العلماء ومواكبة العصر

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من الامور التي تلفت الإنتباه، هو التغير المتسارع في منظومة الانتاج والحراك الاقتصادي العالمي وتأثير ذلك وانعكاسه على مجمل القيم الانسانية سواء ما يتعلق منها بالعلاقات الانسانية المتبادلة او تلك التي تخص تبادل العلوم وما شابه، ومع كل يوم يمر يزداد العالم تعقيدا وتداخلا في جميع الجوانب سواء العملية الملموسة منها او تلك التي تتعلق بالفكر والتنظير في مجالات الحياة كافة .

ومع هذا التسارع والتداخل على المستوى العالمي في الأنشطة كافة، تظهر الحاجة جلية لاهمية مواكبة العصر كما يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، فقد أكدّ سماحته على الاهمية القصوى الملقاة على العلماء الاسلاميين المعاصرين لكي يقوموا بدورهم في مواكبة العصر من خلال تقديم الطروحات الفكرية المعاصرة التي تحفظ للمسلمين كيانهم ورفعتهم بين الامم الاخرى، وقد أعطى الامام الشيرازي اهمية قصوى لهذا الجانب، واعتبر ان القصور فيه يعني التراجع حيال التطورات المتسارعة في العالم ولذلك وجّه سماحته العلماء بأن يأخذوا دورهم الهام في هذا المجال من اجل مواكبة صحيحة وحقيقية لحراك العصر في مختلف مجالات الحياة.

ذلك لأن الاسلام يصلح لكل زمان ومكان، إذ يقول الامام الشرازي في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاصلاح):

(من مقومات الإصلاح مواكبة العصر، فإن الدين الإسلامي هو الدين الصالح لكل زمان ومكان، وفيه من الأسس والقواعد ما يجعله قابلاً للتطبيق في مختلف الظروف، وهو الذي يضمن سعادة البشر وتطوره وازدهاره.

ولكن يلزم بيان هذه الميزات بشكل يفهمه الناس في العصر الحاضر، ليعرفوا تفوق الإسلام على سائر الأنظمة المعاصرة).

إذن يتطلب الامر جهودا علمية من لدن العلماء لتوضيح المفاصل الفكرية والعملية التي تثبت بأن الاسلام وتعالميه السمحاء قابلة للتطبيق في اي زمان ومكان وهي تتواءم وطبيعة الروح او النفس البشرية وتعبر عن خلجاتها وتطلعاتها سواء في العمل او التنظير وما شابه، بيد أن هذا الامر يحتاج الى جهد فكري كبير لمواكبة العصر من خلال الجهود العلمية الحقيقية والمتواصلة التي ينبغي أن يتصدى لها علماء الاسلام المعاصرين.

ويرى الامام الشيرازي ان هناك نقاط تلاقي واختلاف بين الغرب والاسلام، وفي حالة التمحيص الدقيق في هذا الجانب سوف يكتشف المتمعن او الباحث افضلية المابادئ الاسلامية على الغربية في حالة التطبيق السليم لها، ومن نقاط التلاقي والاختلاف بين الاثنين كما يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه نفسه:

(إن بين الإسلام والغرب في العمل عموم من وجه، فالغرب والإسلام يشتركان في المنع عن جملة من الجنايات ـ وإن اختلفت الطريقة والخصوصيات ـ مثل تحريمهما القتل والسرقة والاختلاس، ووضع العقوبة لهؤلاء المجرمين في الجملة، كما يشتركان ولو في نسبة، في التأكيد على النظافة والنظام وبعض الأخلاقيات وحفظ الجوار والإتقان في العمل، ونحوها، هذا كله في الجملة. وهناك فوارق يمتاز بها الإسلام دون الغرب، فالإسلام منع الزنا والخمر والربا لا الغرب).

لذلك فإن هذه القيم الاخلاقية تنتج مجموعة من النظم والعلاقات الاجتماعية استنادا الى معانيها، من هنا تتبين أهمية توظيح المغزى الحقيقي لها وكيفية التطبيق السليم لها على ارض الواقع، ففي الوقت الذي يعتبر فيه الغرب ان حرية الجنس سمة من سمات تقدمه فإن الاسلام يرى في ذلك خطرا كبيرا على المجتمعات وهو ما اثبتته الوقائع العلاقاتية على الارض، فالغرب نفسه لمس لمس اليد نتائج هذا الخطأ الفادح وما تمخض عنه من حالات انسانية مؤلمة، كتزايد حالات الاجهاض وفقدان الابوين من لدن الاطفال او احدهما والتشرذم الاسري وغير ذلك من الحالات السلبية التي انتجتها حرية الجنس.

 في وقت لا يمنع الاسلام هذه الحاجة الجسدية قط، بل ينظمها وفق بنود مقبولة وسمحة تنتهي بالنتيجة الى بناء اسري ناجح يحفظ القيم ويصب في سعادة الانسان في جميع الحالات، ولعل هذا التعامل ينطبق على جميع مجالات حياة الانسان وطريقة تعامل الاسلام معها وكيفية تنظيمها.

لكن هذا الهدف الكبير كما يقول الامام الشيرازي يحتاج الى جهد علمي تنظيمي كبير، وهو ملقى على عاتق المختصين من العلماء الذين يقفون في صدارة المجتمع، فعليهم تقع هذه المسؤولية الكبيرة، وقد جاء في مؤلَف (الاصلاح) للامام الشيرازي بهذا الصدد:

(ان تغيير زماننا وتطوره في الطب والعلوم الأخرى، وكثرة الوسائل والتقدم الصناعي وغزو الفضاء وما أشبه يوجب طبع كتب مناسبة لهذا الزمان، في مختلف المجالات من الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتربية وغيرها. وهذا يقع على عاتق الحوزات العلمية والجامعات عبر التنسيق بينهما وبذلك نكون قد أدينا بعض الواجب تجاه إصلاح المجتمع).

وبهذا نكون قد واكبنا العصر وتطوراته بما يتناسب والتسارع العلمي المتصاعد في جميع مجالات الحياة العلمية والعملية في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/كانون الاول/2009 - 20/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م