بلاك ووتر ملف في حقيبة  الساسة قبل القضاة

جمال  الخرسان

لم يكد العراق يطوي سلسلة من الملفات الساخنة التي تفتح بين الحين والاخر ولاتنجلي غبرتها الا عن تسيير مظاهرات في الشارع واطلاق تصريحات ومواقف سياسية واعلامية من الوزن الثقيل وبالعملة الصعبة في بعض الاحيان لم يكد العراق ينتهِ من ذلك حتى يفتح ملف اخر يبحث له عن ابطال جدد وتصريحات جديدة تعقبها مظاهرات وشد وجذب تساهم فيه خمسون فضائية عراقية الى جنب مئات من المحطات الاذاعية والصحف المطبوعة الى جنب المواقع النشطة الكثيرة على شبكة الانترنت تختلف حدّ التباين في معظم الاحيان وربما حتى عبر رسائل الجوال، هذا ناهيك عما يمكن رصده في الاعلام العربي والدولي الذي يعير اهمية قصوى لكل ما يتعلق بالحالة العراقية.

وما يثير الساحة العراقية بمجملها هذه الايام هو قرار المحكمة الفدرالية الامريكية الذي افاد بتبرئة عناصر شركة بلاك ووتر من تهمة القتل المتعمد لسبعة عشر مدنيا عراقيا في ساحة النسور وسط بغداد يوم 16 /أيلول/ 2007.

باختصار عن بلاك ووتر

بلاك ووتر هي مجموعة شركات امنية يصل عددها الى تسعة شركات هي:

  Raven Development Group

Blackwater Training Center

Blackwater Target Syestems"

Blackwater Canine

Blackwater Airships, LLC

Blackwater Armored Vehicle

Blackwater Maritime

Greystone Limited

Blackwater Security Consulting  

تهدف هذه الشركات لتوفير الحماية الامنية للزبائن سواء اكانوا بلدانا او شركات او غير ذلك.

 تعود بداية تأسيسها الى عام 1997 حينما تأسس اول فرع من الشركة Raven Development Group  لكن بعض فروعها خصوصا الاذرع العاملة في العراق وافغانستان كان قد تأسس في عام 2002. وقد ساهم بتوفير الحماية للسفارة الامريكية في بغداد وللسفراء الامريكان هناك وكذلك البعثات الامريكية للعراق ثم الى جنب ذلك تكفلت بجزء من اعادة تأهيل الاجهزة الامنية العراقية.

قام بتأسيس الشركة اليميني إريك برنس الذي كان في السابق منخرطا في سلاح البحرية الأمريكية، ثم عمل برينس في البيت الأبيض أثناء رئاسة جورج بوش الأب وكان من مروجي الحملة الاعلامية له في انتخابات عام 1992.

 اما اشهر العاملين فيها: رئيس الشركة غاري جاكسون كان يعمل سابقا في القوات الخاصة التابعة للقوات البحرية الأمريكية. فيما كان  نائب رئيس مجلس إدارة الشركة كوفير بلاك أحد كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس جورج بوش. اضافة الى ذلك فان عضو مجلس ادارة بلاك ووتر Joseph E. Schmitz  كان يشغل منصب المفتش العام لوزارة الدفاع في حقبة ريغان.

علما ان الشركة تجند الجماعات التي عرف عنها البطش والقوة الى جنب الصلابة والجلادة ولذلك فهي لاتجند الامريكيين فقط بل الى جنب ذلك فان الشركة استقطبت رجال الكوماندوز من تركة الدكتاتور التشيلي اوغستو بنوشيه كما جاء على لسان رئيس الشركة عبر وسائل الاعلام وشرائح اخرى مثيرة للجدل وليست معنية كثيرا بالشرف العسكري الذي يتحلى به الجيش الامريكي كما هو معروف.

بعد سنوات من الانتظار ماذا بعد ؟!

الملف برمته في حقيبة الساسة وما للقضاء منه الا اليسير والا فان العدالة يمكنها ان تتجاهل كل شيء الا انها لايمكن اطلاقا ان تتجاهل الاعتراف الذي ادلى به المتهمون اذ انه سيد الادلة مهما كانت الحجج، ولذلك فان التعويل على القضاء الامريكي او الدولي في هذا الجانب لهي ورقة خاسرة في ظل ما يعرفه الجميع من ان الوجود الامريكي في الخارج يتمتع بمناعة دبلوماسية قوية حتى لو كان ذلك الوجود يتمثل بشركات امنية وخصوصا اذا كانت تلك الشركة من نوع بلاك ووتر التي تعتبر طفلا مدللا تربى في احضان النخبة السياسية الامريكية.

وما يؤكد ذلك هو القضايا الكثيرة التي رفعت ضد الشركة المذكورة في اكثر من ولاية امريكية ومن قبل جهات مختلفة بما في ذلك انزعاج تركي من تسريب اسلحة من قبل تلك الشركة الى اطراف كردية لكن دون جدوى.

لذلك فان حل القصة والمطالبات بالتعويض تتأتى عبر قرارات عراقية وقوانين تضيّق الخناق على الشركات الامنية وتهدد باستبعاد السيئة منها سيما المثيرة للجدل مثل بلاك ووتر التي حصلت على رخصة جديدة في العراق بمسمى جديد شركة "اكس اي".

ان هذه الحادثة تمثل اختبارا حقيقيا للوجود العسكري الامريكي بشركاته الامنية وعلاقته مع الدولة العراقية ثم حجم المناورة التي تبديها الحكومة العراقية في هذا الجانب خصوصا بعد التوقيع على الاتفاقية الامنية.

ان القصة انفتحت على مصراعيها وربما تفتح معها ملفات كثيرة بقيت في الظل ولم تسلط عليها الاضواء كثيرا كالخبر الذي نشرته قبل فترة صحيفة نيويورك تايمز بنشر تصريحات لمسؤولين سابقين في بلاك ووتر قالوا فيها: إنهم صرفوا مبلغ مليون دولار لمكتب الشركة في بغداد لغرض اسكات الانتقادات التي تعرضت لها عقب حادث ساحة النسور.. وقد اعلن حينها ان وزارة الداخلية شكلت لجنة لمتابعة الموضوع دون ترشح معلومات اخرى عن القضية.

وكذلك ما حصل في ذات الشركة من استقالات لكبار المسؤولين نتيجة اسباب خلافية كثيرة لازال بعضها قابعا في منطقة الظل، لكن ربما تشكل هذه القضية سلسلة قضايا اخرى من فصول طويلة تطل برأسها بين الحين والاخر كما حصل مع فضيحة ابو غريب تتكشف بعض اسرارها بين الحين والاخر.

* كاتب عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/كانون الثاني/2010 - 20/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م