ظاهرة التشبّث بالمنصب

في الاتحادات والمنظمات ومؤسسات الدولة

 

شبكة النبأ: من الظواهر اللافتة التي رافقت المتغيرات السياسية بعد العام 2003 هي ظاهرة تشبث رؤساء الاتحادات والمنظمات المختلفة بعروشهم وكراسيهم على الرغم من تجاوزهم المدة التشريعية التي نصت عليها الأنظمة الداخلية لمنظماتهم واتحاداتهم، والغريب أن هؤلاء المدراء (وحاشياتهم) هم الذي كتبوا بنود هذه الانظمة الداخلية لمؤسساتهم المهنية المتنوعة وهم اول من تجاوز ولا يزال يتجاوز عليها!! وكأنهم يحاولون بذلك تعويض تخلص العراقيين من الدكتاتور الاكبر بعشرات غيره من الصغار الذين لا زالوا يتشبثون بمناصبهم بشتى الاساليب والسبل.

ولدى المراقب العديد من الامثلة الحية التي تؤكد ظهور وتنامي هذه الظاهرة بصورة لا تليق بمن يحاول ان يبني تجربة انسانية جديدة على انقاض تأريخ طويل من التجارب المؤسفة التي خلفت للشعب تراكمات هائلة من البؤس والحرمان وغمط الحقوق الفردية والجمعية من لدن الساسة وغيرهم.

ولنأخذ أولاً احد الاتحادات الثقافية في العراق، وهو الذي يمثل الشريحة الاولى المسؤولة عن تطوير الوعي الثقافي لعموم الناس كما يُفترض بها، فقد ظل رئيس هذا الاتحاد يتربع على (كرسي الرئاسة) منذ سنوات طويلة، في حين ان مدة الدورة الانتخابية الواحدة تقل عن مدة رئاسته الحالية بسنوات كما نص على ذلك نظامهم الداخلي، ولعل المراقب لهؤلاء سيكتشف من دون عناء تشبثا مستميتا بكراسيهم من اجل الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من الامتيازات والفوائد كالايفادات والمشاركة بالمهرجانات والفعاليات الثقافية خاصة الخارجية منها، واذا كانت الشريحة المثقفة تتعامل بهذه الطريقة مع الكرسي واقتناص الفرص باسلوب غير مشروع، فحري بنا أن نغض الطرف عن السياسيي الانتهازي او غيره ممن يستميتون من اجل المنفعة الفردية والشللية حتى لو قادت الى التجاوز على حقوق الآخرين؟!.

وحين تتحاور مع مثل هؤلاء (القادة) حول سبب تشبثهم بالمنصب، فإن الاعذار لديهم جاهزة ومكرورة حد السماجة، لأن (الرئيس وحاشيته) جاهزون دائما لتبرير بقائهم خلف دفة القيادة لأسباب مالية او ادارية او تشريعية اوغيرها، لدرجة ان المثقفين او غيرهم نفضوا ايديهم من قيادتهم ولم يعودوا يعبؤا ببقاء الرئيس الحالي حتى لو امتد ذلك الى الابد، وربما يفكر بعضهم بإطلاق مشروع التنصيب الرئاسي مدى الحياة للرئيس الحالي كي ينفض يده من هذه المشكلة وينشغل بما هو افضل واكثر فائدة!!.

ومن الامثلة القريبة والواضحة في هذا المجال أيضا، ما حدث من تجاذبات وصراعات ومناحرات في اتحاد كرة القدم العراقي على امتداد السنوات الماضية، فقد بقي رئيسه الحالي اكثر من المدة المنصوص عليها في النظام الداخلي لسنوات (كصاحبه رئيس الاتحاد الثقافي) واستمرت هذه الصراعات بين جميع من يهتم بأمر الرياضة!! لما تعود به من اموال الى جيوب هؤلاء الذين لم يكتفوا باكتناز السحت كل هذه السنوات الطويلة، ليأتي أخيرا القرار الحكومي بحل الاتحاد المذكور عنوة مما تسبب في ايقاف الانشطة الرياضية العراقية في المحافل الدولية خاصة ما يتعلق باللعبة الاهم في العراق (كرة القدم).

ولعل ما حدث يشير بوضوح الى هذه الظاهرة وتبعاتها المؤسفة، ففي الوقت الذي ينبغي أن تسهم فيه مثل هذه المنظمات بتطوير المواهب الرياضية والثقافية للشباب والصغار وبناء ركائز متينة ينبني عليها النشاط العام للمجتمع، نرى العكس يحدث بسبب تشبث الرؤساء ومن معهم بالكراسي ليس حبا بخدمة الناس بل استحواذا على الاموال والنفوذ والمنافع الاخرى المتعددة.

ولا تختلف مؤسسات ومنظمات واتحادات اخرى اهلية ورسمية عن هذا النمط حيث يمكن ان يتشبث رئيس اصغر مؤسسة بمنصبه بغض النظر عن احقيته بذلك، ولعل هذه الظاهرة تشكل نمطا سلوكي متناما في الساحة العراقية ساعدت عليه بعض العوامل المعروفة التي رافقت متغيرات الساحة السياسية في العراق مؤخرا.

ولهذا ينبغي العمل على مقارعة مثل هذه النزعات الفردية او الشللية بالوسائل القانونية السلمية التثقيفية التي تقنع هؤلاء للتراجع عن مواقفهم الخاطئة وذلك من اجل بناء مجتمع متوازن تقوم عموم انشطته على ركائز راسخة تتخذ من فاعلية المنظمات والاتحادات نقاط انطلاق نحو التطور والاستقرار وليس العكس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/كانون الاول/2009 - 19/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م