الشيخ عباس القمي (رحمه الله).. ذكرى خالدة مع مفاتيح الجنان

 

شبكة النبأ: عالم من علماء الشيعة وقلم من أقلام الإمامية، كرس حياته لطلب العلم والاجتهاد مخلصاً متفانياً في حب الله فكان من الخالدين، عرفته الأجيال المتتابعة وسيبقى خالداً خلود كتابه العظيم "مفاتيح الجنان"، انه الشيخ عباس القمي (رحمه الله) الذي تمر علينا ذكرى رحيله هذه الايام.

ومع هذه السطور المتواضعة نتعرف على شخصيته: هو الشيخ عباس بن محمّد رضا بن أبي القاسم القمّي المولود سنة 1294 هـ في مدينة قم المقدسة وأمضى طفولته وشبابه في هذه المدينة المقدسة، درس فيها مرحلة المقدمات وكذلك الفقه والأصول كما وقد درس بعض العلوم الأخرى عند آية الله الميرزا محمد الأرباب.

وفي سنة 1316 هـ هاجر إلى النجف الأشراف لإكمال دراسته، وأخذ يحضر دروس آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي، وكانت له رغبة شديدة بدراسة علوم الحديث ولإشباع هذه الرغبة لازم العلاّمة المحدّث الشيخ حسين النوري لينهل من علومه في هذا المجال.

في سنة 1318 هـ تشرّف بحج بيت الله الحرام، وبعد انتهاء موسم الحج عاد إلى قم المقدسة، وبقي فيها مدة قصيرة ثم عاد إلى النجف الاشرف وبقي ملازماً أستاذه المحدث النوري وأخذ يساعده في استنساخ كتابه المعروف (مستدرك الوسائل).

في عام 1322 هـ وبعد مرور عامين على رحيل أستاذه المحدث النوري عاد إلى مدينة قم المقدسة بسبب تدهور وضعه الصحي وبعد عودته انشغل بالتأليف والترجمة والوعظ والإرشاد.

في سنة 1331 هـ، شد الرحال إلى مدينة مشهد المقدسة، وبعد أن استقر فيها إلى جوار الروضة الرضوية المطهرة، عاد إلى التدوين والتأليف والإرشاد، وتدريس علم الأخلاق، وأقام هناك مدة اثنتي عشرة سنة.

في سنة 1341هـ، شرع في مدينة مشهد المقدسة بإلقاء دروسه في علم الأخلاق بمدرسة الميرزا جعفر للعلوم الدينية، استجابة للطلبات التي وجهها إليه طلاب الحوزة العلمية هناك، وشيئاً فشيئاً ازداد عدد الطلاب الذين يحضرون درسه حتى بلغ تعدادهم ألف طالب.

طلب منه علماء مدينة قم المقدسة العودة إليها، لحاجة آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري إلى أمثاله لتشييد أركان الحوزة العلمية الفتيّة في قم والتدريس بها، فاستجاب لطلبهم وعاد إلى قم المقدّسة. 

إجازاته:

حاز على إجازة بالرواية من بعض المشايخ، ومنح إجازة برواية الحديث من العلماء الذين عاشوا في الخمسين سنة الأخيرة، منهم: الإمام الخميني، وآية الله العظمى السيد المرعشي وآية الله العظمى السيد الميلاني (قدس الله سرهم).

وبعد المجزرة التي أحدثها رضا خان في مسجد (گوهر شاد) في مشهد المقدسة، وما ترتب عليها من إبعاد آية الله العظمى السيد حسين القمي (قدس سره) إلى العراق صمّم المحدث القمي على الهجرة إلى النجف الأشرف، وبقي فيها إلى آخر عمره الشريف. 

صفاته وأخلاقه:

اهتمامه بالتأليف، كان من اخص خصوصياته اهتمامه بالتدوين والتأليف والترجمة، وقد نقل عنه كثيرون هذا الاهتمام، ولنستمع إلى ما يقوله ابنه الأكبر حول تعلق والده بالكتابة: عندما كنت طفلا كنت أرى والدي مشغولا بالكتابة من الصباح إلى المساء دون انقطاع، وحتى عندما كنا نسافر إلى خارج المدينة.

اهتمامه بالآخرين وزهده:

كان الشيخ القمي مراعياً لأصدقائه ورفاقه بشكل منقطع النظير، فعندما كان يرافقهم في السفر فانه كان يهتم بهم اهتماماً كبيراً، ويحترمهم ويعاملهم بالأخلاق الحسنة.

وكان زاهداً في دنياه، مبتعداً عن مظاهر الترف، غير متعلق بالمظاهر الدنيوية الزائفة وقد نقلت قصص كثيرة عن زهده ننقل واحدة منها كنموذج: في إحدى المرات جاءته امرأتان من مدينة بومباي الهندية، وأبلغتاه عن رغبتهما بتقديم مبلغ شهري قدره خمس وسبعون روبية، فامتنع الشيخ القمي عن قبول المبلغ، فاعترض عليه أحد أبنائه، فرد عليه بشدة قائلا: (اسكت، إن الأموال التي صرفتها في السابق ولحد الآن لا اعرف كيف أجيب عنها غداً عند الله عز وجل، وعند صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، ولذلك امتنعت عن قبول هذا المبلغ لئلا اعرض نفسي إلى ثقل المسؤولية).

تواضعه:

 كان يتواضع للـجميع وعلى الأخص العلماء منهم، يحدثهم بأخبار أهل البيت (عليهم السلام) ويتعامل معهم بأخلاق الأئمة والمعصومين(ع) وكان من عادته عدم الجلوس في صدر المجلس فهو يجلس حيث ينتهي به المجلس، ولا يقوم بتفضيل نفسه على الآخرين.

نفوذ كلامه:

كان لكلامه وخطاباته (رحمه الله) تأثيراً في نفوس سامعيه، لأنه عندما كان يدعو الناس إلى الالتزام بإحدى العبادات أو خلق من الأخلاق، فكان يُلزم نفسه أولا ثم يدعوا الناس إليه، فهو يضع على الدوام نصب عينيه الآية الشريفة: (كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) سورة الصف الآية: 3.

عبادته:

كان الشيخ عباس القمي متقيداً بالعبادات المستحبة، مثل النوافل اليومية وتلاوة القرآن الكريم وقراءة الأدعية والأذكار عن الأئمة (عليهم السلام)، وكذلك إحياء الليل بالعبادة وإقامة صلاة الليل، وفي خصوص ذلك قال ابنه الأكبر: (لا أتذكر أنه في ليلة ما تأخر في النهوض للعبادة، حتى في السفر) ومن مميزاته الأخرى: احترامه لكل من ينتسب إلى الرسول محمد (ص)، عاملا بقوله (ص): (أكرموا أولادي...).

 آثاره العلميّة:

له آثار علمية كثيرة بلغت أكثر من اثنين وستين أثراً، نذكر جملة منها وهي:

1 ـ الفوائد الرجبية فيما يتعلق بالشهور العربية.

2 ـ الدرة اليتيمة في تتمات الدرة الثمينة: شرح باللغة الفارسية لكتاب نصاب الصبيان.

3 ـ مختصر الأبواب في السنن والآداب: مختصر لكتاب حلية المتقين للعلامة المجلسي.

4 ـ هدية الزائرين وبهجة الناظرين: (باللغة الفارسية).

5 ـ اللآلي المنثورة في الأحراز والأذكار المأثورة (طبع حجري).

6 ـ الفصول العلّية في المناقب المرتضوية (باللغة الفارسية).

7 ـ سبيل الرشاد: رسالة مختصرة في أصول الدين.

8 ـ حكمة بالغة ومئة كلمة جامعة: شرح باللغة الفارسية لمئة كلمة من كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

9 ـ ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس التجار: خلاصة لكتاب أنيس التجار للملا مهدي النراقي (رحمه الله).

10 ـ رسالة في الذنوب الكبيرة والصغيرة (بالفارسية).

11 ـ ترجمة كتاب العروة الوثقى لآية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي إلى اللغة الفارسية (من فصل الطهارة إلى فصل الستر والساتر في الصلاة).

12 ـ مفاتيح الجنان: غني عن البيان وموجود في كل روضة من الرياض المشرفة للأئمة (عليهم السلام)، وفي أغلب البيوت الشيعية (ترجم من اللغة الفارسية إلى اللغتين العربية والأورديّة).

13 ـ كتاب تحفة طوسية ونغمة قدسية: رسالة مختصرة تتعلق بزيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، وذكر فضلها وثوابها.

14 ـ رسالة دستور العمل.

15 ـ نفس المهموم: (كتاب قيّم في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)).

16 ـ نفثة المصدور: في تواريخ الحجج الإلهية.

17 ـ الأنوار البهية: شرح لحياة المعصومين الأربعة عشر باللغة العربية وترجم إلى اللغة الفارسية.

18 ـ منازل الآخرة: وهو من الكتب النفيسة.

19 ـ ترجمة مصباح المتهجد، للشيخ الطوسي من العربية إلى الفارسية.

20 ـ نزهة الناظر: ترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية لكتاب معدن الجواهر للشيخ الكراجكي. 

أقوال العلماء فيه:

قال فيه مؤلف كتاب معارف الرجال: (كان آية الله الشيخ عباس القمي عالماً عاملا، وثقة عدلا متتبعاً، وبحّاثة عصره، أميناً مهذباً، زاهداً عابداً، صاحب المؤلفات المفيدة...). 

وفاته:

لبّى الشيخ القمي نداء ربه بتاريخ 23 / ذي الحجة الحرام / 1359 هـ في النجف الأشرف بعد أن قضى خمسة وستين عاماً من عمره الشريف في البر والتقوى وخدمة الشريعة الغرّاء، وصلى عليه آية الله العظمى السيد أبو الحسن الاصفهاني (رضوان الله عليه)، وبعد أن شيع تشييعاً مهيباً حضره علماء وفضلاء الحوزة وشرائح مختلفة من أهالي مدينة النجف الأشرف، تم دفنه إلى جوار أستاذه المحدث النوري في الصحن الشريف للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف الأشراف.

...................................................................

المصادر/

- مواقع اسلامية

- صحيفة الهدى

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 13/كانون الاول/2009 - 25/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م