صلوات للمسلمين في الكابيتول هيل تجسّد ضرورة التعايش السلمي

صلاة جمعة أقيمت في الكونغرس تجتذب المصلّين والمحتجّين أيضاً

 

شبكة النبأ: على صعيد الأحداث العامة في مبنى الكابيتول، كان من غير الملحوظ أن يتجمع عدة آلاف من الأميركيين من جميع أنحاء البلاد للمشاركة في يوم الصلوات التي أقيمت في الهواء الطلق.

ولكن بمعنى آخر، كانت صلاة المسلمين التي أقيمت يوم 25 أيلول الماضي بمثابة صورة مصغرة عن الكيفية التي تعمل بها مبادئ حرية التعبير والحق في الاحتجاج بصورة يومية في المجتمع الأميركي، ولا سيما في عاصمة البلاد.

الإسلام في الكابيتول هيل

جاء يوم الصلوات الذي أطلق عليه رسميا اسم "الاسلام في الكابيتول هيل" بمبادرة من حسن عبدالله، وهو محام وإمام مسجد دار الاسلام في بلدة اليزابيث بولاية نيوجيرزي. ويقول عبدالله، الذي اعتنق الاسلام وهو في الجامعة، إن خِطب الرئيس أوباما كانت مصدر إلهام له. بحسب موقع امريكا دوت غوف.

وقال في حديث له مع صحيفة "ستار ليدجر" التي تصدر في ولاية نيوجيرزي إن هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها في حياتي شخصا في مكانته يتحدث عن الإسلام والمسلمين... شخصا يرحب بنا ويعترف بأننا مواطنون وجزء لا يتجزأ من المجتمع".

بدأ عبدالله والمنظمون الآخرون، بمن فيهم الإمام عبدالملك من نيويورك، التخطيط ليوم الصلاة للمسلمين بعد وقت قصير من إلقاء الرئيس أوباما خطابه إلى العالم الإسلامي في القاهرة في حزيران/يونيو المنصرم. (راجع "أوباما يدعو إلى بداية جديدة مع العالم الإسلامي").

وبعد مضي شهر من قيام المنظمين بتعبئة استمارة بسيطة تقع في صفحة واحدة وتطلب الإذن بإقامة يوم للصلاة، منحت شرطة الكونغرس الأميركي المنظمين الإذن بإقامة فعالية "الإسلام في الكابيتول هيل".

صلوات.. واحتجاجات

لعل الصلوات التي أقيمت لم تشد انتباه سوى عدد متواضع فقط من مراسلي وكالات الأنباء، إلا أنها استقطبت معارضة من قبل مجموعة صغيرة من المتظاهرين.

فقد انتقد بعض المتظاهرين غياب الحرية الدينية في الدول ذات الغالبية المسلمة. وآخرون تظاهروا بدافع معارضتهم لسياسات حكومة أوباما أكثر من معارضتهم للحدث نفسه. ولم تشارك أية شخصيات دينية أو سياسية أو وطنية في المسيرة الاحتجاجية أو تدعمها بشكل علني.

وكان لا بد أن تتعاطى المواقع الالكترونية والمدونات على شبكة الإنترنت مع الحدث وتتناقل معلومات انتشرت بسرعة ولكنها كانت في بعض الأحيان محرفة وغير دقيقة.

وقد قدم موقع مستقل على الإنترنت هو موقع التثبت من الحقائق (FactCheck.com) تصويبات للكثير من هذه المعلومات الخاطئة  والمضللة - مثل تلك التي تقول إن "الحكومة قد خصصت يوما رسميا للمسلمين"، أو التي تقول إن المسيحيين وآخرين من غير المسلمين ليس لديهم يوم خاص بهم للصلاة.

والواقع أن الصلاة التي أقيمت باسم "الإسلام في الكابيتول هيل" كانت حدثا غير رسمي وبدون أي رعاية من الحكومة.  وبالنسبة ليوم الصلاة الذي تقره الحكومة، فهو يوم الصلاة الوطني الذي أقرته الحكومة لأول مرة في العام 1952. وفي العام 1988، خصص أول يوم خميس في شهر أيار/مايو باعتباره اليوم الوطني للصلاة لجميع الأديان.

وأفادت صحيفة واشنطن بوست بأن يوم الصلاة للمسلمين الذي أطلق عليه الإسلام في الكابيتول هيل مر بسلاسة، حيث تخللته بعض الخطب وتلاوات من القرآن الكريم، وإقامة الصلوات. وقالت الصحيفة إن هذا الحدث "كان فعالية دينية في جزء منه والجزء الآخر رفع المعنويات".

وقالت شبكة تلفزيون فوكس نيوز الإخبارية إن المصلين كانوا "يعربون عن ورعهم وتقواهم والتضامن مع القيم الأميركية في الوقت الذي تجاهلوا فيه المحتجين."

وأعلن مالك أن هذا ليس احتجاجا، إنما هو يوم للصلاة، والتعبد، على أمل أن نتمكن من العمل... من أجل خير المجتمع العالمي."وكلما تعالت أصوات المتظاهرين، رغم قلة عددهم، عاتبهم عبدالله ونصحهم على التحلي بالهدوء.

وقال لهم "إننا لن نحضر أبدا اجتماعا للصلاة إذا كنتم تتسببون في الاضطرابات. والرجاء منكم أن تظهروا لنا بعض الاحترام. فبقدر ما يعتبر يوم الأحد لديكم مقدسا، فإن يوم الجمعة لدينا هو يوم مقدس."

لم تكن هناك حوادث أخرى، وأفادت صحيفة واشنطن بوست بأن الضوضاء الصادرة من المحتجين تلاشت خلال الجزء الأخير من الصلاة التي استغرقت ساعتين.

يذكر أن صلاة الجمعة تقام بشكل روتيني في مبنى الكابيتول، حيث يؤدي أعضاء رابطة العاملين في الكونغرس من المسلمين صلاة الجمعة العادية التي غالبا ما يحضرها مسؤولون ودبلوماسيون زائرون.

ولم يتمكن أعضاء الجمعية من حضور صلاة الإسلام في الكابيتول هيل لأن العديد منهم كانوا يشاركون في صلاة لكتلة النواب السود بالكونغرس، التي تتألف من الأعضاء في الكونغرس الأميركي من أصل إفريقي، التي أقيمت في جزء آخر من مدينة واشنطن.

وحضر فعالية يوم للصلاة حوالي 3 آلاف شخص، وهو عدد أقل من العدد الذي كان يتوقع المنظمون أن يحضر. ويعود السبب في تدني نسبة الاقبال في جزء منه إلى حقيقة أن هذا الحدث جرى بدون مشاركة منظمات اسلامية وطنية. وقد انتقد بعض المعلقين والمدونين ذوي الشعبية، مثل زاهد أمان الله من موقع ألتمسلم وعزيز بونالله من موقع المدونة التي تعرف باسم مدينة النحاس الأصفر، توقيت الحدث الذي جاء قريبا جدا من موسم الاحتفالات بشهر رمضان وبالعيد.

المظاهرات وحرية التعبير

وبعقدهم فعالية عامة في الكابيتول هيل، كان المسلمون الأميركيون يشاركون في تقليد حرية التعبير العام من قبل المواطنين الأميركيين التي تعتبر قديمة قدم الدولة نفسها. في الواقع، لعل من المستحيل التعرف على أية مجموعة كبيرة دينية أو عرقية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية في الولايات المتحدة لم تقم بمسيرات ومظاهرات، وصلوات، واعتصامات، أو احتجاجات في واشنطن.

ففي العام 2008، على سبيل المثال، أصدرت شرطة الكابيتول 145 تصريحا لإقامة مظاهرات ومسيرات على الأرض التابعة لمبنى الكونغرس الأميركي. اما خلال هذا العام، فقد تجاوزت التصريحات التي صدرت  ذلك العدد بحلول تشرين الأول/أكتوبر، وفقا لما ذكره المتحدث باسم مكتب شرطة الكابيتول.

ومن بين التظاهرات التي جرت العام 2009 مظاهرتان احتجاجيتان في آذار/مارس وتشرين الأول/أكتوبر ضد الحرب في العراق وأفغانستان، ومسيرة ومظاهرة جرتا في أيلول/سبتمبر ضد برنامج حكومة الرئيس أوباما حول الرعاية الصحية.

كما نظّمت مظاهرات أصغر في كافة أنحاء واشنطن على مدار السنة عكست مجموعة واسعة من القضايا: منها مسيرة حاشدة تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة (جرت في كانون الثاني/يناير)، ومظاهرة تطالب بتحرك سريع بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري (جرت في آذار/مارس) ومسيرة الديمقراطية من أجل في إيران (في حزيران/يونيو)، وقيام تظاهرة احتجاجا على الإطاحة برئيس هندوراس من قبل المؤسسة العسكرية (في تموز/يوليو)، ومظاهرة من أجل حقوق الإنسان تزامنت مع الذكرى الستين لقيام جمهورية الصين الشعبية (أيلول/سبتمبر). وقد حدثت جميع هذه المظاهرات العامة تقريبا دون وقوع مواجهات خطيرة أو اعتقالات.

حرية التعبير والتعديل الأول للدستور

تثير فعالية الإسلام في الكابيتول هيل التساؤل حول دور الحكومة فيما يتعلق بحرية التعبير والمعارضة العلنية – التي غالبا ما يشار اليها باسم "الحقوق الواردة في التعديل الاول" في لائحة الحقوق من الدستور الأميركي.

ولا تنحصر الحماية التي يوفرها التعديل الأول على التعبير المهذب، بل إنه يوفر الحماية لكل أنواع الكلام والآراء، وخصوصا الكلام والكتابة التي تتناول القضايا العامة والشخصيات. (ويتم تطبيق القوانين التي تتعامل مع التشهير والافتراء في أغلب الأحيان على المواطنين العاديين).

وباختصار، فإن  بإمكان الأميركيين أن يختلفوا علنا مع بعضهم البعض، بل إن بإمكانهم أن ينعتوا القادة السياسيين والشخصيات العامة بأي كلام يشاؤون – باستثناء التهديدات المحددة بالعنف - دون خوف من اية عواقب قانونية.

إن مسألة الكياسة في المناقشات العامة - التي أثارها حسن عبدالله خلال الصلاة -- هي مسألة هامة ولكنها مختلفة، وهي مسألة موضع نقاش ساخن.

فهل ذكر عدد صغير من المحتجين وكتبوا أشياء خاطئة أو غير دقيقة عن فعالية الإسلام في الكابيتول هيل؟ على الأرجح أنهم فعلوا ذلك.

ولكن عددا أكبر بكثير من المواطنين الأميركيين يؤيد حق المسلمين في يوم عام للصلاة. وبقيامهم بذلك، فإنهم لم يعيروا المتظاهرين  أي اهتمام- علماً بأن الحق في الصلاة والاحتجاج حق مصان لجميع الأميركيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/تشرين الثاني/2009 - 8/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م