الإعلاميون وضرورة التثقيف القانوني

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: السمات التي تَسِم العمل الاعلامي بالخطورة قد يصعب حصرها، حتى تكاد تتعدد وتتنوع كالاخطبوط الذي يتنامى ويمتد الى جميع الجهات، فهي لا تنحصر في الميدان العملي الحافل بالعقبات، لا سيما في العراق حاليا، ولا تتحدد بالعناصر التي يتعامل معها الاعلامي، بل قد تذهب أحيانا الى الخطورة التي تنبثق من جهل الاعلامي بالكثير من جوانب العمل، ومنها قصوره في مجال الثقافة القانونية التي يفتقد لها كثير من الصحفيين والاعلاميين عموما. 

فعندما ننادي بحرية الاعلام وأهميتها، ينبغي أن نعي بأن ثمة خطوطا ومحددات لا يجوز الاقتراب منها او تجاوزها، تتمثل بالدرجة الاولى (بحفظ الكرامة الانسانية)، بمعنى أن الاعلامي على الرغم من تمتعه بحرية الرأي واستقصاء المعلومة والكتابة والتأشير وما شابه، فإنه لن يكون حرا عندما يتعلق الامر بكرامة الانسان الذي يدخل ضمن مادته الاعلامية سواء في مقال او خبر او برنامج اذاعي او تلفازي او أية مادة اخرى تُنسب للعمل الاعلامي.

ولذلك يُستحسن بمن يخوض في غمار هذا العمل (الشاق والخطر) أن يتسلح بثقافة قانونية تحميه وتصنع له حاجزا معرفيا قانونيا يمنعه من العبور على (كرامة الانسان) بأي حال من الاحوال، ولعلنا لن نجانب الحقيقة حين نقول ان غالبية العاملين في مجال الاعلام يجهلون القانون الذي ينبغي الالتزام به أثناء ممارسة العمل الاعلامي.

وهنا يأتي الدور الكبير للمعاهد والمنظمات والمراكز الاعلامية الاهلية والرسمية في إقامة الدورات الخاصة بالتوعية القانونية للاعلاميين كما أقدم على ذلك (معهد صحافة الحرب والسلام/ في بغداد) حيث أخذ على عاتقه إقامة دورات متتالية في هذا المجال من خلال استقباله لاعداد متتابعة من الاعلاميين الشباب و(المخضرمين) من جميع المحافظات العراقية، وتقديم الدروس والمحاضرات المنهجية التي تعمل على تحصينهم قانونيا وتبعدهم عن الوقوع في الاخطاء التي لا يصح ان تُرتكب من قبل الاعلامي، حيث حاضَرَ عدد من الخبراء والمحاضرين المختصين في هذه الدورات ومن بينهم، الاستاذ علي المرزوك، والخبير القانوني العراقي المعروف المحامي حسن شعبان، وقد أبدى معظم الملتحقين في هذه الدورات سرورهم وشغفهم بالمحاضرات الهامة التي أضافت لهم معلومات قانونية نوعية في مجال العمل الاعلامي، ولعل الفائدة القصوى التي تحققت لهم كما أشاروا الى ذلك، أنهم تعلموا كيف لا يتجاوزون على حقوق الآخرين، وعرفوا بأن عملهم يهدف الى تقصي المعلومة الحقيقية قبل كل شيء، بعيدا عن القذف والتشهير وما شابه ذلك مما يتنافى مع تقاليد العمل الاعلامي الانساني الذي يضع (كرامة الانسان) فوق كل الاهداف.

وحين نذكر هذه التفاصيل، فإننا نرغب بأن نذكّر ذوي الشأن (رسميين وأهليين) بأهمية معاونة الصحفيين والاعلاميين كافة للوصول الى ثقافة قانونية حامية لهم من الزلل ومانعة لهم من التجاوز على الآخرين حتى لو تعلق الامر بحرية الاعلام ونقل المعلومات الصحيحة وما شابه ذلك، فالحماية القانونية تحصّن الاعلامي من الزلل.

وقد يكون من المفيد نقل هذه الحادثة التي كنت احد اطرافها كونها تتعلق بفحوى هذا العمود، حيث قمت قبل سنوات بتمرير خبر عن احد المتهمين الى احدى الصحف التي كنت اعمل لها، فقامت الصحيفة بنشر الخبر فور وصوله، وقد احتوى متـنه على الاسم الثلاثي الصريح للمتهم الذي لم يصدر بحقه حكم قضائي بعد، حيث تعرضتُ بعدها الى مساءلة قضائية من لدن ذوي المتهم شغلتني شهورا متتابعة وتأزمت الامور بسببها لدرجة انني تعرضت للتهديد المباشر، ثم لم تُحلّ القضية إلا من خلال التقاليد العشائرية التي غرَّمتني مبلغا من المال قمت بدفعه مرغما لذوي المتهم، وقد حدث هذا نتيجة لقصوري الواضح في مجال الثقافة القانونية التي لم أكن على دراية تامة بها، ما يعني أن الاعلاميين لا سيما الشباب منهم بحاجة الى من يمد لهم يد التثقيف القانوني الذي يجعلهم اكثر حرصا على كرامة الانسان، وهذه هي مهمة المعنيين بهذا الامر، سواء كانوا رسميين او اهليين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الثاني/2009 - 15/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م