العدل والرحمة والإنصاف من علامات المجتمع المؤمن

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الطابع الاجتماعي هو أهم ما يميز الانسان عن غيره من كائنات الارض، لذلك تقاربَ الانسان من شبيهه والتقيا وتفاهما وتآزرا ليصبحوا ثلاثة فأربعة فخمسة فمجموعة تعيش معاً في رقعة من الارض، وهكذا تطورَ الانسان من حالة العيش الفردي الى الحياة الجماعية، وهذا ما اوجب عليه متطلبات عديدة يفرضها هذا النوع من العيش، ولعل التعاون هو السمة الاهم من بين جميع السمات الاخرى ولعلها الحاضن لجميع السمات الاخرى.

فالعدل سمة من سمات التعاون والرحمة كذلك وتاتي سمة الانصاف لتكلل الجهد الانساني برمته كي يكون ملائما للانسان وتطوره في ممارسة أنشطته المتنوعة سواء في المجال الفكري او العملي التطبيقي، فلا نخطئ حين نقول ان درجة نجاح المجتمع تعتمد على درجة التعاون القائمة بين افراده وشرائحه كافة، وفي هذا المجال يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاخلاق الاسلامية):

(المجتمع الحي هو المجتمع المبني على التعاون والتكاتف، كل فرد منه يعاضد الآخر في حوائجه، ويشاركه في أحزانه وأفراحه، فترى إذا نزلت نازلة على أحد، هب الجميع لكفاحها، وإذا احتاج فرد إلى حاجة، سعى غيره لها.

والأمر تبادل، فمن سعيت له سعى لك، ومن شاركته همومه شاركك همومك ومن نظر إلى أمة نظر فاحص، رأى أن كل فرد يهتم بأمور الآخرين، يهتم بأموره، وكل فرد ينفرد بحوائج نفسه، كأنه ليس منهم، نبذ كما تنبذ النواة، فلا يعار له اهتمام، ولا يسعى له في حاجة.. وكلما زاد تعاون الأمة، زاد رقيها، وبالعكس، كلما انفصلت الأواصر بينهم، كثر الخمول والانحطاط.).

ولم لم تكن حالة التعاون قائمة لما وصلت البشرية جمعاء الى ما وصلت إليه، بل لعل التعاون هو المعيار الاهم الذي يمكن أن تُقاس عليه درجة تحضّر المجتمعات ورقيها، فكلما كانت هذه الدرجة عالية كان المجتمع اكثر رقيا من غيره والعكس يصح تماما، ولعله من صفات الفرد غير المتعاون هي افتقاره لسمة التعاون التي تجمع في اطارها (العدل والرحمة والانصاف) وهي مقومات تقود الى النجاح في جميع المجالات كما تؤكد على ذلك أفكار الامام الشيرازي المدعمة بالوقائع التأريخية والراهنة أيضا، حيث يورد الامام الشيرازي حديثا للامام الصادق عليه السلام يتعلق بموضوعنا هذا:

((ما قضى مسلم لمسلم حاجة، إلا ناداه الله تبارك وتعالى: عليَّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنة). وسائل الشيعة: ج11.ص577 .

وفي إطلالة على الواقع الراهن لحياتنا سنرى اننا نفتقد لكثير من عناصر ومقومات التعاون التي اكدها الامام الشيرازي (رحمه الله) حيث نفتقد للرحمة في تعاملاتنا مع بعض ويغيب العدل والانصاف او يكون ضعيفا في أفضل الحالات، فقد تصاعدت في نفوس الكثير منا نزعة الاستحواذ والكسب السريع حتى لو كان مصدره مشكوكا فيه كأن يكون مغموسا بالمال الحرام او (الرشوة) كما يحدث في بعض مستشفياتنا، فالمريض الفقير لن يجد علاجه ولا يحصل عليه بسبب أساليب الضغط التي تسلط عليه من قبل بعض القائمين على اعطاء العلاج او العمليات الجراحية وما شابه، وما يدل على ذلك انتشار المشافي الخاصة التي تفرض اموالا كبيرة في ظل غياب الجهد الحكومي بهذا المجال كما يحدث في العراق حاليا، وهذا دليل على ضعف النفوس وتلاشي او ضمور مقومات التعاون التي تتمثل بالرحمة والعدل والانصاف، إذ يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الصدد:

(إن النفس الضعيفة كالميزان المتفكك، إما تميل هذه الكفة، أو تميل تلك.. ولا تتوازيان، فهي تظلم في الحكم وتظلم في الأخذ، والعطاء والقضاء والاقتضاء والمذهب والمسلك.. لكن النفوس القوية كالقسطاس المستقيم، لا ينحرف بها زيغ، ولا يميلها هوى، وإن كان في المحكوم عليه جهة تخصه من قريب أو صديق).

لهذا كلما كانت النفوس أكثر قوة ومتانة وحصانة من الزلل كلما كان الفرد والمجتمع اكثر توازنا ونجاحا، ولكن ثمة خطور مزدوجة قد تشوب السلوك البشري إذ قد يحدث تقاطع بين طبع الانسان واقواله وبالعكس حيث يقول الامام الشيرازي:

(والإنسان ربما يستقيم له الطبع، فيعدل في أعماله وأقواله، لكن يبقى من الالتواء في طي فؤاده شيء، يخرج به عن الاستواء في الأحوال الطارئة، كالغضب الشديد، والفرح البالغ.. فعلى الإنسان أن يراقب نفسه في مثل هذه الأحوال.. كي تصفو نفسه وتصقل روحه).

وهكذا يتوجب على الانسان ان يكون رقيبا دائما على نفسه خوفا من الزلل الذي قد تتعرض له تحت مغريات الحياة التي لا تُحصى، مما يتسبب ذلك في ايقاع الظلم المقصود بالآخرين وهو ما يقود الى السخط الالهي على الظالم لا سيما اولئك الذين غالبا ما تكون مواقعهم ووظائفهم من النوع الذي يقضي حاجة جسدية او مادية للانسان، إذ يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه (الاخلاق الاسلامية):

(الظلم عاقبته وخيمة، إن الله لم يسلط أحد على أحد ليظلمه، وهو للظالم بالمرصاد، ويوفر جزاء الظالم في الدنيا قبل الآخرة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/تشرين الثاني/2009 - 26/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م