أغرب المضايق وأصغرها

كاظم فنجان الحمامي

بين جزيرة (أم الرصاص) وجزيرة (الشمشومية) مضيق ملاحي بحجم المستطيل الأخضر في ملاعب كرة القدم, لكنه رغم صغره يعد من أغرب المضايق المائية وأكثرها تعقيدا, ولهذا المضيق ميزة عجيبة جعلته يحظى باهتمام المؤسسات الملاحية العالمية, التي حرصت على الإشارة إلى خطورته, والتحذير منه في خرائطها ونشراتها الدورية, ومنها كتاب (المرشد البحري), الذي لا تخلوا منه سفينة من السفن العابرة للمحيطات, ولهذا المضيق اسم يشتهر به, ويحيطه بهالة من الدهشة والغموض. فهو معروف عالميا باسم (مضيق الشيطان), اما محليا فيجهله معظم الناس, ولا يعلم به حتى الذين يسكنون في الجزيرتين. اما الذين يعرفون اسمه فليس لديهم دراية بأسباب التسمية وحيثياتها. .

لكل مكان في شط العرب اسم يعرف به, ولأسماء الأماكن معان وظروف وعوامل ترتبط بملامحها المخزونة في ذاكرة المكان نفسه. ولكل مكان أسرار وخبايا تختلف من موقع الى آخر, اما بخصوص (مضيق الشيطان) فتعزى تسميته الى اعتقاد ربابنة السفن القديمة بوجود قوة خفية لها تأثير فيزيائي عجيب على بوصلات السفن الكبيرة المارة بهذا المكان. فينحرف مؤشر البوصلة انحرافا حادا وكبيرا نحو الضفة المقابلة لجزيرة ام الرصاص, وربما تنحرف السفينة عن خط سيرها فتصطدم بالضفاف وتتسبب في كارثة ملاحية.

ولا وجود لأي تفسير منطقي يوضح مصدر القوة الخفية المؤثرة على عمل البوصلات المغناطيسية. وهناك من يعتقد بوجود قوة شيطانية تعوق حركة السفن وتدفعها إلى الجنوح على الشاطئ. وهكذا أصبح المضيق يحمل اسم الشيطان الرجيم والعياذ بالله. وسمي باسمه (مضيق الشيطان). 

ولم تختف هذه القوة لكنها فقدت شهرتها بعد انحسار زمن البوصلات المغناطيسية ومجيء عصر البوصلات الجيروسكوبية, ومنظومات التوجيه الملاحي الآلي المعتمدة على الأقمار الصناعية. ومع ذلك فقد احتفظ المضيق باسمه بعد أن صار ممرا للقراصنة والعفاريت, والغزاة والشياطين, الذين عبروا من هنا بأساطيلهم الحربية, وجيوشهم الشريرة, فغزوا البصرة, ودمروا موانئها, وأحرقوا بساتينها, واستولوا على خزائنها ونفائسها, ونهبوا ثرواتها ومواردها.

 وكان هذا المضيق ولا يزال شاهدا على غزوات الشياطين والأبالسة, وأغلب الظن انه سمي بمضيق الشيطان ليكون دليلا أبديا على تسلل شياطين الجيوش البريطانية الى جزر شط العرب, وانتهاكهم حرمة المياه العراقية بسفنهم الحربية في الحرب العالمية الأولى. 

وتكرر المشهد نفسه في الحرب العالمية الثانية. ثم كان المضيق شاهدا على تسلل فئة أخرى من قراصنة العصر الحديث بأفكارهم الاستباحية المسمومة, ونظرياتهم الاستباقية الملفقة, وزوارقهم المدرعة, وكاسحاتهم المائية, وغربانهم وخفافيشهم من جنود ومجندات المارينز, وما رافقهم من جرذان المستنقعات السوداء (بلاك ووتر).

ختاما لابد من الإشادة برجال البحرية العراقية من العاملين في وحدات خفر السواحل, ومفارزهم الموزعة عند مقتربات مياهنا الداخلية, والمتمركزة على مشارف المضيق, فنشروا المراصد المسلحة, وشيدوا الأبراج الاستطلاعية حول جزر الشمشومية, وأم الرصاص , والطويلة, والعجيراوية, والفداغية, والمطوعة, والبلجانية, ورميلة, وسيحان, والدويب, والمخراق, والمعامر, ورأس البيشة لمنع الشياطين والعفاريت من التسلل الليلي عبر بوابة هذا المضيق الغامض, الذي سيبقى لغزا من الغاز شط العرب الملاحية والجغرافية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/تشرين الثاني/2009 - 8/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م