سلوكيات لم تعد تليق بواقع الحياة المعاصرة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما نلقي بنظرة على واقع المجتمع العراقي راهنا، فإننا سنلاحظ على نحو سريع بعض السلكويات التي لم يعد يقبلها العصر، وبل وتنم عن حالة من الجهل والتخلف وكأنها راسخة الى الابد ويصعب زحزحتها او القضاء عليها بل يصعب الحد منها ايضا في ظل مشهد الفوضى العارمة التي تعم كل مفاصل الحياة العراقية الراهنة.

ثمة آداب لجميع السلوكيات لا ندري لماذا لم يلجأ إليها الناس كي يتخلصوا من المظاهر العشوائية التي تلمّ بحياتهم، فعلى سبيل المثال وضع علماء الاسلام آدابا لأغلب سلوكيات الانسان تتعلق بأدق التفاصيل، فمثلا هنالك آداب للكلام، والمأكل والملبس، وآداب للطريق وغيرها حيث تقدم للانسان نصائح دقيقة في هذه المجال كي يظهر أمام الآخرين بالصورة التي تليق بإنسانيته، ولعل جل هذه التوجيهات والنصائح تصب في عدم التجاوز على حقوق الآخرين وهو شرط حضاري مهم تمارسه الشعوب المتطورة في جميع انشطتها بمختلف أنواعها وصورها.

ولعل الهدف من هذه الآداب هو تنسيق أنشطة المجتمع لكي تكون منسجمة ومتوائمة فيما بينها لكي تصبح الحياة أكثر قبولا وانسيابية، كما هنالك تركيز واضح على اهمية ان يحب الانسان اخاه من خلال استخدام السلوكيات المتحضرة معه، يقول مدير معهد العلاقات الإنسانية الأهلي في نيويورك (جيمس بندر): « القاعدة الاُولى التي وصفها الحكماء هي تلك التي تمثّلت في القول الخالد: -أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك-  فهو يصدّر بها لائحة القواعد التي تساعد على اجتذاب الناس، ويعتبرها الخطوة الاُولى والمهمّة في الطريق إلى -الشخصية الجذّابة- .

إذن فهذه القاعدة التي تعدّ أساسا جيدا للسلوكيات الجيدة تقوم على وجوب الربط بين محبة الذات ومحبة الآخرين والمساواة التامة في هذا الجانب، ولذا حين يسيء الانسان في قوله كأن يطلق بعض العبارات التي تتجاوز على الذوق السائد او العام، فإنه بذلك ينافي شرط المساواة في المحبة بين الذات والآخر، وهكذا ينطبق هذا المعيار على الملبس الذي يسيء للآخرين وعلى كل ما يشكل تجاوزا على حقوقهم.

وهكذا يُعدّ الاهتمام بالآخرين ومراعاتهم في القول او السلوك وما شابه هو حجر الزاوية في هذا المجال، لأن اهتمام الانسان بأخيه الانسان دليل على احترامه لحقوقه، يقول صاحب كتاب -كيف تكسب الأصدقاء ؟! - (دايل كارنيجي): (إظهر ما استطعت من اهتمام بالناس، فهو ثروتك التي تزداد نموّاً كلّما أنفقت منها) .

فكلما كان اهتمامك كبيرا وواضحا بالآخرين كلما استطعت أن تكسب مودتهم ومشاعرهم  حيث تزداد شخصيتك بهاء وقوة في المحيط الاجتماعي الذي تنشط وتتحرك فيه، ولعل الجانب الاهم من اهتمامك بالآخرين يكمن في إبداء السلوك الذي ينم عن الاحترام للآخر.

على العكس من بعض الافراد الذين لا يعيرون اهتماما لوجود الآخرين معهم سواء في المحيط العملي او في الامكنة العامة، فيتصرفون وكأنهم في بيوتهم الخاصة، كأن يطلق بهضهم العبارات الخادشة للحياء او الذوق او أن يقوم برمي القمامة في الشوارع العامة وفي اماكن ليست مخصصة لذلك، ناهيك عن عدم مراعاة النظام والتقاليد التي تنمّ عن احترام الآخرين والاهتمام بهم.

ومع أننا نقر بأن هذا الامر يرتبط بدرجة وعي الانسان وثقافته وهي التي تحدد طبيع سلوكياته واقواله، إلاّ أننا نلقي باللائمة على الفرد اولا ثم المحيط، كون الفرد لم يحث نفسه على كسب الثقافة التي تحصنه من الزلل تجاه الآخرين، كما ان القصور يتعدى الفرد الى المعنيين من المجتمع، إذ يتوجب ظهور النماذج التي ينبغي أن تقدم المشورة العملية والتنظيرية في هذا المجال.

وثمة من يقول إن التدرج في اكتساب المعرفة والثقافة يقود الى التدرج في اكتساب السلوكيات المتحضرة، واذا كان هذا الكلام صحيحا، فإن الأصح منه هو السعي لاكتساب هذه الثقافة من خلال بثها وترويجها بين جميع فئات المجتمع من قبل الجهات المعنية سواء كانت رسمية تابعة للحكومي او أهلية تابعة للمنظمات المتخصصة في هذا المجال.

 وعلى العموم علينا جميعا أفرادا وجماعات أن ننهض بالواقع السلوكي للفرد العراقي لكي يكون متحصنا من الزلل ومنسجما مع الواقع الانساني المتحضر من خلال التزامه بالآداب التي توجه سلوكياته المختلفة وهو ينشط ويتحرك في حاضنه الاجتماعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/تشرين الثاني/2009 - 28/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م