شبكة النبأ: يُمسك محمد صالح مجرفة
ويحاول أن يحفر بها ليصل الى مكان انبوب ماء الشرب الرئيسي كي يثقبه
ويسحب منه فرعاً لبيته الذي بناه في منطقة كانت أرضاً زراعية وقد جرفها
صاحبها وقسَّمها لقطع سكنية دون موافقات أصولية لتتحول شيئا فشيئاً الى
حي سكني بما يُسمى " دوُر البستَنة " مخترقةً قلب مدينة كربلاء ومدن
أخرى وسط العراق.
وفي الفترة التي أعقبت العام 2003 انتشرت ظاهرة تفتيت البساتين
والأراضي الزراعية من قِبل بعض المزارعين وتحويلها الى قطع سكنية تُباع
بأسعار رخيصة للمواطنين المُتعبين من كلفة الأيجار الباهظة التي أخذت
تتصاعد بمستويات غير مسبوقة في البلد.
ومع ان وزارة البلديات والدوائر الخدمية قد أعلنت مراراً عدم
موافقتها على تزويد هذه المساكن بالخدمات الأساسية إلا ان هذه المسألة
باتت أمراً واقعاً حتّمته الظروف المعيشية لآلاف الأُسر التي تعجز عن
شراء بيت (ملك صرف)، وامتدت هذه الظاهرة لتخترق قلب المدن في عدة
محافظات بمنطقة الفرات الأوسط.
وبينما يُجهد صالح نفسهُ بالعمل لإيصال ماء الشرب يقول بعدم ارتياح،
"هذا الواقع الذي أجبرتنا عليه الظروف المادية لايسرّنا"، "ولكن ما
باليد حيلة حيث أنني معيل لستة أبناء ولست قادراً على تحمّل بدل
الايجار او شراء دار ملك صِرف لأن سعرها يبلغ أضعاف سعر بيوت البستنة".
وتقول المواطنة ام محمد، " أُعيل ثلاثة أطفال وربّ أسرتي توفي بحادث
ارهابي أثناء عمله في بغداد، والحمد لله أنني أمتلك هذا المنزل الصغير
الذي تقول الحكومة عنه انه غير أصولي لأنه أقيم على ارض كانت بستان
وليست مُلك صِرف".
وتعبّر ام محمد عن أملها في ان تشمل الحكومة المحلية في كربلاء
بيتها الذي هو واحد من مئات المنازل التي أقيمت على الشاكلة نفسها
بالخدمات الأساسية من ماء الشرب والكهرباء. فيما أفصحت من جهة ثانية عن
صعوبة العيش في منطقة ليس فيها مدارس او مستوصفات او خطوط نقل وشوارع
معبّدة.
إقبال كبير على الشراء ومخاطر أكبر
ويقول جاسم وعل، صاحب مكتب لتجارة العقارات في كربلاء،" ان ما يُدعى
بـ دوُر البستَنة، ظاهرة أخذت تنتشر على نطاق كربلاء والمحافظات
المجاورة لها، ولهذه المساكِن مشاكل كثيرة أوّلها ان المشتري لايحصل
على عقد أصولي (سنَد تمليك) موثّق لدى دائرة التسجيل العقاري، الامر
الذي يؤدي بالمستقبل الى حدوث مشاكل بين البائع والمشتري او يعرّض
المنزل للإزالة من قِبل الجهات الحكومية، ويؤكد" اعترضتنا العديد من
هذه المشاكل في عملنا كتجّار عقارات مسؤولين عن صحة البيع والشراء
وطمأنة البائع والمشتري".
ويضيف جاسم،" رغم ذلك فإن الإقبال على شراء هذا النوع من الاراضي
كبير جداً لأسعارها المتدنية قياساً بأسعار العقارات والاراضي الأصولية
وكذلك لقربها من مركز المدينة". موضحاً، " ان سعر 100 متر مربع من قِطع
البستَنة يتراوح بين 10 و 50 مليون دينار عراقي بحسب قربها من مركز
المدينة والخدمات، في حين تتراوح أسعار قطع الأراضي المصنّفة ملك صِرف
بين 50 و 200 مليون دينار عراقي في أحياء سكنية قيد الإنشاء وبعيدة عن
مركز المدينة.
ويقول مدير التخطيط العمراني في كربلاء المهندس باسم عباس علي، " ان
دوُر البستَنة واحدة من المشاكل التي تعاني منها محافظة كربلاء، كونها
عبارة عن عشوائيات مبعثرة ومن الصعب ايصال الخدمات لها بصورة قانونية،
فضلاً عن ان شوارع هذه المجمعات غير أصولية من ناحية التخطيط العمراني".
موضحاً "قد يصل عرض الشارع فيها الى (3 أمتار) فقط، الامر الذي يجعل من
احتمالية ايصال الماء والكهرباء لها مستحيلاً في الوقت الحاضر على
الأقل".
ويؤكد باسم، " ان هذه المسألة باتت أمراً واقعاً أفرزته أزمة السكن
المستفحلة في البلد وارتفاع أسعار العقارات، ولايمكن في الوقت الحالي
منع الناس من هذا الامر دون توفير الحلول المناسبة لأصل المشكلة".
وكان وزير البلديات والأشغال رياض غريب قد صرّح في وقت سابق بأن،
الحكومة ستعمل على اصدار قرار بتجريف المناطق التي يُبنى بها بطريقة
غير رسمية أي بدون (إجازة بناء). مؤكداً انه" لايحق لأي صاحب بستان
تحويلها الى قطع اراضي سكنية من الناحية القانونية، كون هذه البساتين
متنفّساً صحياً وعاملاً يساعد على سحب الغازات السامة من قلب المدن،
فضلاً عن اعتبارها مصدراً للتمور والفواكه والخضار".
ويقول يحيى عواد الخزاعي، مدير دائرة توزيع كهرباء الفرات الاوسط، "
قامت دائرتنا بإنشاء قاعدة بيانات للمساكن التي أقيمت على البساتين
والاراضي الزراعية، ووجدنا ان عددها قرابة (17000) منزل في كربلاء، و
(13000) في محافظة النجف، والعدد كان أقل بكثير في بابل والديوانية
اللتان تقعان ضمن رقعة الفرات الأوسط الى الجنوب من بغداد".
ويضيف يحيى، " نحن بصدد وضع خطة لتجهيز هذه المنازل بالكهرباء في
حالة توفّر شبكات توزيع نظامية بالقرب منها، حيث يمكن ربط مقاييس
الكهرباء في هذه المنازل وتزويد ساكنيها بإيصالات مؤقتة لحين وضع
الحلول المناسبة".
ولايختلف الحال في محافظة الديوانية، حيث يبيّن المواطن ابو احسان
أسباب سكنه في منطقة مصنّفة زراعيةً وتحولت الى سكنية كأمر واقع،" لدي
عائلة من خمسة أفراد وقد اضطررت لشراء منزل مساحته (50 م2) في هذه
المنطقة، لأنني لا أمتلك ثمن قطعة أرض (طابو) او دار مسجلة أصولياً".
ويضيف ابو احسان،" هذه المنطقة التي أصبحت تعج بعشرات المنازل من
هذا النوع تفتقر لأبسط الخدمات وليس فيها شوارع معبّدة ولامدارس او
مستوصفات ونخشى قدوم فصل الشتاء حيث تتفاقم معاناتنا أكثر فأكثر".
فيما رفض عضو مجلس محافظة الديوانية ظاهر علي، الإجابة على الاسئلة
التي طرحناها دون أن يصرّح بأية معلومات متعلقة بهذه القضية.
وكان وزير الزراعة قد صرح في وقت سابق، بأن "تجريف البساتين
والاراضي الزراعية يعدّ مشكلة كبيرة تواجهها كربلاء وبعض المحافظات
الاخرى". مبيناً "بدلاً من أن تمتد المشاريع السكنية باتجاه الصحراء
قضينا على بساتين وأراضي زراعية كبيرة جداً كانت متنفَّساً للمدن. |