شبكة النبأ: أبو طالب حامي الرسول
وكافله، والذاب عنه الحصن المنيع الذي وقى الرسول من المشركين والراعي
المخلص للأسلام، ذلك الرجل العظيم الذي ما استطاعت روايات المأجورين
المسوسة من النيل من إيمانه ومكانته الجليلة، كما لم يستطع المتملقون
والمتزلفون للسلطة الاموية من زعزعة منزلة هذا الطود الشامخ، فرغم كل
الروايات المأجورة التي وضعها مرتزقة الدولة الاموية ومن تابعهم على
نهجهم الى الآن للحط من ايمان شيخ البطحاء وسيدها إلا ان نور هذا الرجل
الذي هو من نور الاسلام قد عم وانتشروا لقم الحاقدين حجراً (ويأبى الله
إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون) وكما قال المتنبي:
وإذا استطاع الشيء قام بنفسه وصفاء ضوء الشمس يذهب
باطلا
أجل أن من ينكر أيمان ابي طالب كمن ينكر ضوء الشمس: ( فمن كان في
هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا) فلولا مواقف أبي طالب في
حماية النبي (ص) والمسلمين لما قامت للأسلام قائمة وما أحسن ما قال أبن
أبي الحديد:
ولولا أبو طالب وأبنه لما مثل شخصاً
فقاما
فهذا بمكة آوى وحامى وهذا بيثرب لاقى ؟
فلله ذا فاتحاً للهدى ولله ذا
للمعالي ختاما
ولسنا هنا بصدد دراسة هذا الموضوع الذي كتب فيه الكثير من الكتاب
والمؤلفين الذين برهنوا بالادلة الساطعة على ايمان أبي طالب لكن
موضوعنا الذي نحن الآن بصدده والذي يتناول شعر أبي طالب أوجب ضرورة
الاطلاع _ ولو بأختصار _ على شخصية هذا الرجل العظيم، كان أبو طالب
شخصية فذة يتمتع بصفات نادرة فهو اضافة الى زعامته لقريش فقد كان عالماً
حكيماً سديد الرأي كريم الصفات عظيم المفاخر جميل المأثر يهرع اليه
الملهوفون في المحن والشدائد ويدلنا قول العباس بن عبد المطلب على
مكانة أبي طالب العظيمة في قريش حينما قال ( ننتظر رأي الشيخ أبي طالب
فنحن في ترقب ومتى أستظهرنا رأيه تابعناه، وما كان لأي منا ان يتخلف
ابداً ) ناصر أبو طالب الدعوة المحمدية الشريفة وآزرها وذب عنها ولم
يصل الى النبي (ص) مكروه حتى مات أبو طالب فكان طوال حياته المجاهد
بيده ولسانه في سبيل الله فهو لم يكتف بردع مشركي قريش عن الحاق الاذى
بالنبي والمسلمين بل ناصر الدعوة بشعره الذي يدلنا على مدى ايمانه
العميق بالاسلام وبما جاء به النبي محمد (ص) من ربه، وكان (رض) يتوسم
في أبن اخيه (ص) النبوة قبل ان يبعث يقول عبد الواحد السفاقسي في
السيرة النبوية ج 1 ص 88 (أن في شعر أبي طالب هذا دليلاً على انه كان
يعرف بنبوة النبي (ص) قبل ان يبعث لما اخبره به بحير الراهب وغيره من
شأنه مع ما شاهده من احواله...ومعرفة أبي طالب بنبوته (ص) جاءت في كثير
من الاخبار زيادة على اخذها شعره) فعندما شاءت أرادة الله ان يجهر رسول
الله بنبوته ويعلن عن بعثته ورسالته ولا سيما بعد نزول الآية الكريمة (
وأنذر عشيرتك الاقربين ) لم ير رسول الله بداً من ان يفاتح عمه أبا
طالب في الامر ويطلعه على ما هو مقدم عليه فهو موضع ثقته ومحط اسراره
وهو اجل انسان يمكن ان يعتمد (ص) عليه على ما يراه من رأيه السديد
وعندما فاتحه (ص) بالامر قال أبو طالب ( بأبي أنت وأمي يا ابن أخي،
مرتطع واحكم أنفذ انشاء الله ) ثم طلب (ص) منه احضار اربعين رجلاً من
بني هاشم وعرض عليهم الايمان بنبوته (ص) ولما رأى أبو طالب أنه لم
يستجب لدعوة النبي من الحاضرين غيره وغير أبنه علي (ع) ورآى احجام
القوم ووجوههم قال ( يا محمد ما احب الينا معاونتك وأقبلنا لنصيحتك
واشد تصديقنا لحديثك وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وأنا واحد منهم فلا أزال
أمنعك وأحوطك فأمض لما أمرت به ) ثم انشد:
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وأبشر بذاك وقرّمنك عيونا
ودعوتني وعلمت انك صادق ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أو سد في التراب
دفينا
ولم تقتصر نصرة أبي طالب للنبي على نفسه بل انه كان يوصي ولده علي
(ع) باتباع النبي ومؤازرته فمن ذلك قوله:
أن الوثيقة في لزوم محمد فاشدد بصحبته على يديكا
فكم من مرة أقام ولده علياً من منامه فأنا مه مكان رسول الله (ص)
وأنام النبي مكانه يستهدف من وراء العملية هذه اخفاء مقام النبي ومكانه
حتى لا يستبين فيستهدفه العدوا ما علي فكان طوع أمر هذا الوالد العظيم
ما دام المبتغى هو الحفاظ على سلامة الحبيب المصطفى (ص) قال أبن ابي
الحديد: وربما داعب علي أباه على اثر ذلك بما حاصله: مالي أجدك يا
أبتاه تعرضني للموت المرة تلو الاخرى وكأني هين عليك ؟ فما كان من أبي
طالب إلا ان يصرحه بالحقيقة التي يحملها بين جوانحه فيقول له:
بني اصبر فأن الصبر حجى كل حي مصيره لشعوب
قد بذلناك والبلاء شديد لفداء الحبيب وابن الحبيب
أجل انها الحقيقة التي يحملها هذا المؤمن المجاهد الذي فدى الرسول
بنفسه وولده وآثر مضايقة قريش له ولقومه وحصارهم في الشعب وتحمل الجوع
والعطش على تسليم النبي (ص) والتخلي عنه:وفي شدة أيام الحصار حيث احاطت
بالمسلمين الآلام والاحزان خرج متقلداً سيفه مستأسداً مغضباً وحف به
بعض اشباله ودخل البيت الحرام وقد هال الناس استبساله وفصاح بهم:
ترجون مناخطة دون نيلها خراب وطعن بالوشيج المقدم
ترجون أن نسخوا بقتل محمد ولم تنخضب سمر العوالي من الدم
كذبتم وبيت الله حتى يفلقوا جماجم ترمى بالحطيم وزمزم
وتقطع ارحام وتنسى خليلة خليلاً ويغشى محرم بعد محرم
على ما مضى من مقتكم وعقوقكم وعشيانكم في امركم كل مأتم
وظلم بني جاء يدعوا الى الهدى وأثر أتى من عند ذي العرش قيم
فلا تحسبونا مسلمية فمثله أذا كان في قوم فليس بمسلم
ثم دخل الكعبة وتعلق بها فدعا الله عزوجل وسأله النصر والتأييد ثم
انشأ:
وما ذنب من يدعو الى الله وحده ودين قويم أهله غير خيب
وقد جربوا فيما مضى عب امرهم وما عالم أمراً كم لم يجرب
فلا تحسبونا مسلمين محمداً لذي غربة منا ومن متقرب
ستمنعه منا يد هاشمية فمركبها في الناس من
خير مركب
ومن قصائده في الشعب قوله:
الا ان خير الناس أماً ووالداً اذا عد سادات البرية أحمد
نبي إلهي والكريم بأصله وأخلاقه وهو الرشيد المؤيد
حزيم على جلى الامور كأنه شهاب بكفي قابس يتوقد
وكان أبو طالب لا ينفك يدعوا اقرباءه الى الايمان بالنبي (ص)
ومؤازرته في دعوته فكان له دور كبير في اسلام أخيه الحمزة الذي كان
يخضع لزعامة اخيه الكبير وقد أجابه حينما طلب منه ذلك وذكر ابن ابي
الحديد ان دعوة أبي طالب كانت مضاعفة بقالب الشعر:
فصبراً أيا يعلى على دين احمد وكن يا أخي للدين وفقت صابراً
وحط من اتى بالحق من عند ربه بصدق وعزم لا تكن حمز كافراً
فقد سرني أن قلت أنك مؤمن فكن لرسول الله في الله ناصراً
وناد قريشاً بالذي قد أتيته جهاراً وقل ما كان احمد
ساحراً
وكما فرح بإسلام الحمزة فأنه يشجع ولديه علياً وجعفراً على نصرة
النبي (ص) ومعاضدته والذب عنه:
أن علياً وجعفراً ثقتي عند لم الزمان والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا اخذل النبي ولا يخذله من بني ذو حسب
فكان له من الولدين البارين ما يبهجه ويسره، ولما بلغ ابا طالب
تعريض طائفة من لوي بن كعب بالنبي (ص) وانهم ينالون منه (ص) ويخدشون
ببعثته قال يخاطب بني لؤي:
إلا أبلغا عني على ذات بينها لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
أم أتعلموا أنا وجدنا محمداً رسولاً كموسى خط في أو
الكتب
وأن عليه في العباد محبة ولا حيف فيمن خصه الله في
الكتب
أما الامنية الشهيرة فهي من عيون الشعر العربي وهي تزيد على المائة
بيت وقد انشدها حينما لاذ الناس به وقد امسكت السماء فخرج مستصحباً
النبي (ص) وتوسل برسول الله فهطل المطر فقال:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل
وفيها يقول:
كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ولما نطا عن دونه ونناصل
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن ابنائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد اليكم نهوض الروايا تحت ذات
الصلاصل
وشعر ابي طالب مفعم بتعظيم النبي (ص) والارشاد الى دينه الحق قال
ابن ابي الحديد: لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب _ وهو
شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها _ يمدح أبن اخيه محمداً وهو شاب صغير قد
رباه في حجره وهو يتيمه ومكفوله وجارى مجرى أولاده فيقول فيه:
وتلقوا ربيع إلا بطحين محمداً على ربوة في رأس عنقاء
عيطل
وتأوي اليه هاشم إن هاشماً عرانين كعب آخر بعد أول
فأن كنتم ترجون قتل محمد فروموا بما جمعتم نقل
يذبل
فأنا سنحميه بكل طمرة وذي ميعة نهدا لمراكل
هيكل
وكان ابو طالب يأمل من أبي لهب أن ينحاز الى جهة النبي (ص) وقافلته
الخيرة فوجه اليه رسالة اكثر فيها الارشاد والنصح وختمها بهذه الابيات:
وان امرءاً قد كان مثلك عمه لفي معزل من أن يسام
المظالما
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة تسب بها ما إن هبطت
المواسما
أقول له بل اين منه نصيحتي أبا عتبة ثبت سوادك قائما
وول سبيل العجز غيرك منهم فأنك لم تخلق على العجز دائماً
وحارب فأن الحرب نصف ولن ترى أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما
كذبتم وبيت الله نبزي محمداً ولما تروا يوماً من الشعب
قائما
ورغم ان أبا لهب لم يستجب لنصائح أخيه إلا ان أبا طالب ظل يقدم له
النصح والارشاد بأتباع دين النبي (ص) ومن ذلك قوله:
عجبت لحلم يا بن شيبة عازب وأحلام أقوام لديك سخاف
يقولون شايع من اراد محمداً بسوءً وقم في أمره بخلاف
وان له قربى لديك قريبة وليس بذي حلف ولا بمضاف
ولكنه من هاشم في؟ الى البحر فوق البحور
طواف
فراجم جميع الناس عنه وكن له وزيراً على الاعداء غير
مجاف
وان غضبت منه قريش فقل لها بني عمنا ما قومكم بضعاف
ولما سمع أبو طالب أن رسول الله (ص) قد اسمعه أبو جهل كلمات نابية
ونال من مقام النبوة وان رسول الله تألم وتأثر لذلك أنشأ هذين البيتين
يخاطب بهما الرسول (ص) أمام الجماهير من قريش:
لا يمنعك من حق تقوم به أيد تصول ولا سلق بأصوات
فأن كفك كفي إن اصبت بها ودون نفسك في الملمات
ولم تقتصر دعوة أبي طالب للأيمان بالنبي (ص) على قريش والعرب فيروي
ابن ابي الحديد أن أبا طالب رضي الله عنه قد كرر كتبه لأمبراطور الحبشة
النجاشي يدعوه الى الاسلام وكان قد ختم رسائله بمقطوعتين يقول في
الاولى:
أتعلم ملك الحبش أن محمداً بني كموسى والمسيح بن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيابه فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وانكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث الترجم
فلا تجعلوا لله نداً وأسملوا فأن طريق الحق لبس بمظلم
وفي المقطوعة الثانية يقول:
إلا ليت شعري كيف في الناس جعفر وعمر وأعداء النبي الأقارب
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد كريم فلا يشقي اليك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة وأسباب خير كلها بك لازب
فهو (ص) بمنزلة أولاده عنده من حيث الشفقة والحنان والعطف، بل زاد
(ص) عليهم وتقدمهم اشواطاً بعيدة بعد ان ظهرت لدى ابي طالب دلائل نبوته
(ص) فكان (رض) يعزه على ولده:
ظهرت دلائل نوره فتزلزلت منها البسيطة وازدهت أيام
وهوت عروش الكفر عند ظهوره وبسيفه سيشيد الاسلام
وأتاهم أمر عظيم فادح وتساقطت من حوله الاصنام
صلى عليك الله خلاق الورى ما أعقب الصبح المضيء ظلام
ويفتقد ابو طالب ذات يوم محمداً فيضطرب لذلك ويأمر فتيان بني هاشم
بالتسلح والخروج الى نادي قريش فيقف كل واحد منهم على رأس رئيس وزعيم
من العرب وقريش حتى يعود اليهم النبي (ص) فأن جاءهم محمد فذاك وألا
عمدوا الى الزعماء فقتلوهم عن آخرهم فيأتي رسول الله (ص) فيأخذ أبو
طالب بيده ويشرف على الحضور ثم يأمر فتيانه ان يخرجوا ما أخفوه من
السيوف ليرهبوا عدو الله عدو رسوله ثم أنشأ يقول:
الا أبلغ قريشاً حيث حلت وكل سرائر منها غرور
فأني والضوايح عاديات وما تتلوا السفافرة الشهور
فلست بقاطع رحمي وولدي ولو جرت مظالمها الجرور
أنا لبني أخي راعً حفيظ وورد الصدر مني والضمير
أيامر جمعهم أبناء فهر بقتل محمد والقتل زور
فلا وأبيك ما ظفرت قريش ولا أمت رشاداً أذ تشير
لبني أخي ونوط القلب مني وأبيض ماؤه غدق كثير
ويشرب بعده الولدان ريا واحمد قد تضمنه القبور
أيا أبن الانف أنف بني قصي كان جبينك القمر المنير
ورجع (رض) بالنبي (ص) مرفوع الرأس وهكذا يقدر لعم رسول الله (ص) أن
يحيا حياة ملؤها البطولة والجهاد في سبيل الله (ص) والمفاداة والذب عن
رسول الله وتشاء له ارادة الله ان يرحل عن هذه الدنيا الى الفردوس
الاعلى ومجاورة النبيين والاولياء والصالحين وحسن أولئك وفيقاً ولكنه
لا ينسى أبن اخيه فعندما يستشعر بدنوا اجله واقتراب وفاته يبعث خلف بني
هاشم فيحضر كلهم ويوصيهم برسول الله واتباع شريعته ومبادئه ثم يختص
بوصية اخرى نفراً من ابطال بني هاشم الافذاذ وهم اربعة يقول فيها:
أوصي بنصر بني الخير اربعة أبني علياً وعم الخير عباسا
وحمزة الاسد المخشي صولته وجعفراً فذوداً دونه الناسا
كونوا فداء لكم أمي وما ولدت في نصر أحمد دون الناس اتراسا
وهكذا تنتهي حياة هذا الرجل العظيم التي أمتلأت ايماناً وجهاداً في
سبيل الدعوة المحمدية وقد سجلت له كتب الحديث الكثير من المواقف
العظيمة والخطب والنصائح الغر في الدعوة الى الاسلام اضافة الى ديوانه
الذي قدمنا نماذج منه وقد احتوى على شعر رائق وعلم غزير وقد ورد عن
امير المؤمنين (ع) قوله: (علّموا أولادكم شعر أبي طالب فأن فيه علم
كثير) وقد رثاه(ع) بمراث عديدة منها قوله:
أبا طالب عصمة المستجير وغيث المحول ونور الظلم
لقد هزّ فقدك أهل الحفاظ فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربك رضوانه فقد كنت للمصطفى خير عم |