معالجة الأخطاء الاجتماعية

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة تشابه بين مراحل نمو الكائن الحي ومراحل تطور المجتمع كما يرى المختصون، فالانسان على سبيل المثال يبدأ طفلا ضعيفا في قدراته الجسدية والمعرفية ثم ما يلبث القائمون عليه بمساعدته على نشأته وتطوير قدراته الأصيلة التي تتوافر في ذاته وكذلك تعليمه على اكتساب المعارف والتجارب التي تنمي قدراته وتجعله قابلا للعيش والتأقلم في محيطه بما يظهر مواهبه وينمي مهاراته العملية والفكرية في آن.

كذلك الحال مع المجتمع فهو كائن يمر في مراحل النشوء والنمو والتطور من خلال التعليم والتوجيه واستحصال المعارف من قبل أفراده ومكوناته كافة، وقد يمرض المجتمع او يتلكأ في نموه وتطوره نتيجة لاخطاء كثيرة يرتكبها القائمون على توجيهه وادارته سياسيا واقتصاديا واخلاقيا وما شابه ذلك.

لهذا ينبغي وضع المجتمع بكل شرائحه تحت مجهر المراقبة والمتابعة ايضا، وعدم ترك الامور على عواهنها، لأن المجتمع هو كائن قابل للنمو والتراجع، وكلما كثرت فيه الاخطاء من دون معالجة ومتابعة كلما كان أكثر تراجعا من غيره او مراوحا بمكانه في افضل الحالات، ولكن تُرى من هو المسؤول عن هذا المجهر؟!! ونقصد به مجهر المراقبة والمتابعة ومن ثم التصحيح، أي تصحيح الاخطاء التي تظهر في المجتمع في هذا المجال الحياتي او ذاك؟.

إن المسؤول الاول بطبيعة الحال هو القائد السياسي او الحكومة وفقا للمفهوم الحديث كونها تمسك بزمام امور المجتمع كافة وهي مسؤولة عن ادارته في الامور والمجالات كافة، ولكن هذا لا يعفي الجهات الاخرى كالمصلحين والمثقفين وغيرهم من ادوارهم في متابعة المجتمع وتصحيح ما يشط عن الصواب، وربما تتوزع الاخطاء في مجالات عدة كالسياسة والاقتصاد والتعليم وغيرها، اذ ربما يرتكب المسؤولون خطأ اقتصاديا يؤذي المجتمع كما جاء ذلك في كتاب (الاصلاح) للامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) إذ يقول في هذا المجال:

(من أكبر الأخطاء التي مُني بها العالم تحويل - بيت المال- إلى –التقاعد-، وتحويل احترام العائلة للكبار، رجالاً كانوا أم نساءً، إلى نبذهم ورميهم في ما يسمى ب‍ -دور العجزة-، وينبغي الرجوع إلى قانون الإسلام في بيت المال وتوقير الكبار وهو نوع من الإصلاح).

إذن فالشيوخ هم شريحة مهمة من المجتمع وهم عصارة الخبرات التي قام عليها المجتمع المذكور، ومن مهام الاصلاح أن لايُرمى الانسان جانبا ويهمله الآخرون بعد أن قدم لهم عصارة افكاره وخدماته طوال سنوات عمره، فمن باب اولى أن يُراعى ويُحترم نتيجة لما قدمه لمن يخلفه في مسيرة الحياة، ولعل هذا الاجراء هو نوع من تصحيح الخطأ وتعضيد المجتمع وتقوية اواصر العلاقات الاجتماعية المهمة بين شرائحه كافة، وهنالك خطأ آخر بهذا المجال يشير إليه الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه نفسه:

(أما التقاعد فإنه يلاحِظ سابق الخدمة من غير ملاحظة حاجة الشخص، وفقره وغناه، ولا ملاحظة الكفاية وعدم الكفاية فيهم، فربما خدم ما يستحق عشرة دنانير في قانون التقاعد بينما هي أكثر من احتياجه، أو يحتاج إلى عشرين ديناراً، فالعشرة أقل مما يحتاج إليه وهذا خلاف العدل والإنصاف).

ولعلنا نلاحظ هذا الكلام كأمر واقع في عالم اليوم بمجتمعاتنا، وكأن الامام الشيرازي قد استشرف نتائج هذا الخطأ مسبقا، حيث تعاني الآن شريحة الكبار والعجزة من هذا الخطأ الفادح الذي تسبب بإلقاء الكثير منهم في (دور العجزة) وحرمانهم من العيش بصورة طبيعية، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه:

(أما - دور العجزة- فهي أيضاً نوع إهانة للكبار في نبذهم وطردهم عن كيان الأسرة، فالإنسان الذي تقدم به السن وكان والداً أو والدة يحتاج إلى محبة أولاده وأحفاده وأقربائه وأن يكون محفوفاً بهم، فإذا رمي في دار العجزة، ربما قاموا بأداء بعض حاجاته الجسدية ـ فرضاً ـ ولكن ماذا عن حاجاته الروحية وما أكثرها، حيث لا علاج ولا سد لها).

ولعل البعض يرى بأن الدور العملي لشريحة الكبار والعجزة قد انتهى (كما يقول بعضهم) بيد ان الجانب الانساني والاخلاقي يحتم على الجميع مراعاتهم كونهم جميعا سيمرون لاحقا بهذه المرحلة، كما ان الاهتمام بهم هو تعميق للقيم الاخلاقية التي تزيد من تلاحم المجتمع واستقراره وتطوره، وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي :

(قال أمير المؤمنين –ع- وقروا كباركم يوقركم صغاركم ). غرر الحكم

فحين يرى الصغير تصحيحا لمثل هذا الخطأ الاجتماعي فإنه سينمو وتنمو معه هذه السمة الانسانية التي تصب في صالح الجميع صغارا وكبارا، وهنالك جوانب متعدد يحث عليها الامام الشيرازي بكتابه القيّم هذا تتعلق بزيارة المستشفيات وغيرها من الافعال التي تزيد من لحمة المجتمع وتقاربه وتراحمه المطلوب في جميع الاحوال، فنقرأ في هذا المجال:

(من المفيد جداً أن يزور الإنسان بين فترة وأخرى دار العجزة، والمستشفيات، ودار المجانين، ودار المتخلفين عقلياً أو جسدياً، وحتى السجون والمقابر، لا ليتعظ فقط، والاتعاظ مهم جداً، بل للعلاج بقدر الإمكان. وكذلك يلزم تشكيل هيئة لنجاة المومسات في دور البغاء إن كانت، كما في كثير من بلدان العالم. فإنهم بشر ولهم نفس الحاجات البدينة والروحية، فلماذا ندعهم يعانون من هذه المفاسد مع إمكان العلاج ولو بقدر).

وهكذا نلاحظ أن التشارك في معالجة الاخطاء الاجتماعية التي تتعلق بحياة الانسان على اختلاف انواعها سيقود دائما الى تقوية العلاقات الانسانية بين افراد وشرائح المجتمع المذكور وانها بالنتيجة ستنتهي الى بناء مجتمع مستقر معاصر ومتحضر في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الاول/2009 - 27/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م