التمويل الاسلامي... بديل اقتصادي فرضته الأزمة المالية

أصول أعلى جودة وحاجة لمُنتجات ومنافذ توزيع

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: تتصف صناعة ادارة الاصول الاسلامية الناشئة بعدم وجود نطاق كافِ من المنتجات وقنوات التوزيع لترقى الى مزاحمة منافسيها التقليديين في ادارة ثروات المسلمين.

وتحاول صناعة التمويل الاسلامي الوليدة التي تُقدَّر قيمتها بحوالي تريليون دولار تحقيق توازن دقيق بين استنساخ المنتجات التقليدية وابتكار منتجاتها الاصلية. فيما تُعتبر ادارة الاصول قطاعاً يمكن للصناعة فيه بسهولة أن تبتكِر منتجات جديدة وفق مجموعة قيمها الخاصة..

ولكن خبراء مصرفيون أكدوا، أن دول العالم بدأت تتطلع إلى قطاع التمويل الإسلامي كأداة جيدة للحصول على سيولة، في وقت يعاني العالم من أزمة مال انعكست سلباً على القطاعات الاقتصادية، وامتدت آثارها إلى دول العالم من دون استثناء. وأشاروا في ندوة نظمها مركز دبي المالي العالمي أن القطاع يعتبر من القطاعات القليلة التي أبدت مقاومة ومرونة كبيرتين في مواجهة الأزمة المالية العالمية...

المصارف الايطالية: إمكانيات هائلة لتطوير التمويل الإسلامي

وتوصلت دراسة قام بها أحد أكبر المصارف الإيطالية إلى وجود إمكانيات هائلة لتطوير التمويل الإسلامي في إيطاليا، فيما أكد وزير التنمية الاقتصادية الإيطالي أن منطقة الخليج تعد منطقة جغرافية سياسية استراتيجية بالنسبة لبلاده.

وحسب الدراسة التي قام بها قسم الأبحاث في مصرف "مونتي دي باسكي" الايطالي، فمن المحتمل في العام 2015 جمع مبلغ أربعة مليارات ونصف يورو، من عدد السكان المسلمين المقيمين المقدر عددهم بنحو مليون وثلاثمائة ألف نسمة، حيث تشكل حالة المملكة المتحدة نمطا قابلاً للتكرار في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.

ووفق الدراسة فإن اندماج السكان المسلمين في أوروبا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية ووتيرة النمو في حجم السوق المالية الإسلامية في العالم المالي، تلفت الانتباه لإمكانات قوية بتطوير التمويل الإسلامي، أي تلك الممارسات المعقدة من الأنشطة المالية والخدمات المصرفية التي تتوافق مع ما تمليه الشريعة الإسلامية.

وعلى الرغم من أن سوق رأس المال الإسلامية لا تمثل سوى واحد في المائة من الأنشطة المالية العالمية، كما أن معدل النمو للأصول يتراوح ما بين 10-15 في المائة سنويا، فإن العائدات من عمليات التجزئة المصرفية الإسلامية على مدى السنوات الخمس الماضية، نمت بنسبة 44 في المائة سنويا تقريباً، وفقاً لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء. بحسب سي ان ان.

وعلى صعيد آخر، أكد وزير التنمية الاقتصادية الإيطالي، كلاوديو سكايولا، أن "الخليج العربي منطقة جغرافية سياسية استراتيجية بالنسبة لإيطاليا وخزان للطاقة بأبعاد هائلة."

وأوضح سكايولا، الذي كان يتحدث في منتدى "إيطاليا - الخليج" في روما الأربعاء، أنه" يمكن لإيطاليا أن تصبح مركزاً للطاقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط."

التمويل الاسلامي يحتاج الى أصول أعلى جودة وقواعد أفضل

وقال فقيه اسلامي ان صناعة التمويل الاسلامي التي تبلغ قيمتها تريليون دولار تحتاج الى تحسين جودة الاصول وتقييم المخاطر والقواعد التنظيمية وذلك لتلبية الطلب المتنامي من جانب المستثمرين الراغبين في تنويع محافظهم.

وتحظى السندات الاسلامية أو الصكوك بالنصيب الاكبر في هذه الصناعة وهي اتفاقات لتقاسم الارباح أو الدخل الايجاري وتستمد عوائدها من الاصول محل العقد.

لكن الافتقار الى اطار عمل تنظيمي موحد وعدم الاتفاق على تصنيف للاستثمارات فضلا عن الجدل الدائر بشأن تعريف الصكوك يعرقل نمو القطاع.

وقال محمد داود بكر الذي يقدم المشورة الى هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية في تصريحات لرويترز "تصنيف وجودة الاصول يمثلان تحديا. علينا مراجعة أصل منهجية التقييم ولاسيما فيما يتعلق بالصكوك. بحسب رويترز.

"لا يمكننا التعويل على النظام القديم .. ينبغي أن نتحلي بالقدر الكافي من الشجاعة في حصر مخاطر الاصول الاسلامية."

وقال داود وهو أحد الفقهاء البارزين الذين يقررون ما اذا كانت الادوات الاستثمارية تتفق مع أحكام الشريعة أم لا ان على الصناعة أن تحسن الشفافية عن طريق استخدام تصنيفات أفضل.

وأضاف "وهكذا يمكن للمستثمرين الحصول على أحدث المعلومات وهذا هو سبب أهمية الافصاح فالتصنيف مهم جدا."

يذكر أن مؤسسة ستاندرد اند بورز تمنح تصنيفات ائتمانية طويلة الاجل بالعملة الاجنبية لعدد 25 اصدار صكوك في أنحاء العالم.

تريليون دولار حجم التمويل الاسلامي وللخليج الخُمس

وأكد خبراء مصرفيون، أن دول العالم بدأت تتطلع إلى قطاع التمويل الإسلامي كأداة جيدة للحصول على سيولة، في وقت يعاني العالم من أزمة مال انعكست سلباً على القطاعات الاقتصادية، وامتدت آثارها إلى دول العالم من دون استثناء.

وأشاروا في ندوة نظمها مركز دبي المالي العالمي وشارك فيها مسؤولون في البنك الدولي، أن القطاع يعتبر من القطاعات القليلة التي أبدت مقاومة ومرونة كبيرتين في مواجهة الأزمة المالية العالمية. ففي وقت هوت أسواق الأسهم في نيويورك ولندن وأعلنت مؤسسات مال عالمية إفلاسها، حافظت مؤشرات التمويل الإسلامي على اتجاهها الصعودي.

وسجل قطاع التمويل الإسلامي خلال الأعوام القليلة الماضية، نمواً كبيراً على المستوى العالمي بنحو 20 في المئة، ليصل حجمه إلى نحو تريليون دولار.

وعلى رغم انخفاض عوائد منتجات التمويل الإسلامي بمعدل 23 في المئة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، توقع الخبراء خلال الندوة، وهي بعنوان «التمويل الإسلامي: حلول للعالم بعد الأزمة المالية»، أن ينمو قطاع الخدمات الإسلامية بنسبة 15 في المئة في 2009.

وشهدت عوائد المنتجات المصرفية الإسلامية في دول الخليج تراجعاً ملحوظاً، إذ هبطت من 36 في المئة عام 2007 إلى 23 في المئة عام 2008، نظراً إلى إعادة تقويم الأصول المالية والعقارية، علماً أن المنطقة تستحوذ على 20 في المئة من إجمالي قطاع الصيرفة الإسلامية في العالم.

ومع انكشاف نقاط الضعف في النظام المالي العالمي نتيجةً للازمة، ازداد اهتمام العالم بالتمويل الإسلامي، ما أدى إلى ظهور فرص جديدة أمام مؤسسات الخدمات المالية الإسلامية. وأشار الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي عبدالله العور، إلى أن حجم القطاع لا يزال يشكل أقل من واحد في المئة من رأس المال العالمي، ما يعني «أنه يتمتع بآفاق واسعة للنمو». ولكن، المستشار الأول لشؤون الخزينة في «البنك الدولي» هيني جيرونينغ قال، إن الاستفادة من القطاع في المرحلة المقبلة يتطلب التركيز على «حوكمة الشركات وعلى التعاون والشراكة بين اللاعبين الرئيسين، سواء كانوا من داخل قطاع الخدمات المالية الإسلامية أو من خارجه»، على اعتبار أن أي فشل في الموضوع من شأنه أن يضعف عملية إدارة الأخطار ويهدد سمعة القطاع.

وأكد الخبراء أن المصرفية الإسلامية لم تصل إلى ذروة نجاحها بعد، لكنها في مرحلة انتقالية، تحتاج إلى دعم من المصارف المركزية ومؤسسات النقد في المنطقة، باعتبارها الجهات التي تشرع لصناعتها.

تشكيك في إسلامية بعض الصكوك والتعاملات

انتقد متخصصون في الشؤون المالية والمصرفية الإسلامية الكثير من مظاهر التعاملات التي توصف بأنها "إسلامية" في حين أنها تفتقد في واقع الأمر إلى هذه الصفة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بـ"الصكوك،" أو ببعض التعاملات المصرفية التي تغيب عنها الشفافية.

كما دعوا إلى عدم الاعتماد على اسم المنتج المالي، سواء أكان "مضاربة" أو "مشاركة" أو ما سوى ذلك، بل النظر إلى طبيعته الحقيقية، وما إذا كان ينطوي على أبعاد قد تكون غير شرعية، خاصة مع تزايد هذه المنتجات ووصول الاقتصاد الإسلامي ككل إلى حجم ترليون دولار، مع نسب نمو سنوية تتراوح ما بين 15 إلى 20 في المائة.

وجاءت هذه الدعوات خلال ندوة تحت عنوان "التمويل الإسلامي: حلول للعالم بعد الأزمة المالية" نظمها مركز دبي المالي العالمي في إمارة دبي. بحسب سي ان ان.

وخلال كلمة ألقاها، لفت سهيل الزبيري، الرئيس التنفيذي لشركة "دار الشريعة للاستشارات القانونية والمالية" إلى أن الكثير من عمليات إصدار الصكوك التي تتم اليوم لا تنسجم مع المعايير الشرعية بشكل كامل، محذراً من أن كثرة الاستثناءات التي تتم اليوم على الإصدارات باتت تهدد شرعية معظمها.

ودعا الزبيري الشركات التي لا تزال تدرج أصولها التي استفادت منها لإصدار الصكوك في بياناتها المالية على أنها موجودات إلى التوقف عن فعل ذلك، باعتبار أن الصكوك الشرعية ترتب حقوق ملكية، كما انتقد معاملة تلك الأوراق الإسلامية على غرار معاملة السندات العادية التي لها نسبة عوائد ثابتة.

كما رفض الزبيري ما يحدث في بعض مشاريع البناء التي تموّل بصكوك، حيث تعمد الشركات إلى توزيع أرباح قبل اكتمال المشروع، متسائلاً عن مصدر الأرباح في ظل عدم اكتمال المشروع، وطلب فرض المزيد من الرقابة على الجهات التي تصدر الصكوك بهدف تطوير أراض دون أن تفعل ذلك، ما يهدد شرعية وجه الاستثمار فيها.

ورداً على سؤال لـCNN بالعربية حول الصكوك التي تصدرها الحكومات لتمويل المشاريع العامة، قال الزبيري إن ذلك يجوز في حال كانت الأموال لتمويل طريق من النوع الذي يفرض رسوماً على المستخدمين، أو لبناء معمل كهرباء يدر عوائد.

أما في حال كانت الصكوك لتمويل مشروع عام يمكن للجميع استخدامه دون رسوم، فيجب أن تعتبر الدولة آنذاك بمثابة مستأجر للمرفق الذي تعود ملكيته لأصحاب الصكوك، وتقوم هي بدفع رسوم الاستئجار لهم، ولا يهم بعد ذلك إن قامت بفرض رسوم على المواطنين نظير استخدام المرفق أم لا.

من جهتها، دعت هاري بامبرا، المؤسسة والشريكة "برازيديوم كونسلتنغ" المعنية بالتمويل الإسلامي إلى فهم حقيقي للمزايا والمخاطر التي تفرضها المنتجات المالية الإسلامية، بصرف النظر عن تسميتها، وذلك عبر دراسة كيفية إصدار المنتج.

ودعت بامبرا إلى ضرورة توفير المعلومات بوضوح للهيئات الدينية التي تقوم بإصدار الفتاوى داخل المؤسسات الإسلامية، وضمان متابعة تطبيق الفتوى على المنتج.

وقالت بامبرا لـCNN إن بعض المنتجات المالية لم تعد منسجمة مع الشريعة، وخاصة على صعيد المشاركة في الربح والخسارة.

وأضافت: "يجب عدم إيلاء أهمية كبرى للتسمية، بل النظر في طبيعة المنتج لمعرفة توافقه مع المتطلبات الشرعية، ودليل ذلك أن شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، اعتبر أن فوائد المصارف ليست ربا."

وبرز خلال الندوة أيضاً مشاركة هني فان غرونينغ، كبير مستشاري خزينة البنك الدولي، الذي قال إن أمام المصارف الإسلامية فرصة كبيرة للنمو وتحقيق مكاسب واضحة في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، بسبب ابتعادها عن الأصول الخطرة من جهة، ووجود سيولة كبيرة في الدول الإسلامية والعربية المصدرة للنفط.

غير أنه ذكر بأن هذه المصارف تواجه مشكلة أساسية تتعلق بغياب الشفافية، ما يجعل من الصعب على الخبراء والمحللين معرفة حقيقة وضعها بالاعتماد على بياناتها المالية.

بين ازدهار الأصول والحاجة لمنتجات ومنافذ توزيع

وتتصف صناعة ادارة الاصول الاسلامية الناشئة بعدم وجود نطاق كاف من المنتجات وقنوات التوزيع لترقى الى مزاحمة منافسيها التقليديين في ادارة ثروات المسلمين.

وتحاول صناعة التمويل الاسلامي الوليدة التي تُقدَّر قيمتها بحوالي تريليون دولار تحقيق توازن دقيق بين استنساخ المنتجات التقليدية وابتكار منتجاتها الاصلية.

وتعتبر ادارة الاصول قطاعا يمكن للصناعة فيه بسهولة أن تبتكِر منتجات جديدة وفق مجموعة قيمها الخاصة لكنها لم تضع بعد نطاق المنتجات الذي يستطيع المنافسة مع ادارة الاصول التقليدية.

وقال تقرير أصدرته ارنست اند يونج هذا العام ان عدد صناديق الاستثمار الاسلامية المشتركة بلغ في الربع الاول من العام نحو 750 صندوقا تدير أصولا بأقل من 50 مليار دولار وهو رقم ضئيل جدا قياسا الى صناعة ادارة الاصول العالمية وقد بلغ عدد الصناديق التي تفوق أصولها 500 مليون دولار 14 صندوقا فقط.

وقال جون ساندويك مستشار ادارة الاصول الاسلامية "الطلب موجود لكننا نحتاج الى منتجات منتجات منتجات." بحسب رويترز.

وتابع "صناديق التقاعد بدأت في الظهور في الشرق الاوسط" مضيفا أن صناعة التأمين الاسلامي - أو التكافل - الناشئة سريعة النمو وبخاصة في المملكة العربية السعودية ستعطي دفعة أيضا.

وقال خبراء ان من نقاط ضعف منتجات الصناديق الاسلامية التركيز على الاسهم والعقارات وأنها لا تقدم نفس التنوع الشامل في الاصول الذي تقدمه الصناديق التقليدية التي تخصص عادة حصة كبيرة للاستثمار في أدوات الدخل الثابت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/تشرين الثاني/2009 - 8/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م