شبكة النبأ: يتفق التربويون وغيرهم
على أن العراق بواقعه السياسي الجديد يمكنه أن يقبل بتعدد الافكار
والاتجاهات لعموم مكونات الشعب العراقي، وذلك بعد أن تخلص من شمولية
التوجه والمسار سواء في السياسة او غيرها، وبعد أن أثبتت الوقائع
والتجارب الكثيرة خطأ النهج الشمولي الذي كان يعتاش على تكميم الافواه
المضادة بالرأي وقمع الافكار التي تتقاطع مع الفكر المطلوب فرضه على
الجميع.
بيد أن الجميع متفق ومؤمن بأن الآراء إن اختلفت صحّت، وهي قاعدة
أخذت بها الشعوب والامم المتقدمة، فأن تعيش ضمن حدود وطن واحد هذا لا
يعني انك ملزم بتطبيق فكر واحد تفرضه عليك اجندات سياسية او فكرية او
دينية محددة، بل ما يصح هو تعايش الآراء والافكار والتوجهات ضمن رقعة
الوطن الواحد، وهو امر يشير الى حراك ايجابي ينم عن وعي جيد بجوانب
الحياة كافة.
وقد ظهرت بعض الاشكاليات في بعض المناهج التعليمية في العراق ومنها
كتاب التربية الدينية للمرحلة الابتدائية والمراحل التالية كذلك كتاب
التأريخ وما يتضمنه من شرح للأحداث والوقائع التي مر بها العراق والعرب
عموما ابتداءً من صدر الرسالة الاسلامية مرورا بالمراحل اللاحقة.
إن وجود أكثير من دين وأكثر من طائفة في العراق يقودنا الى أهمية
معالجة هذه الاشكالية بالطريقة الأسلم التي تتماشى مع التطلعات الجديدة
التي شكلت علامات المشهد السياسي وغيره في العراق، وهنا نتفق على ان
الطالب العراقي المسيحي سوف لا يمتحن بمادة التربية الدينية الخاصة
بالاسلام كونه ليس مسلما بل مسيحيا وله دينه الخاص الذي يتضمن تعاليم
ومبادئ تختلف في تفاصيلها مع الدين الاسلامي، ولذلك وتجاوزا لهذا
الاشكال أُعفي الطلبة من المسحيين العراقين من اداء الامتحان بهذه
المادة.
بيد أن الامر لا يتوقف عند هذا الحد، فنحن نعرف بأن العراقيين الذين
يسيرون وفق المذهب الشيعي يشكلون الغالبية المطلقة من سكان العراق سواء
من الناحية الدينية او العرقية، وكما هو معروف أن المذهب الشيعي له
خصوصيات تتعلق بالتفاصيل الدينية، ويدخل هذا التوجه ضمن حرية المسار
وكذلك ضمن حرية الافكار والعقائد وهو حق مكفول انسانيا على المستوى
العالمي.
ولهذا من المفيد أن نقول بأن الحرية الجديدة ينبغي ان تتيح للجميع
تفعيل افكارهم وما يؤمنون به، لا أن تُفرض عليهم مناهج هم لا يتفقون
معها مما يقود الى تضارب بين ما يؤمن به الطفل او الانسان عموما وبين
يُفرض عليه في منهج التدريس، لأن هذا النوع من التضارب له مردودات
كثيرة تتعلق ببناء الشخصية والمجتمع عموما، ناهيك عن خلق الاحتقانات
الدينية بين هذه الطائفة او تلك مما يقود الى نوع من التناحر الفكري
الذي لا يصب في صالح الوحدة الاجتماعية او الوطنية عموما.
إن معالجة هذه الاشكاليات تبدو شبه عصية على الحل، أو كأنها تقود
الى التفرقة بين ابناء المجتمع الواحد، بيد أنها فيما لو عولجت بروية
وتأن من خلال المعنيين والمختصين في هذا المجال، فلا بد أن تكون هناك
بدائل أفضل، ولا بد أن يصل الدارسون والمعنيون الى نتائج أفضل لا تجبر
الطلاب على قراءة ما لا يتفق مع توجهاتهم الدينية وغيرها.
ولعل هذا الامر يندرج تحت بند حرية الدين والفكر وهو امر مكفول
للانسان، فكما قلنا ان من حق الانسان أن يختار دينه ويفضل هذا الفكر عن
ذاك، ولعل الاسلام الحنيف هو الذي حدد هذا الجانب واشار إليه بقوة من
خلال الآية الكريمة (لا إكراه في الدين)، وهكذا سيصب عدم اجبار الطلاب
على دراسة ما لا يتماشى مع ما يؤمنون به في المصب المطلوب.
ولهذا يمكن معالجة هذه الاشكالية المنهجية التي تظهر في مادة
التأريخ ايضا من خلال الحوار والنقاش المعمق بين الاطراف المعنية وربما
يتطلب هذا الامر جهودا مضنية إلا أننا سنتوصل الى نتائج مرضية لجميع
الاطراف في نهاية المطاف، ولعل الاهم في هذا المجال هو أن يفكر
المعنيون بقاعدة حرية الدين والفكر، وأفضلية التعدد في إطار الكل، لا
أن يفرض الكل ما يرغب به على الشرائح والفئات الاجتماعية منهجه الاوحد.
وهذا ما توجبه او تشير إليه الاجواء الجديدة في العراق التي تتيح
وتدعم التعددية في ظل الكيان الاكبر وهو امر في صالح الجميع كما يتفق
العارفون. |