شبكة النبأ: ثمة فرق جوهري بين
التقليد الأعمى وبين الاستفادة المشروعة من تجارب الآخرين، وربما لا
تفصل بينهما فوارق كبيرة، فحين يُقال أن الانسان حر في اختياراته لما
يقوده نحو حياة أفضل، فإن في هذا القول - مع صحته - جوانب اخرى هامة
تتعلق بمدى دقة هذه الخيارات، إذ ربما ينطوي الكثير منها على مخاطر
واضحة كما يحدث على سبيل المثال في التقليد الأعمى لكثير من أوجه
الحياة في الغرب لا سيما فئة الشباب التي تنقاد بسهولة الى حالة
التقليد الأعمى وغير المدروس.
وقد أكد المعنيون في هذا المجال أن التقليد الذي يتأتى بصورة
عشوائية يمسخ الشخصية الأصيلة للإنسان، بمعنى أن الشاب الذي يظن بأنه
من خلاله تقليده لبعض التقليعات الغربية إنما يطور نفسه ونمط حياته فهو
واهم قطعا، لأنه بذلك يقتل جميع الاماكانيات الفردية الاصيلة التي تكمن
في داخلة وتشكل شخصيته التي تميزه عن غيره من الناس وبذلك يكون نسخة
مكررة لمئات وربما لآلاف النسخ التي لا تختلف عن غيرها من الشخصيات بأي
شي، بمعنى أن عنصر التفرد في شخصية الشاب او الانسان عموما قد إمّحا
تماما وهنا تكمن خطورة التقليد الاعمى .
إذن هناك صنف من الشباب او من غيرهم ينجرف وراء سمة التقليد
وخطواتها من دون وعي او دراية، فتراه يسير بهذا الاتجاه وكأنه منوَّم
مغنيطيسيا حيث تفيب إرادته بصورة شبه تامة، وهناك العكس منه حيث نرى
البعض يمتلك وعيا مهما في توجيه خط الحياة من خلال التحكم الذاتي بذلك،
فنراه صاحب إرادة ووعي في تفعيل مواهبه الشخصية الاصيلة التي تستند الى
قاعدته المأخوذة من اصالة إنتمائه للجماعة، ويقول أحد الكتاب في هذا
المجال، إن الناس صنفان في تلقِّيهم للثقافة والمفاهيم الحضارية
والمدنية، من الأفكار والسلوك واللِّباس والطّعام والتعامل، واسلوب
العيش، وطريقة العلاقات الاجتماعية ..
فصنف يتلقّى عن فهم ووعي وقناعة، ويدري لماذا يؤمن بهذه الفكرة،
ولماذا يرفض غيرها .. وهو يدري لماذا يعمل هذا الشيء ، ولماذا يتركه،
وصنف آخر مُقلِّد ليس لديه فهم ولا وعي للأشياء، فهو تابع يقتنع بما
توصله إليه وسائل الإعلام والدعاية للأفكار والأزياء والمواقف
والشخصيات ونوع السلوك ... إلخ .
إذ يتلقّى الأشـياء من غير وعي، ولا تفهّم ، وهذا الانسان هو انسان
ضعيف الشخصية، لا يملك إرادته، ولا يُقرِّر موقفه .
وهكذا ينبغي أن يكون هناك حضور فاعل للمواهب الذاتية الأصيلة في
جميع مجالات الحياة ولا ينبغي التفريط بها لصالح التقليد الاعمى،
ولعلنا في مجتمعاتنا الاسلامية نواجه أخطر مشكلة يمكن أن يتعرض لها
مجتمع ما، وهي تتعلق بالحالات التي تحاول أن تتشابه مع الغرب في السلوك
وربما في التفكير وما شابه، وهنا ينبغي التفريق بين أن مشروعية محاولة
الانسان في الافادة من التجارب الانسانية الاخرى في تطوير الحياة وبين
أن يكون مقلدا أعمى لأنماط حياتهم وسلوكهم وتفكيرهم لدرجة مسخ القدرات
الذاتية التي يتحلى بها.
فالتلاقح الانساني في الفكر والتجريب الايجابي متاح، بيد أن الامر
ينبغي أن لا يتحول الى حالة تقليد تقتل مواهب الانسان ومن ثم المجتمع،
وفي هذا المجال يقول أحد الكتاب، إنّ المشكلة التي يواجهها كثير من
الناس في عالمنا الاسلامي هو التقليد الثقافي للغرب .. فالبعض يتناول
الأفكار الغربية في مجال الاُسرة والحرِّية والجنس والمرأة والأزياء
والمجتمع والعادات والتقاليد .. يتناولها ويقتنع بها عن طريق التقليد
للانسان الغربي من غير أن يُناقشها، أو ينظر إلى سيِّئاتها التطبيقية
في المجتمع الأوربي والأمريكي وأمثالهما ..ويتلقّى البعض من الناس بعض
المفاهيم الخاطئة عن الدِّين، وهي تحمل التخلّف والخرافات والأساطير ..
ويظلّ هذا الانسان يؤمن بذلك الفهم الخاطئ ويُدافع عنه، ولا يعمل على
التخلّص منه أو تغييره .
إذن ينبغي أن تكون هناك موازنة واضحة بين ما يمكن الاستفادة منه من
الثقافات الاخرى وبين التمسك بقاعدة الأصالة التي تحمي شخصية الانسان
من المسخ وتصون قدراته الذاتية المتعددة وتحصنها من الضعف او الانجراف
في مهاوي الزلل او السقوط في ساحة التقليد الاعمى، وهو ما يُلحق ضررا
عميقا وفادحا بالفرد وبالتالي بالمجتمع بصورة عامة .
ولهذا نرى تلك التأكيدات المتتالية التي يقدمها المصلحون والمختصون
في هذا الجانب للشباب وغيرهم والتي تنصحهم بأهمية الوعي وأهمية صيانة
المواهب الفردية وقدرات الذات بالاعتماد على الثقافة الام وليس الثقافة
الوافدة، وذلك من أجل صيانة الذات من الانجراف وراء حالات التقليد
العشوائي. |