التحامل العربي والحاضر الشيعي

الحوار الموضوعي الطريق الأفضل للمسلمين لنبذ التعصب

 

شبكة النبأ: ليس هناك من ينكر دور الفكر في تحقيق النقلات النوعية التي سَمَتْ بالانسان من حضيض الوحشية الى قمة الانسانية العالية، ويلتقي الفلاسفة والمفكرون الايجابيون مع بعضهم عند نقطة هامة حين أباحوا حرية الفكر والاعتقاد والرأي وما شابه، كون هذه الحرية هي المحرك الاساس والدافع الاكثر فاعلية في تحقيق مجتمع انساني متناغم مع تعدد الاعتقادات والافكار وما شابه.

بكلمة أخرى أن القول العظيم الذي ينص على أن (الآراء تصح حين تختلف) هو حجر الزاوية في الجهد الفكري الانساني الذي سعى ولا يزال بنوايا وافعال وافكار متتابعة على تهذيب النفس البشرية ونقلها من (جاهليتها الفطرية) الى نورانية العلم والرقي الانساني الذي يحفظ الانسان من نوازعه المتردية.

وبهذا سنتفق جميعا على أن الاختلاف في الرأي والعقائد ينبغي أن يُجيَّر لصالح الانسان قبل أن يُصبح ذريعة للتجاوز عليه او مصارعته بشتى الاساليب والوسائل، واذا أردنا أن ندنوا أكثر من فحوى عنوان هذه الكلمة، فإننا سنقول بصريح العبارة بأن المذهب الشيعي هو احد المذاهب الاسلامية التي تعددت وانتشرت بين المسلمين بحرية تامة لكي يقوم المسلم بدوره وفقا لما آمن واقتنع به من دون ضغوط او إملاءات.

واذا عرفنا بأن الشيعة في العالم العربي والاسلامي يشكلون نسبة كبيرة بين المسلمين تتجاوز الثلث فإن هذا يقودنا الى أهمية أن يكون التعامل مع هذه الشريحة الدينية الواسعة تعاملا انسانيا متحضرا من لدن الجميع لا سيما من قبل العرب المسلمين من المذاهب الاخرى، ولو تطلعنا لواقع الحال، ماذا سنجد في هذا المجال؟ بمعنى هل نجد التعامل الانساني الاخوي المنصف في التعامل مع الشيعة؟!.

وللاجابة عن هذا السؤال سوف نتجول في ثنايا الوقائع التي تحدث على الارض في هذا الصدد، فماذا سنكتشف؟ إن الكلام هنا لن يأتي جزافا بل ثمة مؤشرات ودلائل لا تقبل الدحض تؤكد بأن ما يتعرض له الشيعة العرب لا يتفق ولا ينسجم مع السلوك الانساني المتحضر، ولا ينم عن رؤية تستند الى أفضلية الاختلاف في الرأي والفكر وما شابه.

وهنا يمكننا الاشارة الى عشرات المواقع والقنوات والمراكز الاعلامية التي تعمل على محاربة الشيعة من دون وجه حق، بل يتفق الجميع على أن مثل هذه الاساليب تنم عن نظرة أحادية الجانب مصدرها القبلية والتعصب غير المبرر على الاطلاق، لأن الاختلاف –كما اتفقنا- لا يعني التشهير بالآخر ولا الانتقاص من معتقداته وافكاره، فالشيعة العرب هم مسلمون اولا وينطقون بالشهادتين ولهم جذورهم الفكرية المعروف، ونعتقد بأن من يريد التهجم على فرد واحد وليس (مذهب) عليه أن يتفحص سيرة الفرد وجذوره وافكارة وشخصيته، فما بالك اذا اردت التهجم على معتقد راسخ ومذهب له حضوره وتأريخه العميق في صفحة الاسلام المشرقة.

ولعل المطلوب ممن يعتمد النظرة المحدودة في التعامل مع الشيعة هو أن يطلع أولا على ارثهم الفكري وتأريخهم بما يحمل من حقائق مدعومة بالاسانيد التي لا تقبل التسويف او التجاوز، ولعل من أبسط التقاليد في اطلاق الاحكام وما شابه ضد هذا الفرد او هذه الفئة او التجمع هو تمحيص السيرة الفردية او الجمعية واستغوار أفكارها والغوص في بطون التأريخ من اجل المعرفة قبل الانتقاص او التهجم وما شابه.

ولذلك ترى ان هذا الاسلوب متبعا من لدن الشيعة انفسهم، فهم عندما يختلفون مع الاخرين لا يمتطون (مطية) الهجوم والانتقاص والتجاوز على افكار الآخرين او مواقفهم، بل يتبعون العلمية التي تستند الى الادلة والاسانيد المثبتة التي ترد عن ثقاة المسلمين لتخوض في امر ما، وهم –الشيعة- لا يرون في الاختلاف ضرورة او وسيلة لهزيمة الاخر والتجاوز على انسانية، بل هي حلبة حوار متواصل تتلاقى في الافكار والآراء وقد تتفق او تختلف لكن التحصيل الآخير لن يقودهم ابدا الى التعامل اللاانساني المتعالي او المتعجرف مع الآخرين حتى لو اختلفوا معهم.

 وهكذا لن يكون مبررا للمواقع والقنوات الاعلامية وغيرها أن تتجاوز على الشيعة لانهم يحملون معتقدا ما قد لا يلتقي -في التفاصيل- مع معتقدهم، ونرى أن الافضل للمسلمين جميعا أن يجعلوا من ساحة الحوار طريقا لتصحيح المسارت الخاطئة وتصويب الآراء المتعصبة التي لا تستند الى الحقائق التأريخية او المعاصرة على حد سواء، ولعلنا نقول ان النظرة البعيدة الأفق والفكر المتجدد باستمرار، ينبغي أن يكون ديدن المسلمين لكي يتجاوزوا العقبات التاريخية التي تعرضوا لها، فسبقتهم الامم الى حواضن الحضارة فجيّروها لأنفسهم مع ان المسلمين هم موئل الحضارات الانسانية ومنبعها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/تشرين الثاني/2009 - 10/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م