نتن ياهو وسياسة الأرض المحروقة

رامي الغف

تتأرجح سياسة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الليكودي المتشدد" نتن ياهو" بين الأبيض والأسود بهدف إزالة ذلك الكابوس الذي يهدد وجود القوى الظلامية الإسرائيلية  وهو السلام، فمجرد تفكير "نتن ياهو" للجلوس على طاولة المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين فهذا يمثل تهديدا مستقبليا لليمين الاسرائيلي المتطرف. ومعلوم أن أجواء العنف والقلق والخوف من المستقبل التي تهدد الكيان الاسرائيلي هي الوصفة السحرية التي تمكن اليمين الاسرائيلي من إحكام سيطرته على المجتمع الاسرائيلي ومصيره.

ومن هنا يمكننا إدراك معنى رؤية "نتن ياهو" التي يتثبت بها حيث يتبنى أيدلوجية مؤيدة للاستيطان ومتنكرة بالكامل للحقوق الفلسطينية، والذي يعتبر الضفة الغربية جزءا من «أرض إسرائيل التاريخية»، و «القدس عاصمة موحدة لإسرائيل»، و الاستيطان هو «عمل صهيوني ريادي» "من خطابه في جامعة بار إيلان"

ومن خلف هذه الرؤية تستمر حكومة الحرب الاسرائيلية في شن حربها المسعورة لتدمير ما تبقى من أوسلو وملحقاتها المادية والبشرية.

فإذا كان ما يراه العالم من أعمال قتل جماعي للفلسطينيين وتدمير منهجي لمدنهم وقراهم وبنيتهم التحتية والاستيلاء على أراضيهم وما يتعرضون له من تصعيد عسكري بما في ذلك استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ضده مثل اليورانيوم المستنفذ والقنابل الفسفورية والغازات    والقذائف المختلفة وحصار المدن والمخيمات والقرى ومحاولة تجويعهم وسرقة أراضيهم من خلال التوسع الاستيطاني وجرح أطفالهم وقتل شبابهم ونسائهم هو خلاصة الجهد الزائف الذي بذلته ماكينة الدعاية الإسرائيلية لإظهار رئيس الوزراء الاسرائيلي "بيبي نتن ياهو" كداعية سلام فان تفاصيل الاستعدادات العسكرية والحصار العسكري الاسرائيلي والاقتصادي على الأراضي الفلسطينية ومنع دخول المواد التموينية والمساعدات الطبية وحصار القرى والمدن واعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين تجعل الحديث عن السلام مجرد غطاء مكشوف لتمرير الأهداف الإسرائيلية التي أصبحت واضحة المعالم للقاصي والداني.

بانحصارها أولا وأخيرا في محاولاته البائسة لتركيع الفلسطينيين وتمرير سياسة الأمر الواقع.

إن الوضع الناشئ الذي تبلور بعد إن استقر "بيبي نتن ياهو" في رأس المستوي السياسي الاسرائيلي يبرره الانحياز الأمريكي المطلق مع تل أبيب وهذا يترجمه التخبط الأمريكي وتردد الإدارة الأمريكية الجديدة بين الإحجام والإقدام للدخول بقوة لوقف التدهور في المنطقة.

ومن هنا تدخلت الولايات المتحدة وطرحت مبادرة  بين "نتن ياهو" وإدارة اوباما لبدء مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.

وزير العدل السابق يوسي بيلين من حزب ميرتس قال" ان "نتن ياهو" على استعداد للاتفاق على ان المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ستستمر لمدة عامين".

وقال بيلين ان بنود الاتفاقات بين "نتن ياهو" وإدارة أوباما تشمل على الجدول الزمني  فنتن ياهو مستعد لقبول اقتراح الولايات المتحدة على تخصيص 24 شهرا من المحادثات ، لكنه لا يريد أن يعلن أن الهدف هو التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية تلك الفترة. أما عن موضوع الحدود "فنتن ياهو" وافق على أن هدف المحادثات هو إنهاء الصراع والتوفيق بين الموقف الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على أساس حدود عام 1967 ، مع تبادل للأراضي المتفق عليها ، والموقف الإسرائيلي من الدولة اليهودية مع حدود آمنة معترف بها والتي من شأنها تلبية احتياجات إسرائيل الأمنية.

اما فيما يتعلق بالقدس فالجنرال "نتن ياهو" وافق على أن وضع القدس ستناقش في المفاوضات ، ولكن لم يوافق على أي شروط مسبقة بشأن هذه المسألة. أما موضوع اللاجئين : فقال "نتن ياهو" انه على استعداد لمناقشة مسألة اللاجئين في إطار متعدد الأطراف. أما عن الاتفاقات السابقة "فنتن ياهو" على استعداد للالتزام بجميع الاتفاقات الموقعة سابقا. وفيما يخص مبادرة السلام العربية "فنتن ياهو" ليس على استعداد لدعم هذه الخطة ، ولكنه مستعد ليقول أن كلا الطرفين يأخذون بعين الاعتبار المبادرات الدولية التي تسهم في تقدم عملية السلام مثل المبادرة العربية للسلام. وقد حذر زعماء حزب ميريتس أن "نتن ياهو" قد يحاول التصدي للاتفاق من خلال استرضاء اليمين ، مما قد يقوض محادثات السلام.

فالتحليل الأولى لمجريات وتطور الصراع على الأرض بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني يدل على ان الجنرال "نتن ياهو" يدير حربة المجنونة ضد الفلسطينيين على نار هادئة والتوجه نحو التصعد التدريجي للمعركة القادمة مع الفلسطينيين من خلال التسويف والترهيب والترغيب والقوة العسكرية البربرية إذا لزم الأمر.

هذه السياسة العبثية التي ما زال الجنرال "نتن ياهو" بسير على هديها هي انعكاس ظاهري لسوء ادارته السياسية والتي تمثل مدى المأزق الذي يمر به وحكومته اليمينية المتطرفة وهو دليلا ساطع على ان "نتن ياهو" الذي أغلق كل المبادرات السياسية مكتفيا بإطلاق الوعود للإسرائيليين بتحقيق النصر المبين على الفلسطينيين بالقوة العسكرية سيبقى حبيس دائرة الوهم البائسة التي ستغرق الطرفان في بحر من الدماء.

وبغض النظر عن أجواء القلق واليأس التي تسيطر على الشارع الاسرائيلي فان "نتن ياهو" ماض على ما يبدو في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة على مراحل دون هدف استراتيجي حقيقي آو يقود للحل المطلوب، وبما ان حزب الليكود الحاكم وبقية الزعران من الأحزاب اليمينية الاسرائيلية المتطرفة يتولون قيادة الكيان الإسرائيلي نحو الحريق.

ففي غياب إستراتيجية إسرائيلية شاملة يكتفي "نتن ياهو" بصفته قاتلا كبيرا بامتياز وليس زعيما سياسيا بمواصلة سياسة التصفيات واجتياح المناطق الفلسطينية وهذا يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك ان الكيان الاسرائيلي دولة إرهابية وفق كل المقاييس السياسية والأخلاقية وعندما تتجرد القيادة الإسرائيلية من الوعي السياسي فان مستقبل المنطقة يبدو سوداويا.

من هنا فالشعب الفلسطيني يعيش لحظات صعبة ومصيرية وتحديات خطيرة وكبيرة لا يمكن مواجهتها والتعامل معها إلا بإتحاد الكل الفلسطيني وبوقفة من جميع الأصدقاء من العالم ليجسد إرادة أمته وعزمه على حل قضيته طبقا لمبادئ الحق والعدل وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

*كاتب وصحفي فلسطيني

باحث في الشأن الإسرائيلي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/كانون الثاني/2010 - 19/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م