ثمة تساؤلات يثيرها المراقبون للشأن العراقي حول الديمقراطية
العراقية الناشئة، هل هي عملية استنهاض واستنفار المخزون القومي
والطائفي أم هي ديمقراطية صناديق الاقتراع وعدد المقاعد الذي يحصل
عليها هذا المكون أو ذاك أو ضمان لمشاركة الجميع في سلطة القرار على
أساس المواطنة.
فالديمقراطية ترتبط إرتباطا ً وثيقا ً بالمواطنة المرتكزة على
الإنتخابات والتعددية السياسية والاعلام الحر (الرأي الحر) والتعليم
الحر والاقتصاد الحر فهي وحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها, كما أن
المواطنة هي عقد بين الوطن والمواطن على أساس الحقوق والواجبات لا على
أساس الإثنية والطائفية فليس في النظام الديمقراطي محاصصة أو توافقية
او فئوية مستندة على العرقية والطائفية.
وإن وجد في الديمقراطية حقُ الأقليات فهذا من باب المشاركة العادلة
للجميع والمساواة في الحقوق المنصوص عليها في الأنظمة الديمقراطية لا
على اساس الإنتماء العرقي او الفئوي، وإلا كانت الديمقراطية في هذه
الحالة عملية إستنفار للطائفية والاثنية على حساب المواطنة،
فالديمقراطية كلمة مرادفة للحريات وضمان للحقوق السياسة والمدنية
والاجتماعية والاقتصادية، وكما يعرفها غوشييه بانها التوزيع العادل
لسلطة الدولة، ولكن ما نراه في قاموس الديمقراطية العراقية وما افرزه
هذا القاموس من مفاهيم كالمحاصصة والتوافقية وفيتو الرئاسة وتقاسم
المناصب والسفارات لا يمت للديمقراطية الحقيقة بصلة، وانسحب الحال على
أبناء الطائفة الواحدة والمدينة الواحدة، فالكل يطالب بحصته وبين الفين
والفينة ترتفع الاصوات لتطالب بحق الطائفة الفلانية وحق القومية
الفلانية وأخيراً الحزب او المكون الفلاني، وكأن الديمقراطية إسنهضت
روح الطائفية وغرائز القومية واستنفرت القوى الخفية الكامنة في نفوس
أبناء الوطن الواحد، وأصبح النائب في مجلس النواب يمثل مكونه وطائفته
وليس وطنه ومصالح شعبه، وكأن الطائفية او القومية هي البوابة الأوسع
للوطن وليس العكس.
وهكذا يتحول العراق الى وطن الابعاد المختلفة والمتضادة, ولو اني
لا أميل الى نظرية ماركيوز ( الإنسان ذو البعد الواحد) لآنها تفقده
القدرة على الرفض والاحتجاج، وأعتقد إن من أهم مايميز الانسان الحضاري
والحر هو إمتلاكه لقدرة الرفض والإحتجاج ولكن ليس رفضا ً للآخر أو
إحتجاجا ً من أجل الذاتية والفردانية الأنانية على حساب الوطن،
فالتعددية استنهاض لغرائز الخير والإثراء والتلاقح, والمشاركة هي فهم
الآخر والانفتاح عليه ومد للجسور، إن ما نراه من إفرازات الديمقراطية
العراقية هي ديمقراطية مشوهة.
وما الجدل الدائر حول نقض قانون الانتخابات إلا واحدة من هذه
التشوهات الكثيرة التي تجعل قرارات مجلس النواب الذي يمثل رأي الشعب لا
قيمة لها مقابل رأي رجل واحد، يمتلك حق تهميش راي الجماهير ورأي أعضاء
مجلس النواب، ومن أجل إستنهاض غرائز الطائفية لدى الآخر يصرح البعض في
ظل الديمقراطية أن قرار النقض هو إسترجاع للحقوق المهدورة منذ ست سنوات
ويقول الآخر أن النقض هو لتصيحح المعادلة التي استغفلتنا في تمرير
الدستور، وتصريح ثالث يتباكى على حصة قومية ما في احدى المحافطات
العراقية، وهو كلام واضح يشم منه روح الطائفية تارة وروح القومية تارة
أخرى، ولتستغل الديمقراطية لتكون وسيلة لآستنهاض الغرائز المقيتة التي
تؤسس للتقسيم والتفتيت بدلا من ان تكون توزيع عادل لسلطة الدولة وضمان
للحقوق الجميع في ظل الوطن الواحد القوي بتعدديته والجميل بألوان
أبناءه المختلفة والثري بوحدتهم.
* كاتب وإعلامي |