لم أقرأ من قبل ولم أسمع عن نظرية سياسية بعنوان (التوتر الإيجابي)
في العلاقات بين الدول. نشرت صحيفة “الحياة” الصادرة في لندن بتاريخ 14
من هذا الشهر مقالاً جديرًا بالاهتمام للكاتب والباحث ومدير المركز
الدولي للتحليلات الاستراتيجية بدولة قطر خالد بن فهد الخاطر بعنوان
“استراتيجية التوتر الإيجابي تجاه إيران”.
في البدء سألت نفسي: لماذا أقحم الكاتب هذا المصطلح الطبي في عالم
السياسة؟ فمن المعلوم أن هذا المصطلح يتداول كثيراً بين علماء وأطباء
النفس، وحسب المفهوم الطبي هناك نوعان من التوتر: توتر إيجابي، وتوتر
سلبي.
ويؤكد الخبراء النفسانيون بأنه يمكن تحويل المريض الذي يعاني من
التوتر السلبي إلى حالة من التوتر الإيجابي، وهذه الخطوة تعتبر متقدمة
في علم النفس. إنني أشعر تماماً بما يعانيه معظم الكتّاب وأصحاب الرأي
في منطقتنا الخليجية من توترات وضغوطات نفسية؛ نتيجة المناخ العام
الملبّد بغيوم التوتر السياسي من جهة، وأجواء التوتر والتنافس على بسط
النفوذ بين قطبي الخليج (إيران والسعودية) من جهة أخرى. وكل دولة
تستخدم أدواتها الدبلوماسية والإعلامية والمالية و... للتأثير في
محيطها السياسي والجغرافي.
كما أدرك تماماً دواعي حرص الكاتب على أمن واستقرار المنطقة، ودعوته
الصادقة لحكومات المنطقة على إقامة علاقات متوازنة ومتكافئة مع الجارة
إيران، وفي نفس الوقت أستوعب توقيت نشر المقال الذي جاء بعد 72 ساعة من
ختام زيارة أمير دولة قطر لإيران. هذه الزيارة التي ساهمت نوعاً ما في
تخفيف التوتر الإعلامي بين الجارتين الكبيرتين إيران والسعودية.
باعتقاد معظم المراقبين والمهتمين بالشأن الخليجي، تعتبر عملية
تحويل التوتر السلبي في العلاقة بين الطرفين إلى توتر إيجابي هو أمرٌ
في غاية الأهمية، قد تجنّب المنطقة كثيرا من المخاطر، وتضيّق من عملية
الاستقطاب الإقليمي، فيتراجع الحشد الطائفي. الكاتب القطري اقترح على
دول الخليج بلورة استراتيجية للسياسة الخارجية تجاه إيران يكون محورها
ومضمونها سياسة التوتر الإيجابي، وتتكون من ثلاثة أبعاد هي:
“الأول، العمل على تفادي أي مواجهة عسكرية بين الدول الغربية وإيران.
والثاني، العمل على تفادي أي اتفاق غربي مع إيران يجعل منها القوة
المسيطرة وتوكل إليها مهمّات الأمن وإعادة ترتيب المنطقة استراتيجياً
وأمنياً بحيث تتوافق مع المصالح الغربية وتتيح تفوق الهيمنة الإيرانية.
والثالث: الحفاظ على توازن في نطاق التوتر الإيجابي في علاقات دول
المنطقة مع إيران، حيث سيساهم ذلك في إبقاء إيران الداعم لقوى وجماعات
المقاومة من غير تحميل دول المنطقة تكلفة سياسية مباشرة، كما يعرقل ذلك
إعادة ترتيب المنطقة أمنياً لمصلحة الدول الغربية بشكل كامل الذي من
شأنه إخراج دول المنطقة من المعادلة الأمنية لمصلحة ترتيبات قد تكون
خارج نطاق نفوذها وربما على حساب مصالحها”.
وفي ختام مقاله يؤكد الكاتب “أن تبنّي مثل هذه السياسة يعني التعايش
والإقرار بحالة توتر قائمة، بل وجعلها ضمن المعادلة الأمنية
والاستراتيجية القائمة، إلى حين تسمح الظروف بإعادة بناء العلاقات مع
إيران على أسس جديدة لا تخلّ بمصالح المنطقة ككل”.
إنني وفي الوقت الذي أثني فيه على رأي الكاتب ودعوته إلى وضع حدٍ
لحالة الاحتقان بين طرفي النزاع، إلا أنّ الملاحظ في الدعوة هو ترجيح
واضح لمصالح طرف على حساب الطرف الآخر، ففي الوقت الذي يقترح فيه
الكاتب تحويل التوتر السلبي في العلاقة إلى توتر إيجابي، فإنه لم يقدم
أي أفكار أو مقترحات للخروج من دائرة التوتر والتوجس. لذا أقترح بدلاً
من إعطاء علاجات مؤقتة، دعوة جميع الأطراف بخاصة قطبي الخليج (إيران
والسعودية) إلى بناء شراكة حقيقية مبنية على المشتركات كالأخوة
الإسلامية، والجوار الجغرافي، والمصالح المشتركة، وأمن المنطقة، وعملية
التنمية. |