شبكة النبأ: في عالم اليوم المتسارع
تشكل الادارة بمفهومها العام أهمية قصوى في تحقيق نتائج موازية للبرامج
النظرية المسبقة، فكلما كانت الادارة ذات سمات واضحة منضبطة ومرنة في
آن، كلما كانت أقدر على تحقيق الاهداف المخطَط لها سلفا، وقد تدرجت
الحاجة الى الادارات الناجحة مع التدرج الحاصل في توسع المجتمعات
وتداخل وسائل الانتاج مع بعضها، ناهيك عن القفزات الاقتصادية الهائلة
التي نقلت الانسان من عالم الامس البسيط الى عالم اليوم المعقد.
وقد قدم لنا الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في
كتابه القيّم الموسوم بـ (الادارة ج1) رؤية ادارية معاصرة وضعت بعض
المقومات كأسس هامة لتحقيق النجاح في التعاطي مع الاعمال الادارية لا
سيما تلك التي تتعلق بصانع القرار الاداري ومواصفاته وقدراته التي
تعتمد مقومات محددة رأى فيها الامام الشيرازي (رحمه الله) ضرورات ساندة
للوصول الى نتائج ايجابية في الجانب الاداري.
ولعلنا يمكن أن نكتشف في هذا الكتاب رؤية مكثفة وثاقبة لعلم الادارة،
ليس بوصفه علما قائما بذاته فحسب بل ولكونه منهجا عمليا يمكن من خلاله
الوصول الى افضل النتائج في العمل الاداري، إذ يقول الامام الشيرازي في
هذا المجال: إن (الإدارة علم وفن فأيهما بدون الآخر يكون ناقصا).
وبهذه الرؤية المكثفة والدقيقة يحدد الامام طبيعة العمل الاداري
وأهم مقوماته التي تقوده الى تحقيق النتائج المتوخاة، فالادارة هي علم
قائم بذاته له اشتراطاته الواضحة والمحددة ولعل فهم هذه الاشتراطات
والتعامل معها بدقة علمية مطلوبة سيقود الاداري (قائدا او غيره) الى
نتائج شاخصة، بيد أن الامر لا يتوقف عند هذا الحد كما يرى الامام
الشيرازي، فالتعامل مع الادارة كعلم أمر جيد ومطلوب ولعله يسهم بدرجة
كبيرة في الوصول الى الهدف، لكن يبقى لدينا مقوّم آخر ومهم ألا وهو
مقوّم (الفن) كما يحدد الامام ذلك في رؤيته الثاقبة والمكثفة في آن،
فالادارة التي تعتمد العلم بلا فن تظل ناقصة ومعرضة الى الفشل في تحصيل
النتائج المرجوة.
بمعنى أن ثمة تعاضدا بين العلم والفن كما يرى الامام الشيرازي
لتحقيق البرنامج الاداري المستهدف، وهنا يقول الامام (رحمه الله) في
كتابه المذكور:
إن (العلم عبارة عن مجموعة قوانين ونظريات ومبادئ يلزم على المدير
استيعابها سلفا حتى يطبق كل شيء في موضعه، مثلا يلزم أن يعرف لزوم مسك
السجلات وتسجيل كل وارد وصادر، وضبط الوقت ومعرفة الحد بين المبدأ
والهدف، إلى غير ذلك .
ثم يأتي دور الفن وهو ما يعتمد على الموهبة الشخصية والخبرة العملية
والمهارة الفردية، واستنباط طرق حل المشاكل وما إلى ذلك).
هنا نستطيع أن نستشف هذه الرؤية التي لا تجيز الفصل بين العلم
المقنن والابداع المنفتح، فإذا كان دور العلم ضبط سياقات العمل الاداري
وتبويبها ووضعها في الاتجاهات التي تخدم العمل الاداري وتضبط أنشطته
وتحركاته المفصلية المتعددة، فإن الفن (المواهب) سوف تتدخل لتعطي (حركة
الضبط العلمي) لمسة فنية تسهم في تطوير العمل الاداري وتسرّع في الوصول
الى نتائج (علمية فنية) تلاقح فيها العلم مع الفن من اجل الوصول الى
افضل النتائج الادارية.
إن رؤية الامام الشيرازي تثبت لنا بأن ما وصل اليه عالم اليوم من
تطورات مذهلة في القطاع الاداري كان مزيجا متناغما بين (العلم والفن)
وهما المقومان الذان حددهما الامام لتحصيل النتائج الادارية المتميزة.
وثمة مقوّم آخر ينبغي أن يدخل في صميم الفعل الاداري، كما يرى
الامام الشيرازي، فبعد أن عرفنا ان العلم وحده لا يكفي، وان الفن
والموهبة ينبغي أن تشكل حضورها في الادارة، سنلاحظ أهمية توافر مقوّم
ثالث يرتئيه الامام لكي تكتمل عملية النجاح المطلوب، وهذا المقوم هو
(الممارسة) التي تعتبر من اهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها العنصر
الاداري (قائدا او عاملا) وفي هذا الصدد يقول الامام الشيرازي (رحمه
الله) في كتابه نفسه:
(ان الإدارة – كما تقدم – ممارسة، لا مجرد نظريات وآراء وفرضيات،
فإن تبلور هذه لا تكون إلا بالممارسة أما من يملك هذه فقط بدون
الممارسة فيصلح أن يكون مستشارا من الدرجة الثانية، إذ المستشار من
الدرجة الأولى هو الذي مارس وتصاعد في عمله بالتجارب)
وهكذا نجد في هذه المقومات الثلاثة التي حددها الامام في رؤيته
للعمل الاداري الناجح، كلاًّ مترابطا ومتعاضدا ومتفاعلا في آن واحد،
وأن غياب احد المقومات المذكورة سيؤدي الى نتائج منقوصة حتما. |