يقول المهاتما غاندي أن الحكم على أي بلد ديمقراطي يجب أن ينظر اليه
من زاوية تعامل ذلك البلد مع الأقليات قول يطابق الحقيقية,
فالديمقراطية نظام يكفل حق الجميع في المشاركة السياسية، وإن كانت
الديمقراطية لا تُرضي الجميع ولكنها تُقنع الجميع. لهذا شُرع قانون
الكوتا وهي حصص الاقليات في التمثيل السياسي فهو من أجل أن يتمتع كل
أبناء الوطن الواحد بحقوق متساوية على أساس المواطنة فهو بالتالي ضمان
لولاء الاقليات للوطن من جهة وضمان لحقوقهم من جهة أخرى وليس سبب في
تعقيد وإحداث أزمات سياسية فالاقليات في أغلب بلدان العالم المتحضر هم
مصدر إثراء وتنوع ثقافي وإجتماعي ومصدر تلاقح فكري مفضي الى التطور
والرقي.
ولكن ثمة تشويش في الفكر السياسي العراقي إزاء تعريف مفهوم الأقليات,
وليس مفهوم الاقليات هو المفهوم الوحيد الذي لا يمتلك حدود للتعريف بل
هناك كثير من المفاهيم، وهذا شيء طبيعي لديمقراطيةٍ ناشئةٍ وفتية في
بلدٍ عاش عقود من الدكتاتورية والالغاء والتهميش, فمصطلح الاقليات غير
محدد وغير واضح المعالم، فقد طرح بشكل عابر ولم يحدد الاقليات هل هي
أقليات دينية أم أقليات إثنية ( عرقية ) أم اقليات قومية أو أنها
أقليات عددية أم جماعات غير حاصلة على مشاركة حقيقية وعادلة في السلطة،
فالمعروف أن مصطلح الاقلية ُطرح في النظام الديمقراطي مقابل الاكثرية
فهو مصطلح سياسي بحت قبل أن يتحول الى مصطلح جيو سياسي.
ولكن السؤال الاكثر إلحاحا ً، هل ستبقى هذه المفاهيم مصدر أزمات
مزمنة أم يقول الدستور كلمته الفصل وفقا ً للاعراف والقوانين الدولية؟
فالاقليات كما ذكرت المادة 27 من قانون الحقوق المدنية والسياسية هي
مجاميع عرقية او دينية او لغوية يجب الا ينكر حقهم في ممارسة ثقافتهم
وطقوسهم الدينية واستخدام لغتهم الخاصة بهم,لهذا عرفت الاقليات بأهم
مجموعة من الناس يشتركون في خاصية مشتركة، و تكون عادة اما جنسية او
دين او عرق او لغة او صفة متماثلة، ولا يكاد يخلو بلد من الاقليات فليس
هناك كما تشير تقارير الامم المتحدة بلدان ذات دماء صافية أي من عرق
واحد او دين واحد، ولكن بنسب متفاوته ولعل العراق يتميز عن غيره بتعدد
ألون طيفه السكاني، فهو يحتوي على الكثير من الاقليات، ولكن الاشكالات
التي تواجه العقل السياسي العراقي هي في تحديد هذه الاقليات فهناك
تداخل كبير بين ماهو ديني وما هو أثني او قومي.
فالاشكال الأول: هناك أقليات دينية ولكنها تشترك مع غيرها بالاثنية
أو بالعكس هناك أقليات قومية ولكنها تشترك مع الاكثرية بالدين، فمثلا ً
المسيحيون هم أقلية دينية في العراق ولكن منهم العربي ومنهم الكردي فهل
يحسب هؤلاء على الاقليات الدينية أم الاقليات الإثنية ؟ فهذا إشكال
كبير وكذا الحال بالنسبة الى الايزديين فهم أقلية دينية ويشتركون مع
الأكراد بالاثنية واللغة وبعض المشتركات الاخرى أيضا ً, وكذ ا الحال
بالنسبة الى التركمان فهم قلية قومية ولكن يشتركون مع الاكثرية العربية
بالدين والطائفة والصابئة والشبك والآشوريين و الاقليات الاخرى كذلك,
فكيف يمكن ان يكون تمثيل هؤلاء هل على أساس قومي او ديني.
الاشكال الثاني: هل الانتماء هو من يحدد بالضرورة شكل الاقلية وهل
جميع الاقلية الواحدة على حال واحدة وكتلة واحدة حتى يمثلهم حزب واحد
مثلا ً، ففي الاقلية الواحدة تفاوت فمنهم اليساري ومنهم القومي ومنهم
المتدين ومنهم الليبرالي والخ.. فكيف يمكن للكوتا حل هذه المشكلة ولا
تكون سبب في أزمات بين ابناء الاقلية الواحدة ذاتها.
ولكن بالرجوع الى تعريف المفكر الالماني للديمقراطية مارسيل غوشييه
صاحب( كتاب الدين في الديمقراطية ) على أنها توزيع عادل لسلطة الدولة
يتضح لنا ان الكوتا هي لضمان حقوق الاقليات ولكن بعد تحديد مفهومها،
فلا يعقل أن تكون الاقليات أكثرية واقلية بنفس الوقت ويحصل التداخل بين
الاقلية العددية والاقلية التي لم تحصل على حق تقاسم السلطة، وبين
الأقلية الدينية والاكثرية القومية فهناك على سبيل المثال نواب كورد من
الايزديين ضمن قوائم التحالف الكردستاني ونواب تركمان شيعة في قوائم
الائتلاف الوطني او إئتلاف دولة القانون أو نواب من المسيحيين في
القائمة الوطنية وغير ذلك فهل هؤلاء النواب يعتبرون مسيحيين وتركمان
وايزديين من جهة واكراد او عرب اوغيرهم من جهة ثانية، ألا يعتبر النائب
التركماني أو المسيحي أو الايزيدي او الشبكي في قائمة ما ممثلاً عن
أقليته ومجموعته أم تطالب الاقلية بمقعد خاص لها، هذا هو السؤال
والاشكال الذي يجب الإجابة عنه في قانون الاقليات العراقي.
فالاقليات مسألة حساسة ومهمة تحتاج الى كثير من الدقة والموضوعية
والمنهج السليم خصوصا في ظل التعقيدات الحاصلة اليوم في العراق والعالم
ومن أجل أن لا تستغل سياسيا ً في التفريط بحق الوطن على حساب شعار
الاقلية.
* كاتب وإعلامي |