لا تقترب.. مكة المكرمة

ياسر محمد

مع الهالة الإعلامية الضخمة والمرعبة التي صاحبت انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير وتزامن المرض مع موسم العمرة أولاً ثم الحج لاحقاً، أصبح لدى الحكومات العربية والإسلامية خوفاً من تحول موسم حج هذا العام إلى تجمع خطير لنقل العدوى والإضرار بسلامة مواطنيها.

فصار الرعب الإعلامي أو ما يسمى التوعوية الصحية بطريقة مخيفة لكل من يسمع أو يشاهد خبراً إعلامياً يتقدمه عبارة "الوفاة بأنفلونزا الخنازير"، "اكتشاف حالات مصابة بالمرض"، "تأجيل الدراسة خشية انتشار المرض" دون التنويه إلى أن المرض يعالج وبشكل عادي بأدوية الأنفلونزا الموسمية وأن الحالات المنتهية بوفاة أو المعرضة للإصابة أكثر من غيرها هي تلك التي تعاني من ضعف الجهاز المناعي أو المصابة ببعض الأمراض كالربو، السمنة، القلب ومن لديها بعض الظروف الصحية الخاصة.

فكان من الأولى توعية المواطنين بهذه الأمور وإلى جانبها – بالطبع- أساليب الوقاية والحذر والحفاظ على جسم يتمتع بمناعة قوية يقاوم المرض من خلال تناول الأطعمة التي تحتوي على الفيتامينات اللازمة لرفع مناعة الجسم. حالات كثيرة أصيبت بالمرض وتم علاجها وشفاءها بشكل تام إلا أنه ومن عادة الناس تناقل الجوانب السيئة والمزايدة في نقلها للآخرين.

بصرف النظر عن كون هذا الفيروس مصطنع أم لا وبعيداً عن كل التحليلات التي صاحبت ظهور المرض، فإن طريقة الحديث عنه أشاعت خوفاً كبيراً بين الناس انتهى بتعطيل ذاتي لفريضة الحج من قبل العازمين على أدائها مسبقاً والتسبب في الإخلال بموسم يمثل قوة المسلمين والتقائهم جميعاً بكل الطبقات والألوان والمذاهب واللغات.

 فكثير من حملات الحج في العالم الإسلامي تأثرت نتيجة ضعف الإقبال عليها فاضطرت للاندماج مع حملات أخرى وبعضها الآخر صرف النظر عن فكرة الذهاب لموسم بات يمثل خسارة كبرة لها بعد غلاء فاحش في أسعار حج العام الماضي (1429هـ) نتيجة عدم ضبط أسعار السكن والمخيمات في المشاعر المقدسة، وما زاد الأمر سوءً هذا العام منع بعض الدول مواطنيها من الذهاب لأداء فريضة الحج ليعطوا بذلك إيحاءً عاماً بموت وفناء من يقترب من مكة المكرمة وكأنها منطقة محظورة.

وقد استفاد غير المسلمين من هذا الأمر في حث المسلمين أنفسهم على ضرورة توعية أبناء ديانتهم بخطورة أداء الحج والعمرة هذا العام وأهمية القيام بحملة إلكترونية كبيرة تحذرهم من خطورة المرض على حياتهم إن أرادوا الحياة، وهذا ما ينقله بعض القادمين من دول أجنبية عدة.

فإذا تسببت أنفلونزا الخنازير هذا العام بتعطيل بعض الدول وبعض الأفراد أداء واجب الحج، فما الضمانة ألا تظهر أمراض أخرى أكثر ضرراً وفتكاً في الأعوام القادمة؟

أسئلة عديدة وجهت لمراجع الدين الشيعة حول الحكم والرأي الشرعي من الذهاب للحج في ظل وجود المرض واحتمالية الإصابة به، فكانت الآراء التي أتيح الحصول عليها بين عدم منع الحج بشكل صريح وواضح كما هو رأي المرجع السيد صادق الشيرازي الذي افترض لو أن المرض ليس لعبة سياسية وأصيب من مليوني حاج مثلاً 500 شخص، فذلك لا يمنع الحج كما في مثال حوادث النقل والسير التي يتعرض لها المسافرون والمستخدمون لوسائل التنقل، فهل من العقل منع السفر بسبب تلك الحوادث؟ كما اتفق المرجع الشيخ محمد اليعقوبي مع نفس المثال وحدد إمكانية منع الحكومات للأشخاص الذين يحتمل ضررهم بدرجة معتدة وأن "من حق الشخص أن يمتنع عن السفر إذا كان خوفه من الضرر بهذه الدرجة لأن هذا الخوف مسقط للاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج" .

 ورأى المرجع الشيخ الصافي الكلبيكاني أن مجرد احتمال الإصابة بهذا المرض الذي يقبل العلاج لا يوجب سقوط وجوب الحج على المستطيع.

أما الآراء الصريحة في منع الحج فلم تكن مطلقة بل مشروطة كما يرى المرجع السيد علي السيستاني من وجوب الحج " إلا إذا احتمل الضرر احتمالا يورث الخوف لدى العقلاء" والمرجع الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الذي في حينها قال بالانتظار "إلى أوان الحج، فإذا كانت البلية عامة لابد من ترك الحج".

وعلى مستوى علماء الأزهر بمصر كان هناك تباين في المواقف والرؤى، فبينما رأى مفتي مصر الشيخ علي جمعة أنه لو انتشر فيروس أنفلونزا الخنازير بصورة كبيرة يتم وقف الحج فوراً ويكون حراماً على أي فرد الدخول أو الخروج من البلاد الموبوءة بالمرض، رأى الدكتور محمد المختار محمد المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر والرئيس العام للجمعيات الشرعية "أن هناك مبالغة في الأمر فالمرض ليس بالخطورة التي يُخشي منها والأعداد التي ماتت منها في العالم كله تقل عن الأعداد التي تموت في الحوادث اليومية". بينما شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي أوضح عدم وجود ضرورة ملحة لتأجيل أو إلغاء العمرة والحج.

وبعيداً عن كل الآراء المعارضة منها والمؤيدة لمنع الحج، يبقى الأمر المهم الوقاية القصوى قدر الإمكان وتحصين الجسم بما يزيد من مناعته والمسارعة في أخذ العلاج اللازم لأي مرض يؤذي الآخرين صغر أو كبر، وما ينبغي الحث عليه الدعوة إلى جعل بيت الله الحرام مقصداً متكرراً للإنسان ومصدر خير لبني البشر الذين هم في رعاية الله وضيافته، وإلى هذا أشار إمام المذهب الجعفري جعفر الصادق (ع) بقوله: عليكم بحج هذا البيت فأدمنوه، فإن في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة... وإلا سيتمكن المتربصون بالمسلمين من تمزيقهم وإضعافهم كل مرة إن نجحوا ولو لمرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/تشرين الثاني/2009 - 8/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م