس ابرياء بالجملة وخلال دقائق
تنتهي المحاكمة وحياتهم ايضا!...
التاريخ يكرر نفسه هنا ولكن بأختلاف بسيط في التفاصيل...القاضي
الكبير اعلن براءة المتهم دون اي عقوبة ولو شكلية! مما يعني ان النظام
القضائي برمته يحتاجان الى اصلاح وترميم من خلال ازالة امثال هؤلاء
القضاة المنحرفون والمحامون العابثون!...
تبرير التبرئة لامثيل له من السخافة التي ينبغي وضعها في ملفات
النكات العالمية!...هو مخدر وبالتالي ليس عليه جنحة او يستحق العقوبة
لانه فاقد الوعي! مما يعني ان المخدرات مسموحة له واي شيء يقع من قبله
وامثاله ينبغي ان لايعاقبوا عليها!...معنى ذلك ان كل من قام بعمل مخالف
للقانون وتحت تاثير المخدرات والكحول يكونوا ابرياء وبالتالي ضرورة
اطلاق سراحهم من السجون مع تعويض مادي ومعنوي!...ولا شيء للضحايا او
مثل التاجر الافغاني الذي كان اخرسا في ! المحكمة! سواء تعويضا يقدر
ببضعة الاف من الدراهم من شيخ يملك المليارات من الدولارات!...واقصى
عقوبة لمن سرب الفلم لانه لا تجوز الفضيحة ويجب ان تكون هنالك عقوبة
قاسية لمن يحاول مستقبلا عمل نفس الشيء!...مسكين هذا الشيخ البريء الذي
جرى تصويره بينما يقوم غيره من العوائل الحاكمة بأفظع من عمله دون ان
تتم مراقبتهم او متابعتهم!...
انها منتهى العدالة الجديدة التي يفتخر العالم العربي في تقديمها
للعالم من خلال الادعاء ان الامارات هي الاكثر تقدما في الشرق الاوسط
وهي النموذج المثالي والقادر على منافسة البلدان المتقدمة! وكأن
الحضارة هي حجارة بدون عقول او قلوب اوعدالة ومساواة بين الجميع...نفهم
ان الديمقراطية والحريات بالصورة المتعارف عنها مفقودة ولكن فقدان
العدالة وبذلك الشكل السافر امام العالم فمعنى ذلك انهيار النموذج
المثالي المزعوم كمثل انهيار دبي المالي الاخير،وسوف تكون جرس انذار
لمن يحاول البقاء في دولة يتعامل قضائها مع الجميع بتمييز واضح!...تلك
المحاكمة رسالة واضحة لمن يرغب بأخلاص في تلك الدولة في تصحيح صورتها
المشوهة من خلال اعادة المحاكمة بشفافية وليس كمثل دخول المتهم الى
قاعة المحاكمة مبتس! ما(اكيد يعرف النتيجة مسبقا) وخروجه منتصرا !... |