المثقف الأصل والمثقف المستنسَخ

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما بين الأصيل والمزيف من الكائنات والاشياء مسافة تكاد لا تُرى إلاّ بالعين الماهرة التي تتمتع بالخبرة والتمحيص والدقة المتناهية، هذا إذا تعلق الامر بالسلع المادية المصنعة على اختلاف انواعها واحجامها، أما السلع غير المادية التي تتعلق بالفكر وتوابعه، فإن الكشف عن المزيَّف سيكون أكثر صعوبة بسبب حالة التماهي التي تحدث بين أفكار الاصل والمستنسَخ.

بيد أن الملاحظ في الساحة الثقافية، أن هناك من يحاول أن يُنسب نفسه الى ساحة الفعل الثقافي عبر الكثير من الاساليب غير المناسبة، ولعل أسوأ هذه النماذج هو (المثقف المزيف) الذي يحاول أن يكون نسخة لمثقف أصيل او لمجموعة من المثقفين الراسخين، عبر  أساليب عديدة ملتوية ومكشوفة في آن، منها أن يلجأ الى ترديد اسم المبدع او المثقف الفلاني وبعض افكاره في الجلسات الخاصة او العامة ويتبجح بها من دون أن يهضم فكر او منجز ذلك المثقف او يفهمه بصورة تامة.

ويصح أن نطلق على مثل هؤلاء النسخ (المثقفون السطحيون او المزيفون) فهم غالبا ما تنقصهم الركائز الهامة التي تجعل منهم منتسبين حقيقين الى ساحة الفعل الثقافي المنتِجة، ومن هذه الركائز توافر الموهبة الأصيلة وسعة الفكر ودقة الملاحظة والمطاولة في البحث والكتابة وما شابه، حيث يفتقد مثل هؤلاء الى هذه الركائز التي تستند إليها الشخصية المثقفة الفاعلة التي تشكل حضورا حقيقيا في الوسط الذي تنشط فيه سواء كان وسطا ثقافيا او غيره.

ومع اننا لا نحصر الثقافة والمثقفين في حيز ضيق او محدود كون الثقافة منظومة فكرية سلوكية واسعة ومتعددة الجوانب، بمعنى لا يجوز ان نطلق صفة المثقف على (الاديب) حصرا ولا على الفنان حصرا ولا على من ينتمي الى حقل الكتابة الادبية والفنية او غيرهما حصرا، بل الجميع هو مثقف عندما يكون (مثقفا حقيقيا) بفكره وسلوكه، أما من يحاول أن ينتسب الى هذه الصفة من دون أن يتحصّل على مقوماتها او ركائزها او ينتحل سمات وأفكار غيره، فذلك ما نطلق عليه بالمثقف المستنسَخ الذي لا يملك شخصيته المثقفة على نحو أصيل وحقيقي.

إن سمة الانتحال والتبجح هي الاكثر شيوعا بين النماذج المستنسَخة، ولعلنا لاحظنا مثل هذه النماذج ( الشكلية) التي لا تبدو الثقافة إلا في مظهرها الخارجي كالغطاء الذي يخفي تحته جوهرا سلبيا او فارغا في افضل الاحوال، فترى بعضهم يردد على نحو متكرر اسم المفكر او المثقف الحقيقي الفلاني وإنه قرأ له عموم نتاجاته الفكرية او الادبية او الفلسفية او غيرها وأن رؤيته في المجال الفلاني كذا وكذا....، ولكن عندما تخوض معه في العمق (سيغرق) في مستنقع الادعات التي أطلقها قبل قليل، فمنهم مثلا من يردد كثيرا اسم (الحلاج) ويتحدث عن كونه شهيد الكلمة او الموقف، وحين تحاول ان تكتشف مدى تعمقه وسبره لاغوار الحلاج شخصا وفكرا وسيرة، فإنك ستكتشف فراغا كبيرا وزيفا واضحا وتبجحا لا يستند الى الواقع بأي حال من الاحوال.

ناهيك عن ان مثل هؤلاء المثقفين (شكلا) لا يهمه من الثقافة سوى الانتساب لإسمها !!! بمعنى انه لا يحمل من الثقافة إلا قشرتها، لأنك حين تغوص قليلا في اعماقه ستكتشف فيه فراغا فكريا وثقافيا كبيرا سيظهر الى الآخرين عندما يوضَع مثل هذا المثقف (المزيف) على المحك.

لذا يعتقد المتخصصون ان المثقف جوهر وان الثقافة سلوك مدعوم بالفكر الانساني المتفق على صحته، وما عدا ذلك سينتسب الى خانة الادّعاء الذي لا يعدو كونه (متطفلا) سيتم كشف نسخته الحقيقية (المستنسَخة) عن هذا المفكر او العالم او الفيلسوف او ذاك، لهذا السبب تعتمد الثقافة الأصيلة جوهر الاشياء، سلوكا او فكرا إنسانيا متطورا.

أما كيف تتم معالجة مثل هؤلاء كونهم يشكلون ثقلا على غيرهم، بمعنى يشكلون اعاقة لتطور الثقافة، فإن التنبيه على مثل هذه الحالات من لدن المعنيين سيسهم بدرجة او اخرى في التقليل من تكاثر او تنامى (نسخ) المثقفين المزيفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4/تشرين الثاني/2009 - 5/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م