قد لا يختلف اثنان على أن الإرهاب والجوع هما العدو الرئيس الذي
يهدد الكثير من الأنظمة والشعوب في العالم.
منذ مطلع الألفية الثالثة، وخاصة بعد تنفيذ العملية الإرهابية في
سبتمبر 2001 توجهت الولايات المتحدة نحو المواجهة الصارمة مع تنظيم
القاعدة في العديد من البلدان، حتى أصبحت الحرب على الإرهاب هي الشعار
الأول والأهم لإدارة بوش.
مع قدوم إدارة أوباما أخذ بريق هذا الشعار يخف تدريجياً، ومن
المحتمل أن يُسْتبدَل بشعارٍ أكثر قبولاً من قبل المنظمات الإنسانية
العاملة في مجال مكافحة الفقر والجوع والمرض، وخاصة في أفريقيا التي
تتهددها مخاطر جمة... الشعار الجديد سيكون عنوانه (الحرب على الجوع).
وتعزيزاً للإستراتيجية الجديدة؛ قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون:
«إن الحرب على الجوع هي تحدٍ أمني عالمي، وانّ الأمن الغذائي مرتبط
بالأمن الاقتصادي والبيئي والقومي في كل بلد من بلداننا وفي جميع أنحاء
العالم»، وأكدت في بيانها بمناسبة (اليوم العالمي للتغذية) «أن الحرب
على الجوع هي جهد طويل الأمد».
من بعض المحاسن الجيّدة للديمقراطيين في الإدارة الجديدة تخليهم عن
النهج غير الإنساني للجمهوريين في الإدارات السابقة، واتباعهم منهجًا
يتسم بشيء من العقلانية، والدبلوماسية الناعمة، والحوار مع الخصوم.
وهذا لا يعني تخلي هذه الإدارة عن موقفها من الحرب على الإرهاب، أو
وقف عملياتها الحربية في أفغانستان، وقصف المدنيين في المدن والقرى
الأفغانية؛ بحجة مطاردة فلول القاعدة والطالبان.
بيد أن هناك خلافا أخذ يتسع ويحتدم في إدارة أوباما بشأن مراجعة
إستراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان، وعدم تسليم أوباما حتى هذه
اللحظة لضغوطات القيادات العسكرية التي تطالب بإرسال المزيد من القوات
والتعزيزات العسكرية. إعلان لندن بإرسال 500 جندي إضافي إلى أفغانستان
يأتي في سياق توجيه المزيد من الضغط على إدارة أوباما من جهة، وتحقيق
خطط بريطانية بعيدة المدى في المنطقة من جهة أخرى، وكثيراً ما وقعت
أميركا في الشرك البريطاني في العراق وأفغانستان!! من الواضح أن
الإدارة الأميركية بقيادة أوباما تعلم جيداً أن الثعلب الماكر
الانجليزي يعرف من أين تؤكل كتف فريسته؛ ولذلك قررت التقليل من الدور
التنسيقي مع لندن بخصوص ملف أفغانستان.
لاشك أن التحول من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على الجوع قد أزعج
كذلك جماعة اليمين المتطرف في داخل الولايات المتحدة.
هذه الجماعة التي لم تتعاطف يوماً مع الجياع والفقراء في العالم، بل
على العكس، فقد استغلت موقعها المالي والسياسي والإعلامي في دعم إدارة
بوش المتغطرسة في بسط هيمنة الولايات المتحدة على الدول الفقيرة بحجة
محاربة الإرهاب.
كان يوم الأغذية العالمي الذي يصادف 17 من أكتوبر من كل عام مناسبة؛
لكي توجه إدارة أوباما بوصلتها نحو المآسي التي تهدد ملايين البشر في
العالم. وربما تعتبر الخطوة الأولى للخروج من المستنقع الأفغاني، وقد
تساعدها في إصلاح ما أفسدته الإدارة السابقة، وتصحيح صورة الولايات
المتحدة في نظر الكثير من الشعوب من دولة شريرة ومتغطرسة إلى دولة
داعمة للخير، خاصة بعد أن تجاوز عدد فقراء العالم الرقم القياسي وهو
المليار شخص، وبعد أن دفع الكساد العالمي الذي كانت أميركا مصدره بـ 90
مليون نسمة لبراثن الفقر المدقع.
باعتقادي، إن إدارة أوباما قادرة على تصحيح المسار العالمي نحو
المزيد من الاستقرار الأمني، وذلك بالتحول الفعلي من مبدأ الحرب على
الإرهاب الذي صنعته إدارة بوش إلى الحرب على الجوع، خاصة بعد أن أضحى
الجوع أكبر تحدٍ أمني في العالم. |