ملف قمع الحريات الاعلامية في المغرب

السلطات تغلق وتحاكم الصحف وتتهم المنظمات الحقوقية بالانحياز

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: شهد المغرب في الآونة الأخيرة سلسلة محاكمات وإجراءات إدارية تعرضت لها بعض الصحف والصحفيين في قضايا تتعلق بالنشر وهو ما اعتبره بعض المحللين تراجعا في مجال الحريات ومسعى من السلطات لتلجيم الصحافة وتذكيرها "بحدودها".

تلجيم الصحف

من جهتها أدانت الجمعية المغربية لحقوق الانسان المستقلة في بلاغ" الهجوم الخطير والمتصاعد للسلطات ضد الصحافة" الذي تجلى في صدور عدة أحكام قضائية بالسجن والتغريم في القضايا المتعلقة بالنشر فضلا عن اغلاق صحيفة دون أمر قضائي.

ويرى الموساوي العجلاوي الاستاذ بمعهد الدراسات الافريقية بالرباط "ان المحاكمات والتضييق على بعض المنابر الصحفية التي تتعرض لقضايا مست الجيش أو الملك أوعائلته.. يمكن قراءتها في سياق تحديد سقف الحريات في ظل التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي وهي في نفس الوقت عملية تحديد موازين القوى بين السلطة والمجتمع."

واضاف لرويترز "هناك رسالة من وراء اعتقال الصحافيين واقفال منابر أخرى أن هناك حدودا لا يجب تجاوزها." بحسب رويترز.

وشهد المغرب بعض الإصلاحات في مجال الحريات وحقوق الانسان منذ تولي الملك محمد السادس العرش بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني عام 1999.

وسن الملك محمد السادس في 2004 قانونا جديدا للأُسرة المغربية أعطى حقوقا للمرأة في الزواج والطلاق والحضانة كما أنشأ هيئة لطي ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب التي ارتكبت في فترة حكم والده وأنهت تلك الهيئة أشغالها في أواخر العام 2005 حيث أقرت تعويضات مالية لضحايا الانتهاكات ومن بين توصياتها عدم تكرار ما جرى.

وظهرت عدة صحف مستقلة تنتقد وتكتب في مواضيع كان محظورا تناولها في فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني.

غير ان كثيرا من الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان الدولية يعتبرون سلسلة المحاكمات الاخيرة تراجعا عن تلك "المكاسب".

وأدانت 31 من المنظمات الاعضاء في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان الحملة "الحالية ضد حرية الصحافة والتي تعد هي الاعنف منذ تولي الملك محمد السادس عام 1999".

وقالت انها "تمثل تراجعا خطيرا في حرية الصحافة المغربية تكاد به أن تقضي على الهامش النسبي من حرية الصحافة في المغرب وهو ما يمثل تهديدا لحرية الصحافة في المنطقة العربية بأسرها نظرا لما كان يمثله المغرب من نموذج قوي تحتذي به الصحف العربية."

وفسر جان فرانسوا جوليار الامين العام لمنظمة مراسلين بلا حدود ما يقع في المغرب اليوم من متابعات الصحف "وقمع" حريات التعبير بأن "الملك لا يحتاج اليوم لتحسين صورته لدى المجتمع الدولي ويظهر بمظهر المختلف عن باقي قادة دول المنطقة كما في بداية حكمه."

وأضاف "لقد قام بمجهودات في بداية حكمه كان هناك انفتاح حقيقي في المقابل اليوم الملك لم يعد محتاجا الى هذه الصورة لانه لم يعد محتاجا لاقناع شركائه الدوليين."

وتابع في ندوة صحفية عقدت يوم الثلاثاء بالدار البيضاء ولم ترخص لها السلطات "هناك تدهور حقيقي لحرية الصحافة في المغرب... الدولة التي تعتبر نفسها حداثية يجب أن تتوفر على وسائل أخرى للتعامل مع ما يسمى جنح الصحافة."

ويعتبر المسؤولون أن الصحافيين يرتكبون أخطاء قاتلة ويفتقرون الى المهنية في بعض الأحيان.

وقال خالد الناصري وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة "على الصحافيين أن يتحملوا مسؤولياتهم ويتحلوا بالشجاعة الكافية ليقولوا ان هناك انحرافات وبالتالي يجب التصدي لهذه الانحرافات وأن بداية التصدي يبدأ من الجسم الصحفي."

وقال الناصري في ندوة صحافية "ليس في نية السلطات العمومية التضييق بأي شكل من الأشكال على الممارسة الصحفية لكن على الصحفيين أيضا أن يضعوا يدهم في يد السلطات من أجل أن نبني نظاما صحافيا يكون جديرا بالمغرب الجديد."

غير ان الصحافي رضا بن شمسي مدير أسبوعية نيشان التي تعرضت للمحاكمة وحجزت أعدادها الصيف الماضي بسبب استطلاع للرأي حول الملك قال "نحن لسنا في مرحلة خنق الصحافة نحن في مرحلة الرجوع الى طبيعة النظام أي عدم تحمله لحرية التعبير."

وأضاف "كانت هناك فترة السلطات والاعلام جربوا بعضهم البعض عرفت فيه هذه الفترة تعثرات ولكن السياق العام كان متفائلا." ويستنتج أن "السياق العام يسجل تراجعا خطيرا وهذا محزن."

وقال "من الطبيعي أن ترتكب الصحافة أخطاء نحن لسنا منزهين كما أن تجربة الصحافة المستقلة في المغرب فتية لكن هذه الأخطاء تعالج بوسائل أخرى بمعزل عن القمع والحجز والسجن."

ويعزو المحلل السياسي محمد الساسي "هذه الانتهاكات" التي تتعرض لها الصحافة الى حركيتها قائلا "صحيح أن الدولة الان لا تقمع القادة الحزبيين ولا تقودهم الى السجن لانهم لا يصنعون شيئا اذا كانت تقمع الصحافة فلانها تتحرك."

ويضيف "الصحافة وجدت نفسها تقوم بوظائف أكبر منها هي لم توجد لتكون قوة معارضة لكنها تحولت الى دور المعارضة لتملا هذا الفراغ الذي تركه غياب قوى المعارضة."

ومن جهته اعتبر علي أنوزلا مدير يومية (الجريدة الاولى) الذي حكم عليه بالسجن سنة مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها عشرة الاف درهم (نحو 1300 دولار) بسبب مقال حول مرض العاهل المغربي في أواخر أغسطس اب هذه "الحملة ممنهجة تستهدف نوعا من الصحافة".

واضاف "هي بدأت باصدار غرامات ثقيلة على الصحف والان الحملة تتجه الى الدرجة القصوى ألا وهي استهداف حرية الصحافيين."

السجن مع وقف التنفيذ

في السياق ذاته اعلن مصدر قضائي مغربي صدور حكم بالسجن مع وقف التنفيذ ودفع غرامة بحق مدير صحيفة اخبار اليوم المغربية توفيق بوعشرين في ختام محاكمتين بعد نشره صورة كاريكاتورية غير لائقة بحق العائلة المالكة.

ففي الدعوة الاولى التي اقامها ضده الامير مولاي اسماعيل ابن عم الملك محمد السادس، اصدرت محكمة البداية في مدينة الدار البيضاء على توفيق بوعشرين حكما بالسجن لمدة ثلاثة اشهر مع وقف التنفيذ.

واضاف المصدر ان المحكمة اصدرت ايضا الحكم نفسه على خالد قادر راسم واضع الصورة الكاريكاتورية. بحسب فرانس برس.

كما طالبت المحكمة بوعشرين بدفع عطل ضرر بقيمة ثلاثة ملايين درهم (حوالى 270 الف يورو) بالتضامن مع خالد قادر.

وكانت اخبار اليوم نشرت في عددها بتاريخ 26 و27 ايلول/سبتمبر صورة كاريكاتورية حول "احتفال العائلة المالكة بحدث ذات طابع خاص بحت" وهو زواج الامير مولاي اسماعيل (في 26 ايلول/سبتمبر) مع انيسة لهمكهول وهي مواطنة المانية اعتنقت الاسلام.

وبعد تلاوة الحكم، قال بوعشرين لوكالة فرانس برس "انها فضيحة، انه خطر يستهدف كل الصحافة المكتوبة في المغرب".

وقد اقفلت وزارة الداخلية المغربية مقر الصحيفة ومنعت الصحافيين من الوصول الى مكاتبهم.

واعتبرت الوزارة ان "استعمال نجمة داوود في صورة الكاريكاتور اثار تساؤلات حول نفوذ المعنيين ويدل على نزعة معادية للسامية بشكل فاضح". ورفعت الوزارة دعوة بحق الصحفيين.

وفي ختام الدعوة الثانية، صدر الحكم الثاني الجمعة ايضا وحكمت محكمة الدار البيضاء على الصحافيين بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ ودفع غرامة بقيمة مئة الف درهم (9090 يور) بالتكافل والتضامن. وقررت المحكمة ايضا "الاغلاق النهائي" لمكاتب الصحيفة.

وكانت محاكمة بوعشرين وقادر قد بدأت في 12 و23 تشرين الاول/اكتوبر. وقرر الصحافيان استئناف الحكمين.

اتهام مراسلون بلا حدود

من جهته دانت السلطات المغربية موقف منظمة «مراسلون بلا حدود» التي اتهمها بممارسة «الرقابة» و«الإخفاء الممنهج لكافة ايجابيات» المملكة وخصوصا في مجال حرية الصحافة.

وقال وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة خالد الناصري في لقاء مع صحافيين ان «الطمس الممنهج لكافة ايجابياتنا لا يمت لأخلاقيات المهنة بصلة».

وردا على سؤال، عبر الوزير المغربي عن «رفضه للمعاملة التي تخص بها منظمة (مراسلون بلا حدود) المغرب والمتميزة بالرقابة». بحسب فرانس برس.

واكد ان المغرب «يعد دولة منظمة تتوفر على مؤسسات وقوانين وعلى خصومنا التحلي بالشجاعة للتحدث عما يزعجهم»، مؤكدا عزم المملكة على «المضي قدما في المسلسل الديموقراطي».

رسم كاريكاتيري عن أمير

من جانب آخر قالت مصادر رسمية ان وزارة الداخلية المغربية قررت متابعة صحيفة يومية بسبب نشرها رسما كاريكاتيريا عن زفاف ابن عم العاهل المغربي الملك محمد السادس من شابة ألمانية.

ونقلت وكالة المغرب العربي الرسمية للانباء عن وزارة الداخلية أن الوزارة "قررت متابعة جريدة أخبار اليوم والقيام بحجزها بسبب نشر الجريدة في عددها المؤرخ في 26 و27 من هذا الشهر رسما كاريكاتيريا له علاقة باحتفال الاسرة الملكية بحدث له طابع خاص جدا."

وأضافت "وعلى ضوء العناصر المتوفرة حول هذه القضية قررت طبقا للقوانين المعمول بها متابعة يومية أخبار اليوم والقيام بحجزها مع اتخاذ التدابير الملائمة بخصوص وسائلها ومقراتها." بحسب رويترز.

وقالت الوزارة ان "الرسم يمثل مسا صارخا بالاحترام الواجب لاحد أفراد الاسرة الملكية." وأضافت "وباللجوء الى استعمال العلم الوطني بنية مغرضة فان الرسم الكاريكاتبري يشكل مسا برمز من رموز الامة من خلال اهانة شعار المملكة."

وتابعت "استعمال نجمة داود في الرسم الكاريكاتيري يثير من جهة أخرى تساؤلات حول تلميحات أصحابه ويكشف عن توجهات مكشوفة لمعاداة السامية." كما قالت ان الامير مولاي اسماعيل "قرر اللجوء الى العدالة في اطار هذه القضية."

ويعاقب القانون المغربي على "الاخلال بالاحترام الواجب" للملك أو لاحد أفراد الاسرة الملكية.

ويرى بعض الحقوقيين والصحافيين أن حرية الصحافة شهدت تحسنا في عهد الملك محمد السادس لكنهم ينتقدون استمرار وجود موضوعات يحظر تناولها خصوصا في موضوعات مثل قضايا الدين والوحدة الترابية للمملكة والملك.

نقابة الصحافيين تندد

من جانبها نددت نقابة الصحافيين في المغرب بختم مقر صحيفة اخبار اليوم في الدار البيضاء بالشمع الاحمر من قبل الشرطة بعد قرار وزارة الداخلية ملاحقتها امام القضاء "بتهمة عدم احترام احد اعضاء العائلة المالكة".

وجاء في بيان للنقابة وصلت نسخة منه لوكالة فرانس برس ان "قرار السلطات باغلاق مقر الصحيفة يتعارض كليا مع القانون لان قانون الصحافة لا ينص على هذا الامر".

واضاف البيان ان "النقابة تندد بشدة بهذا القرار الذي اتخذته السلطات وحملت الحكومة مسؤولية هذا الانتهاك الفاضح للقوانين".

ودعت النقابة بالمقابل الى اصلاح قانون الصحافة لناحية "ضرورة احترام" الملك واعضاء العائلة المالكة. بحسب فرانس برس.

واوضح البيان ان "النقابة تعتبر انه يجب اعادة النظر بهذا الاجراء لانه يفتح الباب امام تدخلات اخرى قد تعيق حرية الصحافة".

وفي اتصال اجرته وكالة فرانس برس مساء الثلاثاء، اكدت ادارة تحرير اخبار اليوم (مستقلة) ان الشرطة ختمت بالشمع الاحمر مكاتب الصحيفة ومنعت الطاقم الصحافي من الدخول الى المبنى.

واوضحت ايضا ان مدير الصحيفة توفيق بو عشرين ما زال رهن الاستجواب من قبل الشرطة القضائية في مدينة الدار البيضاء.

واعلنت وزارة الداخلية قرارها بملاحقة صحيفة اخبار اليوم امام القضاء لعدم احترام احد اعضاء العائلة الحاكمة وكذلك اتخاذ اجراءات اخرى تتعلق بطاقم ومباني هذه الصحيفة.

وتأخذ الوزارة على الصحيفة انها نشرت في عددها 26-27 ايلول/سبتمبر "صورة كاريكاتورية على علاقة مع احتفال العائلة المالكة بحدث ذات طابع خاص بحت" في اشارة الى احتفال الرباط بزواج الامير مولاي اسماعيل.

وقد تزوج الامير وهو ابن عم الملك محمد السادس من آنسة ليهمكول وهي مواطنة المانية مسلمة.

واعتبرت الوزارة ان "استعمال نجمة داوود في صورة الكاريكاتور اثار تساؤلات حول نفوذ المعنيين ويدل على نزعة معادية للسامية بشكل فاضح".

منع توزيع  الـ لوموند

على صعيد متصل منعت السلطات المغربية توزيع عددي الخميس والجمعة من صحيفة لوموند الفرنسية في المغرب بسبب نشرها رسما كاريكاتيريا عن العائلة المالكة، حسب ما صرح به مسؤول مغربي.

وسبب المنع هو نشر كاريكاتير على الصفحة الأولى يصور يدا تمتد من علم المغرب لتشكل صورة طفل بوجه مضحك ويضع على رأسه تاجا، وتحته نص يقول "محاكمة رسام كاريكاتير مغربي تجرأ على رسم العائلة المالكة".

وفي عدد الجمعة نشرت الصحيفة في صفحة داخلية الرسم الكاريكاتيري الذي تعرض الرسام خالد قدار بسببه للمحاكمة، وهو يشير إلى زواج الأمير مولاي إسماعيل من فتاة ألمانية تحولت إلى الإسلام.

وقال مسؤوول مغربي لوكالة فرانس برس للأنباء: "لن نقبل أبدا الهجوم المتكرر على الرموز الوطنية بحجة حرية التعبير".

وكان قدار قد حوكم قبل عشرة أيام بتهمة "عدم احترامه للعائلة المالكة"، وذلك إلى جانب توفيق بوعشرين، مدير صحيفة أخبار اليوم.

كما اعلنت صحيفة الباييس ان توزيعها منع في المغرب لانها نشرت رسوما كاريكاتورية تمثل العائلة المالكة المغربية، لتكون ثاني صحيفة تمنع بعد لوموند الفرنسية.

وقالت الباييس ان السلطات المغربية اتهمتها بالاساءة الى المؤسسة الملكية في المغرب لانها اعادت نشر رسمين نشرتهما لوموند.

واعرب اتحاد جمعيات الصحافيين الاسبان عن اسفه في بيان للمنع، معتبرا ان "من المؤسف ان تقرر وزارة الاتصالات المغربية فرض الرقابة" باعتبارها تهدد "تعددية الاعلام" في المعرب. وتملك مجموعة بريزا الاسبانية التي تنشر الباييس 15% من اسهم لوموند.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/تشرين الثاني/2009 - 13/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م