نعيب الزمان والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
نعم.. هكذا ديدن البعض وسلوكه في الحياة، فهو دائم الشكوى والتبرّم
والتظلّم، يطلب ويستزيد وحتى يدين من لا يسايره ويماشيه، وإلا لماذا
يجب أن تبقى قضية اجتماعية بالأساس في إحدى مدن العراق ضمن أجندة
سياسية ومصالح خاصة، بل يصل بها المروق الى مصالح أجنبية؟
فيما مضى من الزمن كنا نسمع ونشاهد وأيضاً نعايش مأساة الأخوة
الكُرد طيلة العقود الماضية والتي خلقتها سياسات قمعية ونهج عنصري مقيت
من أنظمة حكم شمولية تعاقبت على العراق، فكان التشريد وكانت الاعدامات
الجماعية، ومختلف صنوف الانتهاكات والتعديات على حقوق الانسان، وقد
بلغت ذروتها في عهد البعث البائد، فدخلت المعاناة الكردية منذ عقد
الثمانينات ضمن مسيرة المعاناة التي كان يعيشها ابناء الشعب العراقي من
سياسات النظام البعثي البائد، بعد أن كانت تلك المعاناة وتحديداً في
عقد السبعينات تحمل طابعاً آخر، فأضيفت الجرائم ضد الكرد الى سجل صدام
الاجرامي. ويعرف الاكراد – وأقصد القادة البارزين منهم- إن القضية التي
ناضل من أجلها الشعب العراقي منذ ثورة العشرين عام 1920 وحتى 2003 لم
تتغير ولم يجر عليها أي تحوير أو تغيير، فقد دفع صدام ثمن محاربته
للدين فسقط وسقطت معه جميع الافكار الدخيلة على المجتمع العراقي، فتنفس
الجميع الصعداء من الكُرد والشيعة وحتى الأخوة السنّة.
فكيف يمكن والحال القبول والحال هكذا بان نرى نسخة جديدة من تلك
المعاناة لكن ليس ضد الكرد، إنما هذه المرة ضد قومية أخرى مجاورة وهم
التركمان في مدينة كركوك؟ ونحن في هذا الحيّز المحدود لاندافع عن قومية
ضد أخرى، لكن نقول إن الأخوة الكُرد، الذين هم حتى الآن إخوة لنا في
الدين والوطن، ما لم يقع بيننا وبينهم المحذور... يعدون بحق إحدى الحجج
الدامغة أمام كل من يدعي عدم صوابية الاطاحة بصدام، الى جانب الحجج
الدامغة الأخرى، وأرى من الضروري إعلام الأخوة الكُرد، بان التبرّم
والتذمّر من السياسيين الجدد وعمليتهم السياسية التي أتوا بها بعد
التاسع من نيسان عام 2003 قد تصل الى شمال العراق، ويجري الحديث عن
التكريد بعد أن كان الحديث سابقاً عن التعريب.
ولنا أن نتسائل: هل ان الحديث عن المعاناة والمظالم كالتي جرت على
أهلنا في الجنوب والشمال خلال العقود الماضية، يتوقف عند المصالح
السياسية والمكاسب الحزبية والشخصية؟!
في الحقيقة نحن أمام منطق غريب ليس من سنخ علم المنطق الذي درسناه،
يقول إن المظلوم والمضطهد يجب أن يمشي على أجساد الآخرين ليصل الى
حقوقه المضيعة، إن كانت هناك حقوق طبعاً.. إذ لا يبرح القادة الكُرد عن
الادعاء بان كركوك كردية، بمعنى انها ستخرج من الانتخابات البرلمانية
القادمة وهي متوجهة نحو إقليم كردستان متجاهلين في ذلك وجود النسبة
الكبيرة من الأخوة التركمان في محافظة كركوك بشكل عام، فهم وإن لم
يكونوا بأكثر من الكُرد إلا إنهم ليسوا بأقل.
في كل الأحوال فان الانتخابات وأيضاً ملف كركوك هما بالحقيقة لا
يعدو كونهما بيضتان ضمن مجموعة بيضات في سلة العراق الجديد، ولا يخفى
على الكُرد وما يحملونه من فطنة وذكاء ماذا سيكون مصير هذه البيضات
الرقيقات عندما تتعرض للاهتزاز العنيف؟! أما إن يقول الأخوة الكُرد بان
لنا سلتنا ولكم سلتكم فذاك حديث آخر أرجو أن ندخله، لأن اذا دخلنا – لا
سمح الله- سيصدق علينا قول الشاعر الامام الشافعي:
وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عيانا |