وصايا المرجع الشيرازي حول إحياء الشعائر الحسينية

الباحث/ عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: إذا أجمع الطغاة والمستبدون على فناء شخص ما، وخلدته صفحات التاريخ فذلك دليل على حقانية ذلك الشخص، ولاشك أنها معجزة إلهية لسيد الشهداء الحسين (عليه السلام) وبرهان مظلوميته وأحقيته، وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.

من اجل هذا يذكِّر سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله  ببعض الوصايا والملاحظات لمقيمي الشعائر الحسينية والقائمين عليها:

1- استغناء الامام سيد الشهداء (عليه السلام):

يجب أن نعلم بأن الامام الحسين (عليه السلام) غني عنّا، فالمعصومون (ع) هم ذوات مقدسة، وهم نور الله وسبب سكون خلقه، لذا فهم في غنى عن العالمين، إلا الله سبحانه وتعالى. نحن الذين نحتاجهم في الأمور، فإن وُفقنا في إحياء شعائرهم وذكرهم فتلك نعمة منّ الله علينا، وفضل جاد به أئمتنا (ع) فشملونا بعطفهم وأدخلونا في كنفهم.

وإذا انتابنا الكلل يوما في هذا الطريق وشعرنا بالاكتفاء عن بذل المزيد في إقامة مراسيم العزاء الحسينية، فإن ذلك سيكون لنا بمثابة ناقوس الخطر الذي ينبهنا لئلا نخاطر بالتفريط بهذا العمل العظيم فنحرم أنفسنا من الثواب الجزيل بعد أن قضينا عمرا في خدمة البيت الحسيني. فالسعيد من سعد بمجاورة البيت الحسيني ووفق في خدمته.

في ادعيتنا في شهر رمضان المبارك نقول: (ولا تستبدل بي غيري). هذه العبارة مهمة جدا للقائمين على مجالس العزاء الحسينية على الرغم من مكانتهم المرموقة، يجب أن يتنبهوا الى معناها ويدعوا الله أن يوفقهم لاستمرار خدمة اهل البيت (عليهم السلام) حتى الرمق الاخير.

يخبرنا التاريخ عن بعض الذين رافقوا الإمام الحسين(عليه السلام) في رحلته من المدينة ومكة حتى العراق ولكن قبيل يوم عاشوراء وهن عزمهم وتراجعوا عن نيتهم فاعتذروا من الامام ورجعوا، وهناك جمع كبير تحرك باتجاه العراق مباشرة في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة ولم يعد الى مكة وذلك ليحظى بشرف الوقوف الى جانب أبي عبد الله (سلام الله عليه) ضد اعدائه، ولكن من هذا العدد الكبير استطاع نفر قليل فقط أن يحظى بتوفيق الشهادة في جيش الإمام (سلام الله عليه)، وهناك من طلب الشهادة في نصرة سيد الشهداء (عليه السلام) ونالها بالفعل رغم ما كان عليه من تباين الهوى والمعتقد من امثال زهير بن القين الذي كان عثمانيا، والحر الرياحي الذي كان من قادة الجيش الأموي، ورجل مسيحي هو وهب بن عبد الله بن جناب الكلبي.

2- السير في طريق الاهداف الحسينية:

من مسؤولية الجميع، على الأخص القائمين بأمر العزاء الحسيني، معرفة الأهداف التي جاهد من اجلها الإمام الحسين (عليه السلام) والسعي الى تفعيلها والاستفادة من ثمارها.

إننا إذا بذلنا الجهود في سبيل تعريف الإسلام وإيقاف الناس على تعاليمه السمحاء فقد سرنا على طريق أهداف أبي عبد الله الحسين (ع) فلندعوا غير المسلمين الى الدخول في الإسلام او غير الشيعة لأن يستبصروا، ولنعمل على تثبيت قلوب ضعيفي الإيمان من الشيعة، ودعوتهم الى الصلاح والاستقامة في عقيدتهم وعملهم، وبذلك نكون قد ساهمنا في تطبيق تلك الأهداف المضيئة، ولن تكون هذه الأعمال أقل قيمة او ثوابا من إحياء مجالس العزاء الحسينية. يقول الإمام الحسين (ع) عن نهضته: ( أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن ابي طالب عليه السلام).

ومن مسؤوليتنا، خاصة القائمين على مواكب العزاء، أن نتعلم أحكام الله تعالى، من قبيل تفسير القرآن الكريم، ومسائل الحلال والحرام، والآداب والاخلاق، وسائر التعاليم الإسلامية وأن نعلمها الآخرين. لقد ضحى الإمام الحسين (سلام الله عليه) بدمه الزكي من أجل إقامة شريعة الله وأحكامه، ويجب على اتباع مدرسة الإمام (عليه السلام) أن يسيروا في الطريق نفسه.

ولاننسى بأن أحكام الله لا تتعلق بالصلاة والصوم والخمس والزكاة والحج فقط. فمعارف أل البيت (سلام الله عليهم) بحر لا ينفد.، كل يغترف منه بمقدار حاجته وقدرته. إن إقامة جلسات تعليم أحكام الإلهية وتفسير القرآن الكريم ونشر الكراسات الدينية تعد من طرق نشر المعارف الإسلامية وتعريف الجميع بمدرسة أهل البيت عليهم سلام الله.

3- الإخلاص في العمل  

التحلي بالاخلاص هو الاساس لكل من نذرَ نفسه للسير على نهج الإمام (ع) او أراد أن يستظل بخيمته.

ففي الوقت الذي كان فيه بدن سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شدة الالم من أثر الرماح والسيوف، واهل بيته ـ اخواته ونساؤه واطفاله ـ تحاصرهم نيران سياط بني امية وكان الاعداء يستعدون لقتله، وتحت وطأة كل هذه الاوضاع العصبية التي تستعصي على الوصف ترى الامام (سلام الله عليه) يدعو: (اللهم أنت ثقتي في كل كرب). هذه الكلمة تمثل قمة التسليم والاخلاص لله تعالى، وجدير بنا نحن ايضا أن ننتهج النهج نفسه في اعمالنا عند خدمتنا في البيت الحسيني، وأن لا نتوخى غير إعلاء اسمه وذكره واهدافه.

وإذا كانت هناك اختلافات بيننا فلا نعكر صفو المجالس الحسينية بها، ويجب ان تكون الخلافات والمقالات وجميع قضايانا الشخصية خارج البيت الحسيني، وأن نكرس ذلك البيت لإقامة مراسيم العزاء وإحياء الشعائر الحسينية فقط.

4- اجتناب المعاصي:

النقطة الاهم التي يلزم الاهتمام بها هي اجتناب المعاصي، وتزداد اهميتها بالنسبة للمعزين في شهر محرم الحرام. يجب علينا اجتناب المعاصي مهما بدت صغيرة ويجب قبل هذا تشخيص المحرمات والمعاصي، لأن من يجهل حدود الحلال والحرام وتنقصه المعرفة اللازمة في هذا المجال، لا يستطيع حفظ نفسه عن الوقوع في المعاصي، من هنا فمن اللازم أن يتعلم الانسان المحرمات غير المعروفة ايضا لينأى بنفسه عنها، على سبيل المثال، اعانة الظالمين   بأي نحو كان، هي من المحرمات غير المعروفة.

صفوان الجمال هو احد اصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) وسمي بالجمال لأنه كان يعتاش عن طريق إكرائه الجمال للمسافرين، قال له الإمام الكاظم (عليه السلام) يوما : كل شيء منك حسن جميل إلا كراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون.

وقلما ورد مثل هذا الاطراء والمدح في احد من الأصحاب وهو يدل على سمو منزلة صفوان وولائه لأهل البيت (سلام الله عليهم). وفي الوقت ذاته لا يظن احد أن هارون كان بحاجة الى إبل صفوان، إنه لم يكن بحاجة لا الى صفوان ولا الى إبله، وانما كانت عينه على شيء آخر، وانه كان على علم بولاء صفوان لموسى بن جعفر (عليه السلام)، لذلك كان يفعل ذلك عله يجذبه اليه فيتردد عليه مرة او مرتين في العام ويبعد عن الإمام (عليه السلام) لكن الامام (عليه السلام) لم يجز حتى هذا الاتصال الضعيف حينما سأل صفوان قائلا: أترغب أن يرجع هارون من حجه فينقدك مبلغ كرايته لإبلك؟

فأجاب صفوان: بلى، لكن عندما ذكر له الامام (عليه السلام) عدم جواز هذا المقدار من الرغبة، قرر صفوان بيع جميع إبله. الامام (عليه السلام) كان يعلم أن هذه الخطوة لن تؤثر على هارون واعماله لكنه اراد أن تكون صحيفة صفوان خالية من هذا الذنب المغفول عنه.

ويروى أن احد اصحاب الامام الصادق (عليه السلام) كان بنّاء بنى عمارات كثيرة من جملتها قصور فخمة لحكام بني العباس وبيوت فارهة ومساجد. وجاء هذا الشخص يوما الى الامام جعفر الصادق (عليه السلام) وقال له: يا ابن رسول الله، سأمتنع من الآن فيما بعد عن بناء القصور لبني العباس وساكتفي ببناء المساجد لهم. فقال له الامام: (لا تعنهم حتى في بناء مسجد). فكان ذلك جوابا واضحا من الامام (عليه السلام) في الامتناع عن اعانة الظالم حتى في بناء المساجد.

فالجدير بالقائمين بأمور إحياء الشعائر الحسينية أن ينحوا بأنفسهم عن ارتكاب المحرمات أياً كانت، وان يتجنبوا المعاصي المستترة عن العيان ايضا ليجعلوا محور أعمالهم قضية الامام الحسين (سلام الله عليه) وما يتعلق بها فقط، ويتجنبوا الانشغال في قضايا اخرى خارجة عن هذا الاطار، وان لا تكون هذه المجالس للنزاعات والاختلافات وتصفية الحسابات الشخصية والمناوشات الكلامية.

5- اسلوب الدعوة واهميته

الامر الآخر المهم هنا هو اسلوب الدعوة ودوره في اقامة الشعائر الحسينية، اذ باتقانه يمكن انجاز الكثير من الاعمال وتقديم احسن الخدمات، اذا ما اجاد المتصدي كيفية استقطاب الافراد ودعوتهم الى المشاركة بالعزاء، فبعض ينبغي حثه على حضور المجالس والاستماع الى المراثي والمشاركة في مراسيم اللطم، وبعض آخر يتم تشجيعهم على المساهمة المالية من خلال اهداء التبرعات ـ مهما كان حجمها ـ الى مجالس العزاء، او منح الفرصة لأولئك القادرين على تقديم مختلف الخدمات الى المعزين لأن يقوموا بهذه المهمات والمساهمة في خدمة ضيوف أبي عبد الله (سلام الله عليه).

المهم أن يستحضر الجميع ـ كل حسب موقعه ـ الواجب الملقى على عاتقه في هذا المجال، وأن لا يتوانى عن ذلك، وأن يحصن نفسه من اليأس بفعل وساوس الشيطان. من المسائل المهمة، هي المساهمات المالية التي يجب ان لا نستصغرها، فلا يخجل الانسان من المساهمة المالية وإن قلَّ المبلغ الذي يتبرع به، فالبحر يتكون من اجتماع القطرات، وما يدريك، لعل في هذا المبلغ الصغير من البركة والخير لا تتوافر عليه المبالغ الكبيرة، لذا يجب تشجيع أي مساهم مهما كان حجم مساهمته صغيرا او كبيرا، وأن توظَّف هذه التبرعات في اقامة مجالس العزاء على احسن وجه. ففي هذا العمل كرامة وشرف كبيران، وفي الواقع إن المشاركة في اقامة هذه المجالس سواء من تبرع بالمبلغ او جمعه  او الذي هيا مستلزمات العزاء، فجميعهم لهم أجر كريم.

أما الذين لهم الاستطاعة المالية ويرفضون دعوات التبرع المالي فأقل ما يقال عنهم إنهم محرومون من هذا الثواب وهذه السعادة، وبالتالي لا ينبغي الإلحاح في الطلب اليهم، لأنه أحرى بالإنسان أن يبادر بنفسه الى هذه الكرامة العظيمة.

6- إنقاذ الناس من الضلالة:

النقطة الأخرى هي العمل على تحقيق هدف نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) المتمثل بإنقاذ الناس من الضلالة. لإن هدف نهضة الامام الحسين (عليه السلام) يتلخص في هذه العبارة العظيمة: "لقد اراد أن ينقذ الناس من جهلهم وضلالهم".

لذلك على القائمين بأمور العزاء الحسيني أن يضعوا هذا الهدف المقدس نصب أعينهم، وأن يسعوا الى تحقيقه كما اراد الإمام (سلام الله عليه).

من هذا المنطلق يجب أن تتنوع مجالس العزاء في مضامينها لتضم قراء المراثي وإقامة العزاء، وبيان الاحكام الشرعية وتناول التاريخ الاسلامي ومعارف اهل البيت (سلام الله عليهم) وبيان فلسفة نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) ومكتسباتها، ليكون المعزون قد تلقوا تثقيفا دينيا مناسبا. وينبغي ذكر بعض القصص التاريخية عن اهل البيت (سلام الله عليهم) وإلقاء بعض المفاهيم الأخلاقية والأدبية الخاصة بالاطفال، بالاضافة الى تناول بعض الاحكام الشرعية الخاصة بالنساء في المجالس الخاصة بهن، وكذلك اصدار الكراسات العلمية، وهذه بعض الطرق الكفيلة بتوسيع الخلفية الثقافية للمشاركة في المجالس وخدمة الاهداف السامية التي نهض من اجلها الإمام (سلام الله عليه) وهي التنوير وانقاذ الضالين من ضلالهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الاول/2009 - 27/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م