في أحدث دراسة أعدّها خبراء هولنديون عن حياة الشعوب من ناحية
السعادة والرضا، وجدوا - وفقًا لقاعدة البيانات العالمية حول السعادة -
«أن مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة يأتون في صدارة الدول
العربية من حيث درجة الرضا عن الحياة وسنوات السعادة، فقد احتلت
الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عربياً لجهة نوعية الحياة
فيها؛ لأن سكانها يعيشون أطول سنين سعيدة (57 سنة)، ودرجة الرضا عن
الحياة هي (3.7).
وحازت قطر على المرتبة الثانية، تلتها الكويت، ثم السعودية في
المرتبة الرابعة، فالأردن، وسوريا، وتونس، ومصر، وجيبوتي، والجزائر،
والمغرب، وفلسطين، والسودان، واليمن، ولبنان، والعراق».
في الوقت الذي اعتُبِر فيه الخبر مفرحاً من ناحية، إلا أنه كان
محزناً من ناحيةٍ أخرى، ففرحتنا تكمن في نيل أشقائنا في الإمارات على
شهادة السعادة بدرجة الامتياز؛ ونحن إذ نغبطهم على ما وصلوا إليه، ندعو
الله أن يديم عليهم هذه السعادة، ويوفقنا للالتحاق بهم في الدرجات
الرفيعة من السعادة في الدارين (الدنيا والآخرة)، وأما حزننا فيكمن في
أن الدراسة لم تشِر إلى الشعب البحريني لمعرفة درجة سعادته والرضا من
حياته، فلم نجد اسم البحرين ضمن القائمة!! لا أدري هل سقط الاسم سهواً
أم عمداً؟ وقفت حيران وأنا أعيد قراءة التقرير، وحاولت البحث عبر
الصفحات الإلكترونية، وخاصة شبكة (ميدل إيست اون لاين) التي كانت أول
من نشرت الخبر، ولكن لم أجد خبراً يفرحني!!
لقد بقينا خارج محور السعادة حتى ضمن التقارير والدراسات البحثية،
والسبب قد بات واضحاً للجميع، فمن ينظر إلى واقعنا المزري يجد أن
حياتنا مليئة بالمنغصات، ومأزومة سياسياً بسبب ضعف العملية السياسية،
والساحة أضحت متوترة نتيجة تصاعد النعرة الطائفية، وأما المشاكل
المعيشية كأزمة السكن، وغلاء المعيشة فقد أرهقت وما زالت ترهق كاهل
المواطن مما جعلته في حيرة من أمره... تائهاً من قسوة الزمان، حتى بات
أقرب إلى التعاسة منه إلى السعادة. يكفي نظرة واحدة إلى وجوه المواطنين
حتى نجد معظمها تحيط بها هالة من الحزن والكآبة والبؤس، وبالأخص ذوي
الدخل المحدود، الذين يقطنون بيوتًا آيلةً للسقوط.
يا ترى وفق أية معايير نرغب أن تقيّمنا المراكز البحثية العالمية؟
فكما ورد في الخبر المنشور، فإن الباحثين في جامعة (ايراسموس) بمدينة
روتردام الهولندية قد تحدثوا عن 22 معياراً لقياس السعادة تعتمدها
قاعدة البيانات، وتقييم مؤشر كل بلد على حدة، وتشمل هذه المعايير:
الاستهلاك، والمناخ الثقافي، والمناخ الاجتماعي، والتماسك الاجتماعي،
والثروة، والحرب، والقيم، والتعليم، والحكومة، والصحة، والجودة،
والجريمة، والديموغرافيا، والجغرافيا، والسياسات العامة، والمخاطر.
إننا لو نعيد ذاكرتنا إلى الوراء، وبالأخص إلى الاستطلاع الذي نشرته
صحيفة (جلف نيوز) الإماراتية في شهر يونيو من العام الماضي، والذي
أجرته وحدة (مكتوب للأبحاث)، فقد أظهر 61 % من العمانيين بأنهم سعداء،
بينما أحرز السعوديون نسبة 57 %، تلاهم القطريون بنسبة 56 %، بينما
أحرز البحرينيون 54 %، والكويتيون 53 %، وأخيراً الإماراتيون بنسبة 52
%، لكن الإمارات قلّبت المعادلة هذا العام بتفوقها على معظم البلدان
العربية...
وإذا عرفتم السبب بطل عندكم العجب. أميل إلى القائلين بأن سلوك
الدولة إما أن يكون مصدر سعادة أو شقاء للمواطن، لكنني في نفس الوقت
أعتقد اعتقاداً راسخاً بأن التغيير والتحول في الحياة النفسية
والمعيشية للفرد يبدأ من الذات أولاً بامتلاك إرادة التغيير، والشعور
بالأمل، والسعي نحو مصادر مختلفة لكسب السعادة. هذه العناصر الثلاث لو
توافرت في الفرد فإنه سوف يكون قادرًا على كسر قيود الذل والعجز
والكسل، وتحقيق الكثير من المنجزات، وتحويل حياته من التعاسة إلى
السعادة، وقد يؤثر ذلك بالطبع على محيطه الاجتماعي.
وأؤكد مجدداً أن البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية
والاقتصادية تؤدي دوراً محورياً في ارتفاع أو انخفاض نسبة سعادة
المواطن. |