حرية التعبير والحكومات المحلية

 

شبكة النبأ: لعلنا لم نسمع سابقا بتسمية او مصطلح (الحكومة المحلية) في تأريخنا السياسي المنظور على الأقل، وهذا وحده دليل على أن الوضع السياسي في العراق قد انتقل من حال أسوأ الى حال سياسي أفضل من ناحية النهج التحرري الذي طالما تطلع إليه الناس في هذا البلد بعد عقود الجور والظلم والحرمان التي عانوها من لدن النظام السابق والانظمة التي سبقته ايضا، وهذا دليل على ما حققه الشعب في هذا المجال بعد أن كانت حكومة المركز هي المحرك الأقوى والأكبر والوحيد الذي يتحكم بمجريات الامور ويديرها وفقا لأهواء الحكومة ومصالحها التي تتجسد بمصالح القائد الاوحد وحاشيته من جوقة اللصوص والمحتالين والمتهافتين على ثروات الشعب والمستحوذين عليها في آن.

إذن نحن نفترض بأننا حققنا شوطا جيدا بإزاحة الدكتاتورية ووضع الخطوات الاولى على المسار السياسي الصحيح لا سيما ما يتعلق بتحجيم المركز وتطوير قدرات الهامش او الاطراف خاصة في الجانب السياسي وادارة شؤون المحافظات وفقا للنهج اللامركزي، وهي خطوة تحلم بها مجتمعات وشعوب كثيرة من بينها بطبيعة الحال شعوب المنطقة المقاربة والمجاورة للعراق.

لهذا تُعدّ هذه الخطوات السياسية هامة جدا كونها تؤسس لحريات أوسع وأشمل وتقوم على أنقاض نهج شمولي مقيت وضع بيده كل مقدرات الشعب، وبهذا فإن المواطن ينتظر أن تتطور هذه التجربة أكثر فأكثر لكي يقطف ثمار التحرر بصورة ملموسة وخاصة ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير بصوت عال ودونما خوف من الرقيب السلطوي او القوانين التي تحاول أن تحد من هذه الاصوات.

واذا كان هذا المطلب يوجَّه بالدرجة الاولى الى الحكومة المركزية ويطالبها على نحو دائم بعدم المساس بحرية الناس وآرائهم، فهو من باب أولى يتوجه أيضا الى الحكومات المحلية التي قد يحاول بعضها المساس بمثل هذه الحريات كما حدث في محافظة كربلاء مع احد الاعلاميين الذي يعمل في احدى اذاعات المحافظة.

لقد صرح هذا الاعلامي عبر اتصال هاتفي بـ شبكة النبأ المعلوماتية بأنه تعرّضَ الى ضغوط من بعض الجهات التي وصفها بـ (المجهولة)، وجاءت تلك الضغوط على خلفية ما يناقشه ويطرحه في برنامجه الاذاعي وما يبثه من آراء للناس حول ضعف الخدمات او غيرها من الامور السياسية التي يحق للمواطن إبداء رأيه فيها وبمناقشة حيثياتها وتأشير مكامن الخطأ والضعف فيها كونها تمس حياته وحقوقه.

وهكذا نلاحظ ان حرية التعبير التي كانت مطلبا جماهيريا دائما وقائما على الدوام يمكن أن تكون عرضة للمضايقات الحكومية او غيرها، وهذه في حقيقتها خطوة الى الوراء بل انتكاسة مخيفة للمنجز التحرري الذي دفع العراقيون من أجله أرواحاً ودماءً لا تُعوَّض بثمن، وبدلاً من ان يكون الساسة مثالاً في اسناد الرأي العام وحريته، فإنهم يفعلون العكس في محاولة لإعاقة تطور التجربة العراقية التي تُعدّ فرصة العراقيين الثمينة بل هي الفرصة التي لا يمكن للناس تضييعها او التنازل عنها او التعامل معها وفقا للرؤى والحلول الوسطية التي تداهن السلطة وتحابيها كما كان يحدث هذا سابقا، فالمسؤول الحكومي مهما علَتْ او دنَتْ مسؤوليته وموقعه لم يعد بعد اليوم اكثر من موظف تنفيذي يتقاضى على جهده وعمله راتباً من خزينة الدولة كأي موظف آخر وليس له أية امتيازات تسمح له بالتحكم بآراء المواطنين او افكارهم، ولن يحق له أن يضع المحددات بوجه الاعلاميين او غيرهم إلاّ من يتجاوز على حقوق الآخرين وهذا ما يتكفل به القضاء وحده.

أما الصحيح فهو دعم هذا النهج التحرري من لدن الحكومات المحلية والمعنيين جميعا لغرض تكريس التجربة الجديدة والنأي بالشعب عن مخاطر النهج الشمولي المتحكم بالناس ومصائرهم، ولهذا فإن اسلوب المنع والمضايقات والتخويف وما شابه لم يعد يليق بنا لا سيما المسؤولين الذين هم – يُفترض- أن يكونوا أكثر الناس حرصا على التجربة الجديدة كونهم من قادتها ومن مؤسسيها ايضا، وليس من المعقول أن يبني المسؤول بيَد ويهدم بيَد اخرى!!.

ولهذا مطلوب منا جميعاً لا سيما القادة، تعضيد التجربة المتحررة الجديدة ودعم الأصوات الاعلامية التي تؤشر الخطأ وتدعو الى تصحيحه أياً كان مصدره، وعدم اللجوء الى اسلوب التكميم مهما كانت الأسباب او التبريرات ما عدا التجاوز على القوانين المقرَّة من الجهات المعنية وهي مسألة تتصدى لها السلطة القضائية حصراً.

لذا ندعوا جميع المسؤولين ومن يهمهم الامر الى ملاحظة الخروقات في هذا الجانب ونتمنى عدم المساس بحرية التعبير والإعلام، بل الوقوف الى جانب هذه التجربة الجديدة التي لا تزال في طور التكوين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/كانون الثاني/2010 - 20/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م