في اليوم العالمي للطفل: اطفالنا.. حاضر هَِش ومستقبل غامض

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أحتفل أطفال العالم هذه الايام بعيدهم العالمي شأنهم شأن المعلم والعالِم والكتاب والحب والأُم وما شابه، وقد اختلفت طبيعة هذه الاحتفالات من بلد الى آخر، ولعل بعض البلدان مرّ بها هذا اليوم من دون ان تلتفت إليه إلتفاتة صغيرة حتى.

وقد يشي عنوان هذه الكلمة بنظرة تميل الى التركيز على النصف الفارغ من الكأس، وربما تتلفع بالسوداوية، بيد أننا يجب أن نرغم أنفسنا على الاعتراف بالواقع بل وإظهاره كما هو وتسليط ما أمكن من الضوء على نقاط ضعفه وهشاشته علّ هذا النهج يدفع المعنيين رسميين وأهليين الى مواجهة الخطر المحدق بأطفال العراق وبنا جميعا!!.

وربما يتساءل أحدهم عن طبيعة الاخطار التي تعرض ويتعرض لها الاطفال العراقيون، مع انها واضحة وضوح الشمس كما أن نتائجها أكثر وضوحا على الرغم من ان بعضها لا يزال في طي الغيب، ولكننا نستطيع أن نؤشر ببساطة متناهية أن أكثر شريحتين عراقيتين نالهما الحيف نتيجة الفوضى العارمة التي مر بها العراق هما الاطفال والنساء، فالرجل كما هو معروف له القدرة على حماية نفسه بوسائل شتى بل ربما لا نتجنى عليه حين نقول بأنه مصدر الأذى للشرائح الأخرى كونه محرك الصراعات وادواتها في آن.

وعندما ينشغل الكبار بمصالحهم وصراعاتهم (كما يحدث الآن في العراق) فإن مخلفات هذا الصراع ستعود بصورة مباشرة او غير مباشرة على الاطفال اولا ثم النساء ثم الضعفاء على وجه العموم.

ومن المخلفات التي أُلحِقتْ بالاطفال العراقيين بصورة غير مباشرة، هي حالات الاهمال القاسية التي يعانون منها من لدن الكبار، مثل قلة بناء المدارس او أماكن التطوير والروضات والمعاهد والمنظمات المتخصصة بالطفولة، ناهيك عن انعدام وسائل تطوير المواهب، وغياب اماكن الترفيه وما شابه، أما المخلفات المباشرة فهي تتمثل بتعرض الاطفال الى الخطر والتهديد والرعب أكثر من غيرهم كما حدث في التفجير الاجرامي الاخير الذي سمّي بـ (تفجيرات الاحد الدامي) حيث استشهد فيه (38) طفلا في احدى الروضات دفعة واحدة، حتى قال بعض شهود العيان أننا لم نعثر على أي أثر لأجساد بعضهم!!؟.

لذلك حين احتفل اطفال العراق بيومهم العالمي كانت طقوسهم الاحتفالية تختلف عن طقوس جميع اطفال العالم، فقد استذكروا أصدقاءهم الاطفال الذين أُزهقت أرواحهم ظلما وجورا وفسادا بسبب الصراعات الدنيئة للكبار الذين يُفترض بهم حماية نسلهم ومراعاته وتطويره حفظا على كيانهم ووجودهم بل وتطويره الى أمام كما يحدث في عموم الامم والشعوب الأخرى.

ولهذا جاء احتفال الاطفال العراقيين متميزا عن غيره بأحزانه الشاخصة أمام العيون في ظل حاضر هشٍ متردٍ تغيب عنه متابعة المعنيين بل (وحتى المربين) بسبب انشغالهم بأنفسهم وذواتهم أولا، ناسين أو متناسين أن فوضى الحاضر وهشاشته ستدفع بالطفولة وبهم كشعب او أمة الى مستقبل يلفه الغموض وتعتريه الضبابية القاتمة، لأننا جميعا نتفق على ان البدايات الصحيحة تقود الى نهايات او نتائج صحيحة والعكس يصح تماما، واذا كان ثمة من يقول أن الاطفال هم جزء من المجتمع وأن ما يعيشه هذا المجتمع وما يدور عليه ويمر به من احداث سوف يمر بها الاطفال ايضا، سنقول بأن هذا الكلام ينطوي على نسبة عالية من الصحة بيد أنك: أيها المعني سواء كنت قائدا سياسيا او مربيا او أبا او مثقفا او مصلحا تجهد نفسك الآن وتحاول أن تؤسس لكيان بشري ينتظم من جديد وفق منظومات سياسية واقتصادية وحياتية عامة، عليك أن تتنبه بدرجة مضاعفة الى اهمية دور الطفولة في هذه المنظومة التأسيسية الشاملة، لأن الطفولة هي الاساس الذي ترتكز عليه وتبدأ منه عملية التجديد برمتها.

فإذا كان الطفل مهملا بل ومهددا في حياته ومشاعره وخياله ورؤاه، فإنك أيها المعني ستسهم بتدمير كيان الطفل وبالتالي بتدمير كيانك الشخصي والجمعي معا، من هنا تظهر اهمية رعاية الطفولة بغض النظر عما أنتجته وتنتجه الظروف والمخاضات الصعبة التي يخوضها العراقيون كبارا وصغارا، لذا نقترح التالي في هذا المجال:

- أن يفصل السياسيون (القادة منهم بصورة خاصة) بين صراعاتهم وحراكهم وانشغالاتهم بالامور السياسية وبين أهمية بناء الطفل العراقي على أسس سليمة.

- أن يلتقي الفرقاء السياسيون كافة تحت سقف واحد ويتعهدوا ويتفقوا (بشرف) على حماية الطفولة وتجنيبها نتائج الصراعات مهما كان نوعها او شكلها.

- أن تنشط المنظمات الخاصة بالاطفال وأن تكثر وتتنوع وتسهم بصورة فعالة في تطوير قابليات الاطفال ومواهبهم وتزرع الثقة بأنفسهم وبالمستقبل في آن.

- أن يتضاعف الجهد الحكومي في جانب بناء المدرارس والروضات واماكن التطوير والترفيه الخاصة بالاطفال.

- أن يتم تشجيع القطاع الخاص للقيام بدوره في دعم مشاريع الاطفال وتنميتها واستثمار رؤوس الاموال في هذا المجال وعدم حصر الهدف بالربح فقط بل وبالمسؤولية التربوية ازاء الاطفال.

- أن ينشط الدور الاعلامي بكل انواعه وصنوفه في مجال دعم الاطفال وتنظيم حملات ناشطة متواصلة تسلط الضوء بنحو متواصل على واقع الاطفال واحتياجاتهم وما شابه.

أن تتدخل الجهات الدينية بقوة في دعم الطفل وأن تضغط على السياسيين والمعنيين في هذا المجال لتلافي المخاطر التي تتولد عن اهمال هذه الشريحة .

- أن يتلافى المسؤولون لا سيما الجهات الحكومية قلة بنايات المدارس الابتدائية (كما ذكرنا هذا في مقال سابق) والروضات لأن المدرسة هي الحاضن الثاني الاهم بعد حاضن المحيط العائلي.

وهكذا نكون قد استثمرنا هذه المناسبة لكي لا نحتفل بها مع اطفالنا بل لتكون هذه دافعا لنا لتسليط الضوء على واقع الطفولة العراقي الذي نتمنى ان يتغير وينتقل من حالة الهشاشة الى الثبات والتطور صوب ما هو أفضل، وليس هذا صعبا او محالا فيما لو توافرات النوايا المخلصة من لدن الجميع لتحقيق ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 22/تشرين الثاني/2009 - 24/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م