دعوت في مقال سابق إلى عناية جديدة باللغة العربية على وفق معايير
تناسب المرحلة الجديدة التي يشهدها العراق المتمثلة بالانفتاح والعولمة
والانفجار المعرفي وسرعة الاتصال الذي يشهده العالم ليأخذ موقعه الفاعل
فيه.
عناية توافق طبيعة اللغة العربية وخصائصها ونظامها الحيوي الذي يتصف
بالمرونة والحيوية في التعبير عن المعاني وظلالها تعبيرا دقيقا. لا
بالمعايير العقلية والمنطقية للغة، فقد أثبتت بحوثنا الحديثة أن التشدد
في المعايير اللغوية والنحوية يتقاطع مع طبيعة العربية وحقيقتها
وجمالها ومرونة نظامها الحيوي.
وأثبتت أيضا أن الكثير مما نعده خطأ لغويا ليس بخطأ يمكن تخريجه
مخرجا لغويا صحيحا لسعة العربية وحيويتها، بل أن علم اللغة الحديث لا
يطلق على الخطأ اللغوي خطأ بل تطورا لغويا , وان كانت للغتنا خصوصية عن
اللغات التي تناولها علم اللغة الحديث ذلك أن لها نظاما يحوي المتغيرات
الزمانية والمكانية والتطور الحاصل في مجالات الحياة المختلفة، نظاما
يؤسس على المشابهة في مكونات اللغة العربية جميعها: الصوتية والصرفية
والنحوية والدلالية، يشبه النظام الكوني وهو دليل على اعجز ا لعربية
وارتباطها بالقرآن الكريم ارتباطا عضويا لا انفصام بينهما، ودليل علمي
مادي على أن قائل القرآن الكريم هو خالق الكون الله تبارك وتعالى وقد
فصلت القول في هذه النظرية في أطروحتي الدكتوراه الثانية الموسومة ب: (العدول
عن النظام التركيبي في أسلوب القرآن الكريم) لمن يريد المزيد يرجع
إليها.
أحصيت العشرات من المواضع في القرآن الكريم التي تتقاطع مع المعايير
اللغوية والنحوية التي وضعها النحاة، ذلك أن النحاة واللغو ببن ولا
سيما المتأخر ون منهم وضعوا قواعدهم على وفق النظام العقلي المنطقي
وليس على وفق النظام اللّغوي الاستعمالي للعربية.
إنّ العربية ليست نحو ابن عقيل أو شذا العرف أو جواهر البلاغة، ولا
هي أصوات يعبر بها أهلها عن أغراضهم فحسب بل هي – مع ذلك - وجود وهوية
وتأريخ وانفعالات ودين وتداول وإبداع وفن و غير ذلك.
إنّ التشدد بالمعايير اللغوية سببا أساس في الفجوة الكبيرة بين
المتخصصين في علوم العربية والمجتمع المثقف الذي يستعملها، وهو السبب
في نفور المثقفين في العناية باللغة العربية السليمة، وبذلك أضر
المتخصصون باللغة العربية واستعمالاتها أكثر من غيرهم ولا سيما
المتشددون منهم. ولكن لايعني ذلك أن ليس للغة العربية معايير ينبغي
الالتزام بها أواننا نجوز نصب الفاعل ورفع المفعول وغير ذلك وان أجاز
ذلك النحاة عند أمن اللبس، لكننا نقصد أن في العربية من السعة والمرونة
ما يتقاطع مع اتجاه المتشددين.
إن أقسام اللغة العربية - على كثرتها - في الجامعات العراقية، لم
تسهم إسهاما فاعلا في نشر الثقافة اللغوية السليمة بين المثقفين، وليس
لها نشاط علمي خارج أقسامها. وليس لها دور فاعل في التحول الحضاري
الجديد الذي يشهده العراق بمختلف الميادين.
لذلك سعيت مع بعض المختصين بعلوم اللغة العربية إلى تأسيس مؤسسة من
مؤسسات المجتمع المدني باسم: (الجمعية اللغوية العراقية)، وتحت شعار: (نحو
نهوض عراقي شامل) , تأخذ على عاتقها تلك المهمة، فضلا عن أهداف أخرى
تسعى إلى تحقيقها نحو:
1- التواصل والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية
الداخلية والخارجية، المعنية باللغة العربية. والاستفادة من الخبرات
والتجارب العالمية في الحفاظ على لغاتهم والعناية بها.
2- توحيد جهود المتخصصين بها،والتخطيط اللغوي العلمي الذي يرقى
بالدراسات اللغوية إلى العلمية والعالمية.
3- التأكيد على أهمية اللغة العربية وتوضيح حقوقها على المسؤولين
والمثقفين غير المختصين بها،في بناء مجتمع حضاري جديد، ذلك أن اللغة
جزء أساس من مكونات حضارة المجتمع واستقلاليته ووجوده.
4- الكشف عن أسرار اللغة العربية وإعجازها وجمالها ومرونتها ونظامها
الحيوي الذي يجعلها تناسب جميع العصور والثقافات المختلفة،معبرة عن
جميع المعاني الدقيقة والفنية تعبيرا دقيقا.
5- من خلال إقامة الدورات والندوات ووضع البرامج والتخطيط اللغوي.
6- المشاركة في المراجعة اللغوية للقوانين والدساتير وإصدار
التوصيات والمقترحات في ذلك.
أدعو من يهمه أمر العربية ومحبيها إلى دعم هذه الجمعية الواعدة،
وكذلك أدعو الجامعة ومؤسسات الدولة الثقافية والعلمية ولا سيما وزارتي
الثقافة والتعليم العالي وغيرهما إلى تشجيعها.
* كلية التربية للبنات – جامعة بغداد
al_igeali@yahoo.com |