تداعيات الأزمة المالية: الانتحار خوفا من الجوع

انتشار الظاهرة في الدول الفقيرة يقرع ناقوس الخطر

 

شبكة النبأ: نجم عن أزمة المال العالمية الكثير من التداعيات السلبية وعلى أكثر من صعيد، تقف ظاهرة الانتحار من ابرز تلك التداعيات ألما، حيث تكشف التقارير المتوافرة عن ارتفاع كبير في معدلات الانتحار سيما في البلدان الفقيرة والمجتمعات المعدمة، التي تتفشى فيها إعداد العاطلين بأعداد كبيرة، وتشهد ترديا مستمر في الأوضاع المعيشية.

زيادة نسبة الانتحار

حيث أكدت مجموعة من الخبراء المتخصصين في دراسة عمليات الانتحار، على وجود علاقة قوية تربط بين معدلات الانتحار والاكتئاب الناتج عن الأزمات المالية، مشيرين إلى أن نتائج الأزمة الحالية قد تكون أسوأ من فترات الركود السابقة.

وقال الدكتور آلان بيرمان، المدير التنفيذي لرابطة مكافحة الانتحار في أمريكا: "لو أثبتت هذه الفترة بأنها شبيهة بفترة الثلاثينات، فإنه لابد لنا أن نقلق من العواقب."

وأكد الخبراء على أن أوضاع المعيشة الآن ما تزال أفضل من الأوضاع أيام الكساد الكبير، حيث أن الناس اليوم باتوا أكثر انفتاحا للاعتراف بمشاكلهم النفسية كما أصبحوا أكثر تقبلا للعلاج النفسي. بحسب (CNN).

إلا أنهم حذروا من أن الأزمة الاقتصادية قد تعني إنفاق مبالغ أقل على الخدمات الاجتماعية والجلسات الاستشارية التي اعتادت الشركات على تقديمها.

وأشار الخبراء إلى أن أعداد العاطلين عن العمل خلال أصعب فترات الكساد الكبير، وصلت إلى 34 مليون أمريكي، وأضافوا أنه في حال أصبح الوضع الاقتصادي الراهن شبيه لتلك الفترة، فإن تدهورالحالات النفسية للمواطنين قد تزيد بشكل ملحوظ، بسبب غياب دور العائلة وقلة تماسك المجتمع هذه الأيام.

وقال الدكتور جون ماكينتوش، خبير في عمليات الانتحار في جامعة إنديانا، "إن ظهور عواقب الأزمة وحصدها قد يتطلب فترة طويلة."

يذكر أنه يوجد أكثر من 32 ألف حالة انتحار في الولايات المتحدة الأمريكية سنويا، وأكثر من 800 ألف محاولة انتحار فاشلة، مما يضع أكثر من ثلث هؤلاء في خطر محاولة الانتحار للمرة الثانية.

ولا شك أن أكثر نتائج الأزمة الاقتصادية تأثيرا على الناس، هو فقدان منازلهم حيث قال مسؤولو رابطة مكافحة الانتحار إن "دراساتنا أثبتت إن فقدان الناس لمنازلهم، يعد أكثر نتائج الأزمة تأثيرا على الناس."

وارتفعت نسبة الاتصالات الموجهة إلى مركز مكافحة الانتحار إلى 65 في المائة خلال النصف الثاني من عام 2008.

يشار أن رجلا أمريكيا، قد قام الشهر الماضي بإطلاق النار على عائلته قبل أن يطلق النار على نفسه، وذلك بعد أن فقد وظيفته.

وكان إريفن ليوبوي قد أطلق النار على زوجته، وخمسة من أطفاله، ومن ثم قتل نفسه، بعد أن ترك رسالة قال فيها، "أنا وزوجتي وجدنا أنه من الأفضل إنهاء حياتنا، وحياة الأطفال، بدلا من تركهم في أيدي الغرباء."

انتحار 200 ألف مزارع

الى ذلك لم يجد عشرات لآلاف من المزارعين الهنود سبيلاً أمامهم سوى الانتحار للتخلص من أعباء الديون التي أثقلت كاهلهم، نتيجة التغيرات التي فرضتها "العولمة" على القطاع الزراعي في الهند، بدءاً من أسعار البذور والحبوب، وحتى النظم الزراعية الحديثة التي قلصت من حجم الأيدي العاملة بالزراعة.

وقالت الناشطة البيئية فاندانا شيفا، في مقابلة مع كريستيان أمانبور، إن ظاهرة "انتحار المزارعين بدأت في عام 1997، في أعقاب ظهور مؤسسات التحكم في إنتاج البذور"، وأضافت: "كما ترتبط الظاهرة بشكل مباشر بالمديوينات التي تمخضت نتيجة عاملين يرتبطان بالعولمة." بحسب (CNN).

وأوضحت شيفا، التي تعمل عن قرب مع المزارعين في مختلف أنحاء الهند، أن أول هذين العاملين هو إسناد مهمة توفير البذور إلى مؤسسات صناعية كيميائية، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج للمزارعين الذين يعانون بالفعل من الفقر، بالإضافة إلى انخفاض أسعار السلع الغذائية نتيجة الاقتصاد الزراعي العالمي."

ووفق التقديرات الرسمية الصادرة عن الحكومة الهندية، فقد دفعت هذه التحولات نحو 200 ألف مزارع إلى الانتحار، خلال الـ13 عاماً الماضية، أي منذ عام 1997، بعد إجبار المزارعين على شراء البذور في كل موسم، بدلاً من البذور التي كانوا يقومون بتوفيرها وتخزينها من المحصول على مدى قرون.

وذكرت شيفا أن "لقد أدى ذلك إلى تراكم الديون على المزارعين، وفي اليوم الذي يشعر فيه المزارع بأنه سيفقد أرضه بسبب أعباء توفير البذور والمخصبات الكيماوية، فإنه سيكون ذلك اليوم الذي سيقدم فيه المزارع على تناول السم."

وأضافت: "وهذا كله له ارتباط وثيق بالاقتصاد السلبي في القطاع الزراعي، حيث أصبحت عمليات الإنتاج تفرض أعباء على المزارعين أكثر مما يمكن أن يكسبه."

إلا أن أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، جاغديش باغواتي، وهو مستشار سابق للحكومة الهندية، قال إن العولمة ليست المسؤولة عن انتشار حالات الانتحار بين مزارعي القطن في ولايتي "ماهاراشترا" و"أندرا براديش" بالهند.

وأضاف باغواتي قائلاً: "هناك مزارعون في ولايات أخرى في الهند يحققون نجاحاً في زراعة وإنتاج القطن، لذلك فيجب أن تسأل: لماذا يحدث ذلك في تلك الولايات؟"

وأجاب بقوله: "ما يحدث يشبه إلى حد كبير ما شهده قطاع العقارات في الولايات المتحدة، حيث قام الوسطاء ببيع عقارات إلى أناس لا يمكنهم سداد قيمتها"، بحسب قوله.

ينتحر بعد خسارته

قالت مصادر في دمشق إن رجل أعمال سوري في الخمسين من عمره، انتحر بمدينة حلب الجمعة، اثر خسارته نحو 250 مليون دولار في تعاملات مالية مع أسواق المال الدولية.

وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية إن "المواطن أحمد عادل شويحنة البالغ من العمر 50 عاماً أقدم على الانتحار في منزله وذلك بإطلاق الرصاص على رأسه من مسدس حربي."

ووفقا للوكالة فقد أقدم شويحنة على الانتحار "بعد تركه رسالة مكتوبة إضافة إلى تسجيل صوتي له على الموبايل يشير فيه إلى أنه أقدم على هذه الخطوة بعد حالة اليأس التي أصابته نتيجة معاناته النفسية بعد الإفلاس والخسارة." بحسب (CNN).

وأوضحت الوكالة أن الرجل تعرض لخسارات متتالية "في تعاملاته مع البورصات الخارجية عن طريق وكلاء تبيّن أنهم غير مرخص لهم ويتقاضون فوائد كبيرة، حيث خسر زهاء 250 مليون دولار على مدى السنوات الأربع الماضية.

وكان الرجل اشترى كميات كبيرة من الذهب والدولارات ثم تتالت خسائره، "فلم يستطع تحمل الآثار المادية ولا المعنوية أمام أسرته وعائلته ولا أمام المجتمع وأصحاب الفعاليات الاقتصادية الذين كانوا يعتبرونه أحد أبرز رجال المال في مدينة حلب." وفقا للوكالة.

وبحسب الوكالة، فقد تعرض شويحنة قبل فترة إلى "عمل جراحي في القلب إضافة إلى تعرضه لأزمة نفسية ألزمته منزله ومنعته من الاجتماع مع الأقارب والأصدقاء."

انتحار ثلاثة إفراد من عائلة

الى ذلك انتحر ثلاثة افراد من عائلة هندية تعيش في دبي جراء معاناتهم من مشاكل مالية بنتيجة اتفاق توصلوا اليه بحسب الاب الذي نجا من محاولة الانتحار، وفق ما نقلت صحيفة "غالف نيوز".

ونقلت الصحيفة عن خليل ابراهيم المنصوري مدير قسم التحقيقات الجنائية في شرطة دبي قوله "اعترف الزوج بأنه صاحب فكرة وضع اتفاق الانتحار. وبينت تحاليل الطب الشرعي ان الوفاة سببها الانتحار".

وافادت الصحيفة ان الزوج (40 عاما) وزوجته (38 عاما) اضافة الى ابن الزوجة (22 عاما) وشقيقتها (20 عاما) انتحروا شنقا بواسطة حبل علق بمروحة متدلية من السقف في منطقة الكرامة في دبي. وقال الرجل للشرطة ان الحبل الذي لفه حول عنقه انقطع فيما توفي باقي افراد العائلة. بحسب فرانس برس.

وكانت العائلة تركت رسالة تفيد ان "الصعوبات المالية" التي يمرون بها دفعتهم الى الانتحار، وفق ما نقلت الصحيفة عن مصدر في الشرطة. ويملك الزوج محلا لبيع الاقمشة في المبنى عينه الذي انتحرت فيه عائلته.

وقد اثرت الازمة المالية العالمية كثيرا على دبي التي تواجه بعض شركاتها مشكلات في تسديد ديون مستحقة.

الانتحار بدل الجوع

تكاد حادثة انتحار الابنة الكبرى لسكينة سالم، 50 عاماً، لا تفارق بالها منذ وقوعها العام الماضي.

وروت الأم قصة ابنتها سمية وقلبها يعتصر ألماً، حيث قالت: "لقد ابتلعت ابنتي سم الفئران وكانت غارقة في دمائها عندما وجدوها.

لم يكن عمرها قد تجاوز 26 عاماً. أفكر كثيراً كيف عاشت اللحظات الأخيرة من عمرها وهي تنازع الموت لوحدها".

ووفقاً لوالديها، أُجبِرَت سمية على الانتحار لأنها وطفليها لم يعودوا يجدون ما يكفيهم من طعام. وأضافت أمها أن "زوجها كان عاطلاً عن العمل حينها، وكان يضربها عندما لا تجد طعاماً تضعه على الطاولة.. لقد كانت تعيش في توتر دائم". بحسب (CNN).

وبالرغم من أن حالة سمية ليست فريدة من نوعها، إلا أن والديها أصبحا يعيشان في عزلة بعد انتحارها إذ عادة ما توصم أسرة المنتحر بالعار في المجتمع الباكستاني.

إحصائيات الانتحار

ووفقاً للجنة المستقلة لحقوق الإنسان في باكستان، أقدم 141 شخصاً على الانتحار خلال الفترة من 25 يناير/ كانون الثاني إلى 25 فبراير/شباط، وأوضح عبد الرحمن، أمين عام اللجنة، أن "35 شخصاً من هؤلاء، بمن فيهم صبي يبلغ من العمر 12 عاماً، انتحروا لعدم تمكنهم من العثور على فرصة عمل أو بسبب معاناتهم من الفقر"، وفق شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين" التابعة للأمم المتحدة.

وسجلت اللجنة 138 حالة انتحار خلال 30 يوماً حتى 25 يناير/ كانون الثاني. وقد بلغ معدل حالات الانتحار شهرياً خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2008 أكثر من 150 حالة. ولا زالت الأرقام الخاصة بما تبقى من عام 2008 قيد التجميع.

أما في عام 2007، فقد أقدم 2,040 شخص على الأقل على الانتحار، أي بمعدل 170 شخصاً في الشهر الواحد، حسب اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في باكستان التي تعتقد أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك لأنه لا يتم التبليغ عن كل الحالات.

كما أن هناك نقص في البيانات الموثوقة المتعلقة بالانتحار، إذ تعتقد الجمعية الباكستانية للصحة النفسية أن عدد حالات الانتحار قد يتعدى 5,000 حالة سنوياً.

ولكن معدل حالات الانتحار في باكستان يظل بالرغم من ذلك الأقل في آسيا وواحداً من أدنى المعدلات في العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

الاكتئاب

وأخبر سيد هارون أحمد، رئيس الجمعية الباكستانية للصحة النفسية، أن "نسبة الاكتئاب في باكستان مرتفعة جداً" إذ يشعر 40 بالمائة من الناس في باكستان بالكآبة، وفقاً للجمعية. وأوضح أحمد أن "الفقر وانعدام الأمن الغذائي والإحباط الاجتماعي عوامل تشترك جميعها في دفع الناس إلى الإحباط والانتحار". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

ويمكن أن يؤدي عدم كفاية الغذاء أو المال إلى اليأس كما في حالة ممتاز بيبي التي قالت: "ما عساي أن أفعل؟ زوجي مصاب بالتهاب الكبد وعاجز عن العمل.

وكلما عمل لأكثر من أسبوع يخر مريضاً. لدي أربعة أطفال صغار وفي أفضل الحالات لا يتعدى دخلي 3,500 روبية [45 دولاراً] شهرياً من عملي في غسيل الملابس. كيف يمكنني إعالتهم؟ كثيراً ما أشعر أن الموت أفضل لي من الحياة. فأحياناً لا يتوفر لدينا حتى الدقيق لصنع الخبز".

من جهتها، تعتقد رخسانا جبين، وهي طبيبة بإحدى عيادات لاهور، أن الناس يشعرون أنه "لا يوجد من يستمع لشكواهم.

وأكدت أن النساء بشكل خاص أكثر عرضة للاكتئاب لأنهن "يقضين يومهن بالكامل داخل البيوت ويعانين من العنف المنزلي في بعض الأحيان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/كانون الثاني/2010 - 28/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م