القطيف والواقع الثقافي المعاصر

ياسر محمد

تنتشر المجلات على اختلاف أهدافها بشكل كبير في أنحاء الوطن العربي، فمنها الفني والعام ذا الهدف التجاري ومنها الثقافي والدراساتي المتخصص الذي يهدف لإشاعة فكرة وتأصيلها لدى شريحة مهتمة بموضوع الدراسة والبحث المطروح بعناية وتخصص.

فما إن تجد جهة ما تسير نحو التخصص إلا وتشعر بموقعيتها ودورها في خلق جو علمي أو فكري عام يقوم على تبادل المعرفة والنقد، مشيعة بذلك جواً يتجه نحو البحث والتعمق المستمر في المجتمع الذي تنشط ضمن محيطه.

وبالعودة للحالة الثقافية في منطقة القطيف التي ابتدأنا التعريف بها في المقال السابق، فإنها رغم كل المطبات التي تعترض طريقها إلا أنها في حالة من الاستمرار والإبداع الذي أخذ التخصص  جانباً منها في جوانب شتى كالفنية والفكرية والتاريخية التي أحد الشواهد عليها المجلات التحقيقية والدراساتية المتخصصة في الجانب التراثي والديني والفكر المعاصر.

فبعد ظهور النفط وتطور الحياة المادية، بات تراث منطقة الخليج تحت وطأة المد العمراني والاقتصادي الذي قُضي على جميع معالمه الأثرية في القطيف خاصة. فاكتُسحت بذلك البيوت والأبنية والأسوار الأثرية والمساحات الزراعية الخضراء من نخيل ومزارع كانت المنتج الأساس لمختلف المحاصيل الزراعية وصولاً إلى التعدي على الثروة السمكية ومزارع الأسماك التي طالتها مطامع الإنسان وجرافاته.

ومن هنا كان على المهتمين بالتراث والتاريخ حفظه وتوثيقه للأجيال اللاحقة للتعرف على تاريخ وتراث منطقتهم ودور السابقين في إنعاش اقتصاد البلاد من خلال العديد من المهن التي كانت تمارس بشكل مباشر منهم، كالزراعة والتجارة وصيد الأسماك وسائر المهن الحرفية. وقد كان لآبائنا وأجدادنا الماضين دور أساس في التطور الحضاري والازدهار الاقتصادي الذي شهدته المملكة العربية السعودية من خلال عملهم ضمن شركة أرامكو السعودية في بدايات عملها فيما يتعلق بالشؤون البترولية كافة التي هي عصب اقتصاد المملكة.

وقد تصدى الباحثون والمؤرخون من أبناء المنطقة قديماً وحديثاً للحديث عن المنطقة تاريخياً في كتب مفصلة، كما قام عدد من أبناء القطيف على إصدار وتحرير مجلتين تخصصيتين في ذات الشأن تصدران بشكل مستمر.

فكان لمجلة الواحة ومنذ عقد ونصف تقريبا اهتمام بالغ بشؤون التراث والثقافة والأدب في الخليج العربي تعاضدها في ذلك مجلة الساحل التابعة لمؤسسة الساحل لإحياء التراث الشيعي في الجزيرة العربية والمهتمة بالثقافة والتراث والحفاظ عليه في الخليج والجزيرة العربية.

وتهتم مجلة الواحة بجمع المخطوطات والوثائق الصادرة من المنطقة والواردة إليها في الشؤون الدينية والسياسية والاجتماعية  إضافة لاهتمامها  بالأدب في كافة جوانبه والأبحاث التاريخية المستمرة حول الأحساء والقطيف والبحرين فيما يتصل بالحياة العامة.

كما تهتم بالأحداث التي مرت بها المنطقة قبل وبعد الإسلام والأماكن الشعبية والتراثية والوضع الاقتصادي السائد آنذاك إضافة لاهتمامها بما يصدر من مؤلفات لكتاب المنطقة.

أما مجلة الساحل فتعنى بالمخطوطات والكتب المختصة بتاريخ الشيعة في الجزيرة العربية وأعلامها من العلماء والأدباء والمثقفين في القطيف والأحساء في الماضي والحاضر، فتقوم بالتعريف بهم وسرد ترجماتهم الشخصية وحصر نتاجهم الفكري مع المساهمة بنشر بعض الترجمات في مجلات تخصصية أخرى في العالم العربي.

 وتقوم المجلة بالتحقيق التاريخي عن طريق عدد من المختصين في الكتب والمخطوطات القديمة والعمل على تهيئتها للنشر والاستفادة منها كمصادر يرجع إليها.

مجلات في علوم القرآن والفقه وشؤون الفكر والقضايا المعاصرة

مع الحاجة لوجود مشروع قرآني متكامل يؤسس لقاعدة من البحث والتعمق في علوم القرآن وموضوعاته، وإشاعة جو علمي مبني على سبر أعماق الآيات القرآنية والتعرف على أسرارها وبلاغتها، وجد الباحثون والمتصلون بالشأن القرآني حاجة قصوى لتأسيس مسلك قرآني يكون رافداً للساحة الاجتماعية والمدارس الدينية والمكتبات الإسلامية بما يقدم الكتاب الإلهي كدستور متجدد يحمل أسرار العصر والمستقبل من خلال موضوعات أحوج ما يكون للقرآن الكريم رأي فيها.

وقد جاءت مجلة القرآن نور المهتمة بالشأن القرآني كواحدة من نتاجات مؤسسة القرآن نور بالقطيف بعد الإغفال الكبير لعلوم القرآن وتوجه الكثيرين للاهتمام بالجانب النظري الذي يركز في الغالب على التجويد والقراءات التي امتاز بها مشهور القراء. حيث أسست "القرآن نور" لمجموعة من الدراسات والأبحاث والحوارات مع الباحثين والمتصدين للشأن القرآني في العالم الإسلامي لعرض التأملات القرآنية والنكات المهمة التي قد لا يلتفت إليها القارئ أثناء مروره بالآيات التي كثيراً ما تحمل منهجاً تربوياً أو إشعاعاً علمياً.

 وتطرح المجلة جملة من المقالات ورؤى الباحثين في التدبر والتفسير وربط المواضيع الحيوية وتحليلها برؤية قرآنية معاصرة لملء الفراغ الذي تعيشه الساحة الدينية في معرفة الرأي الشرعي المستقى من القرآن في مختلف القضايا. كما تقيم عدد من الندوات القرآنية التي تناقش مختلف الدراسات والمواضيع الاجتماعية من خلال آيات الذكر الحكيم مضافاً إلى دورها في انتخاب كتاب أو بحث قرآني وتبني طباعته ضمن مطبوعات سلسلة القرآن نور.

أما فيما يتعلق بالجانب الفقهي.. فتبرز الحاجة لمناهج موجهة للمكلفين من الجنسين في المواضع التي هي محل ابتلاء أو تلك التي تجد الأسرة والمجتمع حرجاً في طرحها وتعليمها للأبناء. فكان من الضروري وجود جهة متخصصة تهتم بالأبواب الفقهية المختلفة والبحوث التي من شأنها جعل الفقه أداة فاعلة لكل الموضوعات الحيوية بأسلوب يناسب موضوعه لكل ما من شأنه تفعيل الفقه وجعله منهجاً في كافة نواحي الحياة.

 ومن هنا اتجه مركز الفقاهة للدراسات والبحوث الفقهية بالقطيف ومن خلال مجلة الفقاهة إلى تتبع ونشر كل ما يعزز الحالة الفقهية في شتى المجالات وعمِل على إثراء البحوث الفقهية للعلماء والمجتهدين من أبناء المنطقة وخارجها وبعض مدرسي البحث الخارج في الحوزات العلمية في العراق وإيران في شتى المواضيع المعاصرة، مساهماً بذلك في ترشيد الاختلافات الفكرية وتقريب وجهات النظر بأسلوب علمي وموضوعي.

وقد عُني المركز بجمع وتحقيق المخطوطات الفقهية لعلماء المنطقة وإقامة عدد من الدورات في فقه العبادات والمعاملات والأسرة وغيرها مضافاً إلى الاهتمام بطباعة الإصدارات والبحوث الفقهية الموجهة.

وعلى الصعيد المعاصر العام فيما يتعلق بالقضايا الفكرية برزت مجلة الكلمة المختصة بشؤون الفكر الإسلامي والتجدد الحضاري وقضايا العصر. حيث تقوم بدراسة العديد من الإشكاليات المعاصرة الدينية والسياسية والثقافية بكل ما تتضمنه العلاقة بين المذاهب والطوائف والأديان بلغة مشتركة بين مكونات الوطن الإسلامي والعربي متجاوزة الإطار المذهبي إلى الإطار العام.

ويشارك في تحرير "الكلمة" إضافة للمثقفين القطيفيين مثقفون من المغرب والكويت على غرار مجلة البصائر الإسلامية الصادرة عن مركز الدراسات والبحوث الإسلامية في حوزة الإمام القائم (ع) بسوريا والمختصة بالفكر الإسلامي والثقافة المعاصرة. ويشرف على رئاسة وإدارة التحرير فيها اثنين من علماء المنطقة ويشاركهم في هيئة التحرير مثقفون من الكويت، البحرين، العراق، السودان، وإيران وبمشاركة مختلف الكتاب والمفكرين الإسلاميين.

ولا يقف تعريفنا عند هذا الحد فقط وإنما تتسع الحلقة لو شملت المجلات العامة التي تصدر في المناسبات والمواسم الدينية، ولكن كان التعريف منصباً على المتخصصة منها لما لها من أهمية واهتمام من قبل الباحثين والمؤرخين وعامة المهتمين بشؤون الثقافة والفكر وقراءة الحالة الثقافية والدينية والمعرفية لبقعة ما كالقطيف التي كانت محط وقوفنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/تشرين الثاني/2009 - 4/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م