استراتيجيات الابتكار وحقوق الملكية الفكرية

السبيل لإيجاد التوازن بين الذاتية والخدمة العامة

 

شبكة النبأ: غالبا ما يتعزز الابتكار عن طريق إقامة نظام فعّال لحماية براءات الاختراع، وحقوق النشر، وغير ذلك من الحقوق الفكرية من خلال الموازنة بين الحقوق الحصرية وإمكانية الوصول إلى هذا الابتكار. سيما عندما ينجح الناس الخلاّقون في تحويل أفكار قديمة إلى أفكار جديدة، ووضعها قيد الممارسة، ثم يبنون أفكاراً جديدة عليها مرة أخرى.

تتشاطر الديناميات الأساسية لدورة الابتكار هذه كل التطورات المضطربة في مجالات الاتصالات، علم الوراثة، انتشار الهواتف الخلوية، طب مكافحة مرض الإيدز، الموسيقى الشعبية، والكتب المدرسية.

لكن يتحدى الابتكار المؤسسة الحاكمة، بحيث يوجد رابحين وخاسرين، ويُسبب فشل العديد من مشاريع الأعمال التجارية في الوقت ذاته.

يقول مايكل غولين هو شريك في شركة المحاماة فينابل ال ال بي في واشنطن، مؤلف كتاب دفع الابتكار استراتيجيات الملكية الفكرية لعالم دينامي، ان الابتكار يتغذى على الأفكار المعروفة ويحولها إلى أفكار جديدة. بحسب موقع أمريكا دوت غوف.

وقد أعلنت الولايات المتحدة مؤخراً عن استراتيجية ابتكار قومية جديدة، وبذلك انضمت إلى مجموعة متنامية من الدول التي تسعى إلى تسخير الابتكار من أجل خدمة مصالحها القومية. يجب ان تُركّز أي استراتيجية ابتكار فعّالة اهتمامها على الأشياء الأكثر أهمية، لكن الأقل فهماً، المتعلقة بالقوى الدافعة للابتكار، أي النظام المُعقّد من المؤسسات، والقوانين، والممارسات التي يُشار إليها مجتمعة على أنها ملكية فكرية.

تشمل الملكية الفكرية براءات الاختراع، حقوق النشر، الماركات التجارية، والأسرار التجارية التي تخضع كل منها إلى قوانين منفصلة في كل بلد. تطورت الملكية الفكرية عبر القرون كأداة لاستخلاص الفوائد العامة من دورة الابتكار. ولكونها مرتبطة بإحكام شديد بالابتكار، فإن الملكية الفكرية تحمل المفتاح لمستقبلنا.

تنطبق حقوق الملكية الفكرية على جهود ابتكارية كثيرة التنوع تضم تكنولوجيا الكمبيوتر، المواد الصيدلانية، الزراعة، الموسيقى والنشر.

تقوم أنظمة الملكية الفكرية بتلقف الابتكار وتوجيهه وصوغه. تخدم الحقوق الحصرية في أي نظام لحقوق الملكية جيد الفعالية والتوازن، كحوافز لتقوية الإرادة الإنسانية المتأصّلة في الخلق والإبداع.

تُرسي هذه الحصرية أيضاً إطار عمل للتعاون والاستثمار ضمن أفكار خلاقة لدفعها إلى الدخول في المجتمع. لكن الحصرية والتحكم اللتين تتوفران للمبتكرين والمستثمرين المتعاونين معهم، محدودتان بعناية بحيث يتمكّن أناس آخرون من الوصول إلى المنتجات والأفكار الجديدة والبناء عليها، وبذلك تستطيع دورة الابتكار ان تتحرك قُدماً.

يُساهم نظام الملكية الفكرية المتوازن في تعزيز الابتكار. تعتمد الشركات الابتكارية على حقوق ملكيتها الفكرية الذاتية وعلى قدرتها على الالتفاف حول حقوق الآخرين. فإذا كانت الحصرية ضعيفة للغاية أو قوية للغاية، بإمكان الاختلالات في نظام الملكية الفكرية أن تقيد الابتكار وفوائده.

إيجاد التوازن

توسعت حقوق الملكية من الدول الأكثر ثراءً إلى الدول الأفقر خلال العقد الماضي. لكن الأبحاث المكثّفة، والمناظرات، والإصلاحات، والتدريب حول الملكية الفكرية خلال السنوات الأخيرة لم تظهر أية إشارات إلى أنها تقود إلى إجماع عام عالمي حول أثر الأنظمة الحالية للملكية الفكرية على رفاه الإنسان، والأقل من ذلك بكثير، على كيفية تمكّن الإصلاحات المحتملة من ان تساعد او تلحق الأذى بالمجتمع الأوسع.

عندما صادق قادة مدينة البندقية على أول قانون يتعلق ببراءات الاختراع عام 1474 بأغلبية 116 صوتاً، كانت هناك عشرة أصوات ضده.

في أواخر القرن التاسع عشر حصلت مناظرات عنيفة حول ما إذا كان على الدول ان تنضم إلى الدورة الأولى من المعاهدات الدولية حول حقوق الملكية التي أنشئت في ذلك الوقت، وتتناظر اليوم المجموعات المتوطدة حول موقفها مع او ضد تطبيق حقوق ملكية أكثر صرامة.

الميل الذي لا بد منه للأنظمة الملكية الفكرية نحو فقدان توازنها يفسّر الجدل المكثف والمستمر حول حقوق الملكية الفكرية على مرّ السنين.

يجادل مناصرو البراءات في البرازيل وجنوب أفريقيا وأمكنة أخرى بأن البراءات المتعلقة بأدوية مكافحة مرض الايدز قوية للغاية بحيث لا تسمح بالوصول المنصف إلى الأدوية الموجودة، بينما يرد الباحثون في حقل الأدوية بأن إنشاء براءات اضعف قد يدمر الحافز لاستثمار الثروات الضرورية لاكتشاف أدوية جديدة. الاستنساخ الحر لبرامج الكمبيوتر، والموسيقى، وأشرطة الفيديو من الإنترنت يثير الاستياء لدى قطاع الصناعة. وفي هذه الأثناء، يبيّن الصعود المفاجئ لحزب "القراصنة" في الحلبة السياسية السويدية، الذي يهدف برنامجه إلى حرية المشاطرة المجانية لملفات الموسيقى بدون براءات، بأننا لا نستطيع التكهّن بمستقبل حقوق الملكية الفكرية بأي قدر من الثقة.

من أجل توضيح السبب الذي يجعل أنظمة الملكية الفكرية تفقد توازنها، تَخيّل شركة بسيطة بينك وبيني.

أنت ترغب في الوصول الحر إلى ابتكاراتي (دون تقييدات لحقوق الملكية الفكرية) ولكنك تريد ان تقيد وصولي إلى ابتكاراتك (من خلال فرض قوانين حصرية قوية). أنا أرغب في الحصول على حق الوصول الحر إلى ابتكاراتك ولكنني أريد ان أملك سيطرة حصرية.

فإذا اكتشفت أنا دواءً جديداً وسجلت أنت أغنية جديدة، سوف ترغب أنت باستعمال الدواء الذي اكتشفته وأرغب أنا بسماع الموسيقى التي سجلتها أنت. يمكننا ان نحاول اعتراض سبيل أحدنا الآخر من خلال إبقاء ابتكار كل منا سرياً، ولكننا قد نواجه مشاكل في اجتذاب المستثمرين مما قد يدفعنا إلى عدم الابتكار مجدداً.

هناك نزاع متأصل بين رغبتينا المتعارضتين حول الحصرية التي نريدها لابتكاراتنا بالذات وحول الوصول إلى ابتكارات الآخر.

قد نتمكن من عقد صفقة بيننا ولكن، أيضاً قد لا نفعل ذلك. فالحلّ المؤكد الوحيد لن يجعل أي واحد منا سعيداً بالكامل، بل يكون لمصلحة المجتمع: النتيجة التي يربح فيها الطرفان تكون في إقامة نظام متوازن للملكية الفكرية يُمكّن كلا واحد منّا من الحصول على حصرية محدودة كمبتكرين، وأيضاً تأمين الوصول المحدود إلى الابتكار.

إن موازنة أنظمة الملكية الفكرية شأن منطقي في عالم ينطوي على ابتكارات معولمة. فعلى سبيل المثال، يتم إنتاج الأفلام السينمائية في كل من هوليوود، وبومباي (بوليوود) ونيجيريا (نوليوود). يناصر منتجو هوليوود فرض تطبيق أقوى لحقوق النشر في الخارج لأن استنساخ أفلامهم الرائجة الذي لا يخضع للمراقبة يقلّص أرباحهم.

ولكن لا يكون جدالهم مقنعاً جداً في جوهره عندما يقولون: "عليكم حماية حقوقي في بلادكم لأن ذلك أمر جيّد بالنسبة لي". فهناك حجة أكثر إقناعاً: "ادعموا نظاماً متوازناً فعالاً لحقوق الملكية الفكرية لأن ذلك سوف يساعدكم." بحسب موقع أمريكا دوت غوف.

والواقع أني تحدثت مع منتجين في الهند ونيجيريا الذين يحتجون هم، أيضاً، على القرصنة المتفشية لأفلامهم في متاجر الولايات المتحدة! هناك مصلحة عالمية في وجود نظام ملكية فكرية متوازن يعزز الابتكار في كل مكان.

يشمل أي نظام فعّال للملكية الفكرية آليات للموازنة بين إتاحة الوصول والحصرية في كل قضية بمفردها، بغض النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بأدوية تُنقذ الحياة أو أعمال ثقافية كالموسيقى أو الأفلام السينمائية.

تختلف التفاصيل الإجرائية والقانونية بالنسبة لكل دولة ولكن الخيط المشترك الرابط بينها هو انه توجد دائماً طرق أمام المبتكرين للحصول على حقوق حصرية، بالترافق مع مسارات للآخرين للوصول إلى الابتكارات المحمية بحقوق الملكية الفكرية تلك، بضمنها اللجوء إلى التفاوض والإجراءات القانونية. لسوء الحظ، قد تكون هذه الآليات مُكلفة ومحبطة للغاية، ولذلك تسعى الشركات والمؤسسات العاملة ضمن النظام إلى تحقيق كفاءة أكبر كجزء من نظام ملكية فكرية فعّال.

التعبير عن الخيار الفردي

يمكن اعتبار حقوق الملكية الفكرية على أنها أدوات للتنافس والنمو الاقتصادي، مع ربط تسجيل البراءات والماركات التجارية بالناتج القومي الإجمالي. ولكن يمكن ان تعتبر أنظمة حقوق الملكية الفكرية أيضاً كأدوات يُعبّر المبتكرون من خلالها عن خياراتهم الفردية في ما يخص اختراعاتهم.

على ضوء ذلك، لا تساهم الملكية الفكرية في المصالح التجارية فحسب بل وأيضاً في التطور الإنساني، أي حرية الخيار في التعبير الشخصي وكيف نرغب في عيش حياتنا.

قد يكون أحد المؤلفين سعيداً بإعطاء ترخيص للوصول المفتوح إلى أعماله في موسوعة ويكيبيديا، ولكن قد يختار مؤلف آخر نشر مقال محمي بحقوق النشر. يجب ان يتوفر هذا الخيار للمبتكرين.

لقد أوجد الابتكار وحقوق الملكية الفكرية دائماً رابحين وخاسرين وسوف يستمر في فعل ذلك دائماً. انه بالطبع أمر مثير للقلق.

ولكن بدلاً من ان تختار حكومة ما الرابحين، يجب ان يكون دورها تأمين قيام نظام الملكية الفكرية بالمحافظة على التوازن الفعّال بين حرية المبتكر في أن يستثني الآخرين كما حرية الآخرين في الوصول إلى الابتكار.

بإمكان نظام الملكية الفكرية أن يوفر درجة أعلى من الحرية الفردية ومنافسة اكثر مما يزوّده نظام مركزي يقوم على تقديم المنح والحوافز والمكافآت التي تمنحها الحكومات والمنظمات الإنسانية للمبتكرين. وبإمكان الأنظمة المركزية دفع الابتكار باتجاه معيّن توافق عليه الدولة، ولكن يكون ذلك على حساب الخيار الفردي والمرونة.

حماس المخترع، اعتزاز المؤلف، ثقة صاحب المشروع التجاري الحر، المنافسة، هذه هي القوى التي نستطيع ان نبني عليها مع المبتكرين حول العالم.

وبفعلنا هذا، يجب ان نؤمّن في نفس الوقت الفرصة للناس من مختلف مشارب الحياة للوصول إلى ثمار الابتكار في الطب، والغذاء، والمعلومات، والترفيه، والتعليم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/تشرين الثاني/2009 - 28/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م