الحق والحرية والفرص السانحة

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

الحديث عن الحقوق والحريات حديث موغل في القدم وقد تناولته المعرفة الإنسانية بشتى أساليبها الفلسفية والقيمة والفنية منذ أن أحس الإنسان الأول بمتعة التفكير المجرد إلا أن السجال في هذين الميدانيين اعني الحقوق والحريات لا يزل مغريا بالمزيد من الأخذ والرد.

وبقدر ما لمصطلحي الحقوق والحريات من جاذبية وبريق يستهويان العقول والقلوب ثمة قدر مواز من الغرابة والإبهام يكتنفان هذين المصطلحين لاسيما عند إرادة التمييز بينهما والإحساس بهما واقعيا وإماطة اللثام عن دعاوى التجهيل المغرض والتي تدأب على الخلط بين هذين المفهومين وتسعى جاهدة في محاولات الالتفاف على معانيهما الحقيقية ومن ثم مصادرتهما بنحو أو أخر.

وبحسب خبراء القانون فان ثمة تسالما على أن الحق لا يمكن أن يصبح حقا معمولا به فعلا ما لم يكن مشفوعا بحماية كافية وافية من لدن الدولة وبخلافه فان الحديث عن الحقوق يظل من قبيل النظريات المثالية التي لا يمكن تطبيقها على ارض الواقع، فحق التملك على سبيل المثال لا يعد حقا إذا لم يكن مصانا ضد الغصب والاعتداء من قبل الغير وهذا الحكم يجري على جميع الحقوق سواء الشخصية والفكرية والسياسية وما إليها.

أما الحرية فلا تزال هذه الكلمة عصية على التحديد الدقيق فهناك من يرى في الحرية مرادفا للحق ليس إلا وثمة من يجد فيها معنى مغايرا، وعلى الرأي الأول فان القول بان الحق هو صنو الحرية يمكن تلمسه واقعيا من حيث أن الإنسان لا يستطيع ممارسة حقوقه ما لم يكن قادرا فعلا على ممارسة هذا الحق أو ذاك فلا معنى لممارسة شيء من دون المقدرة على تنفيذه عمليا، ومعلوم أن القدرة هي الحرية أو أنها واحدة من لوازمها الأساسية وبالتالي فان الحق هو الحرية والحرية هي الحق من هذه الزاوية.

إلا أن الإيمان بهذا الترادف يهتز عند تصور حرية الاعتقاد إذ بمقدور الإنسان المضطهد على أساس الفكر أن يظل حرا نسبيا في قناعاته الفكرية بصرف النظر عن وجود مادة قانونية تعترف بحق التدين وتصونه من التعدي والانتهاك.

وإذن فالحق شيء والحرية شيء أخر بحسب وجهة النظر الجديدة هذه وسواء كان الحق رديفا للحرية أو أنهما يشيران إلى معنيين مختلفين فانه لا جدال بين الأقوام المتحضرة والتي تنهج نهجا مسالما في العيش والاجتماع على ضرورة الدفاع عن كل من الحق والحرية المشروعتين والوقوف بوجه من يسعى إلى مصادرتهما تحت هذه الذريعة أو تلك وعليه فقد مر الكفاح الإنساني من اجل ترسيخ فكرتي الحق والحرية ووضعهما موضع التطبيق الفعلي بادوار تاريخية متعددة انتهت بوضع الدساتير التي يشكل باب الحقوق والحريات واحدا من أهم أبوابها إن لم يكن أهمها على الإطلاق.

 وقد سعت المجتمعات الحية في مراحلها التاريخية المفصلية إلى تحويل هذين المفهومين النظريين إلى ثقافة جماهيرية متداولة ومحبوبة كل بحسب ما يمتلكه من خطط وأدوات عملية، ومن هنا فقد كشف الواقع عن تقدم دول بعينها على سواها في مضامير التثقيف الجماهيري بالحقوق والحريات ومن ثم تقدم مواطنيها على سواهم في مستوى الحياة الحرة والكريمة.

العراقيون بدورهم بحاجة إلى ثقافة من هذا النوع تنمي لديهم الإحساس المرهف بقيمتي الحق والحرية خاصة وأنهم من أكثر شعوب العالم تعرضا إلى حكومات الظلم والاستبداد في عصورهم القديمة والحديثة، ولكي تشيع ثقافة الحقوق والحريات في بلد بهذا الإرث المعقد ينبغي على العاملين من أبنائه في منظمات المجتمع المدني خاصة الحقوقية منها أن ينتهزوا الفرص المواتية لانجاز مهمات التثقيف الجماهيري بالحقوق والحريات الفردية والاجتماعية وتحويلها من نصوص دستورية نظرية إلى أعراف مجتمعية واضحة المعالم وتنطوي على قدر كبير من التبجيل والاحترام.

 وعلى سبيل المثال فان العراقيين يعيشون في هذه الأيام أجواء حدثين بارزين هما ذكرى هدم مراقد سامراء والاستعدادات لإجراء الانتخابات العامة وكلاهما يمثل فرصة سانحة لبيان حق وحرية الإنسان في العقيدة والاختيار، وبقدر ما يتعلق الأمر بحادثة هدم المراقد المقدسة في سامراء فان التثقيف بالحقوق والحريات ينبغي ان يترفع عن مسألة الانتصار لفريق دون اخر وان يسلك طريقا يتمثل في بيان ان حق وحرية العقيدة الدينية يجب ان يكونا مكفولين ومحميين لسائر افراد المجتمع من دون تمييز على أساس ان المجتمع محكوم بتنوع ديني ومذهبي. خاصة وان الاعتداء على الرموز الدينية الخاصة بمجتمع ما يقود إلى ما لا تحمد عقباه دائما والتاريخ القريب تكفل بالبرهنة على خطورة هذه المسألة.

أما ما يخص الحدث الانتخابي القادم فان التثقيف المطلوب يجب ان يربأ بنفسه عن الترويج لهذه القائمة الانتخابية أو تلك وان ينصب على بث الإحساس في النفوس بأهمية ما حصل عليه العراقيون من مكسب حضاري من شانه اذا ما احسن العراقيون استثماره ان يطوي صفحة الانقلابات العسكرية الدموية ذات السجل الحافل بالنكبات والانتكاسات الى الأبد مع بيان قدرة صندوق الاقتراع على تغيير الظروف الحياتية للمجتمع العراقي الراهن نحو الأفضل بشرط حسن الاختيار.

 مع التنبيه على إمكانية خطر أن يتحول هذا الصندوق المعجزة إلى خشبة عديمة القيمة إذا ما تم التفريط بحق أو حرية الانتخاب، كأن يعيش الفرد العراقي حالة الاستخفاف النفسي بهذا الحق ومن ثم التنازل عنه طواعية أو أن تُسلب منه الحرية في استخدام هذا الحق الثمين فُُيجبر بطريقة أو أخرى على منحه لمن لا يستحق.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/كانون الثاني/2010 - 26/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م