الشيعة والسنة وإشكالية الحكم

د. أحمد راسم النفيس

لم يكن بروز إشكالية العلاقة بين الشيعة والسنة وقضية الحكم متوقفا على سقوط النظام الصدامي وتشكيل نظام سياسي جديد منبثق من نتائج الانتخابات التي جرت في العراق أيا كان رأي البعض في صحة هذه الانتخابات التي جرت تحت الاحتلال.

إنها ليست إشكالية واحدة فهناك العديد من الإشكاليات من بينها من يمثل الشيعة والسنة وموقف النظام العربي الرسمي من الديمقراطية والانتخابات (تحت أو فوق الاحتلال) وأخيرا وليس آخرا الموقف من أمريكا وإسرائيل.

يعرف الجميع أن إيران الشاه صديقة أمريكا وإسرائيل كانت حليفا وثيقا لأغلب النظم العربية باستثناء النظام الناصري ولم يكن هناك من يتحدث عن تشيعها كما يجري الآن.

وهناك إشكالية متعلقة بالوضع العراقي المعاصر تتمثل في حالة الاهتمام المفاجئ بتفاصيل ما يجري في هذا البلد رغم أن أحدا لم يكن ليهتم بما يجري من مجازر وتصفيات وصلت لحد استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد وعمليات التهجير الجماعي التي تعرضت لها قطاعات واسعة من العراقيين كما أننا لم نسمع بأي تغطية صحفية مباشرة لهذه الأحداث المؤسفة خارج وجهة النظر الرسمية لنظام البعث الذي حكم هذا البلد بالحديد والنار منذ ستينات القرن الماضي.

نلفت انتباه هؤلاء السادة أيضا أن مآسي العراق لم تبدأ عشية التاسع من أبريل عام 2003 وأن قرارات مجلس الأمن التي كبلت العراق ورسمت مصيره السياسي صدرت تحت لائحة (الحالة القائمة بين العراق والكويت) ومن بينها القرار 1454 الصادر في ديسمبر 2002 والقرار 1546 الصادر في يونية 2004.

وهناك أيضا حالة استهسال إلقاء الكلام على عواهنه عند الحديث عن الوضع في هذا البلد المنكوب منذ عشرات السنين وتجاهل التقارير التي أصدرتها المنظمات الدولية مثل (منظمة مراقبة حقوق الإنسان) و(مجموعة الأزمات الدولية) التي قاربت الوضع في هذا البلد مقاربة بعيدة عن حالة التهييج المذهبي التي أصبحت عادة وعبادة يمارسها البعض من دون خجل ولا ورع ولا حياء.

وأخيرا تبرز إشكالية: من يمثل أهل السنة ويتحدث باسمهم بعد سقوط الخلافة العثمانية وبروز التيار الوهابي الذي يتصرف باعتباره الممثل الشرعي والوحيد لأهل السنة بل وللإسلام والمسلمين ويسعى لإقصاء المعتدلين والانفراد بالقرار.

سلطة المذهب ومذهب السلطة

يتعين على الباحث في ملف النزاع المذهبي أن يحدد رؤيته لطبيعة ونشأة هذا النزاع.

هل هو نزاع فكري عقائدي قاد إلى صراع سياسي أم العكس؟!.

هل انقسم المسلمون في البداية إلى فريق سني وآخر شيعي وبدأ كل منهما في محاولة تعزيز موقعه عبر شن الحرب على الطرف المقابل أم أنهم انقسموا في البداية انقساما ذي شكل سياسي ثم بدأ بعض الأفرقاء في تبرير موقفه وصوغه مذهبيا بحيث يمكن توظيف هذه الصياغات والشعارات لخدمة موقفه السياسي؟؟!!.

هل انطلقت (ثورة يوليو) من المبادئ الست أم أنها كانت حركة عسكرية انقلبت فحكمت وبطشت ثم بحثت لها عن نظرية فكانت المبادئ الستة والميثاق ثم الاشتراكية؟!. 

في رأينا ومن خلال قرائتنا للتاريخ يمكننا القول أن الثاني هو الصحيح.

فالفريق السني (إن صح كونه فريقا واحدا) مر بأدوار وأطوار فكرية وفقهية يناقض بعضها بعضا.

الرؤية الفقهية الأموية اعتمدت نظرية (الإمامة في قريش) دعما لشرعيتها ووجودها ثم جاء العباسيون يرفعون شعار الإمامة في بني هاشم ثم جاء الأتراك العثمانيون يبحثون عن شرعية فوجدوها في المذهب الحنفي الذي يجيز إمامة غير القرشي.

وبين هذه الأطوار والأدوار حكم العبيد المماليك وتحكموا من دون أن يكلفوا أنفسهم مؤنة البحث عن هكذا شرعية إلا أنهم لم يمانعوا أن يضموا إلى دولتهم (خليفة عباسي تائه) ويجعلوا من القاهرة عاصمة لهذا الخليفة مشكوك النسب.

المبدأ الأهم في الشرعية السياسية في الدنيا بأسرها هو مبدأ الاختيار القائم على المفاضلة بين مرشح أو أكثر وهو مبدأ قديم قدم التاريخ الإنساني إلا أن (المسلمين) لم يعترفوا أصلا بمبدأ المفاضلة وشرعنوا مبدأ القهر والغلبة كأمر واقع لا يمكن دفعه, وجعلوه طريقا ثابتا وموصلا لسلطة قائمة على الشرع والدين فصار القهر والظلم دينا وصار الدين ظلما وقهرا!!.

الشرعية السياسية (الإسلامية) قامت على مبدأ (أمير المؤمنين هذا أي معاوية فإن هلك فهذا أي يزيد وأشار إليه بسيفه ومن أبى فهذا) ورفع سيفه فوق الرؤوس والآن فوق الصناديق!!.

ولكي تكتمل الصورة وفقا لرؤية هؤلاء جرى تثبيت مبدأ غير مكتوب لكنه أقوى من الدستور الإنجليزي ألا وهو إقصاء كل من ينتمي لأهل البيت عليهم السلام برابطة الدم والنسب أو برابطة الولاء وهو ما يعرف بالتشيع من حق نيل السلطة بأي من الوسائل المشار إليها آنفا وأضيف إليها الآن ولو بالانتخابات!!.

إنه قانون الغلبة والإقصاء.......

الغلبة بالسيف لمن لم يرض بالوعد ولم يرتدع بالوعيد..

والإقصاء الدائم لمن توافرت فيهم الشروط المشار إليها آنفا.

طبعا لا يعني هذا أنه لم يكن هناك استثناءات أو خرق لهذا القانون.

أحد الاستثناءات المعاصرة هي الحالة اللبنانية التي قامت على مبدأ التقاسم الطائفي الذي أعطى الشيعة حصة مساوية من ناحية الكم وليس الكيف للسنة.

ولكن (الفضل) في هذا يرجع لخالتي فرنسا!!.

حالة استثنائية معاكسة هي الحالة العراقية والتي ضمنت للسنة حصة ثابتة من السلطة وفقا لاتفاق غير مكتوب وهو ما أسست له أمنا أمريكا برضا وموافقة النظام العربي الرسمي.

في التاريخ نجد حالتين.

الأولى هي الحالة الإيرانية أو الدولة الصفوية التي تبنى مؤسسها منذ البدء المذهب الشيعي الإمامي ونجح في إقامة دولته وحمايتها من محاولات الاقتلاع العثمانية.

ولمن لا يعرف فإن الصفويين هم من الأتراك وليسوا من الفرس أي أن الصراع الصفوي العثماني كان صراعا تركياً تركياً لا ناقة للعرب فيه ولا جمل!!.

كانت فاتحة حروب العثمانيين ضد الصفويين هي الغزوة التي شنها السلطان سليم خان بعد انقلابه على أبيه السلطان بايزيد.

ولإيجاد مبرر للحرب أمر سليم بحصر الشيعة الأتراك ثم قام بإبادة أكثر من أربعين ألفا منهم وهي المذبحة التي شبهها محمد فريد في كتابه عن الدولة العثمانية بالمذبحة التي تعرض لها البروتستانت في باريس يوم 24 أغسطس سنة 1572 المشهورة بمذبحة سانت برتليمي[1].

يقول الدكتور محمد عبد اللطيف عوض: لقد وصل خطر الزحف الشيعي في شرق الأناضول حدا لا يمكن السكوت عليه حيث وصلت التقارير إلى سليم خان التي تقول (إن المبتدعين من الصوفية والشيعة قد استفحل أمرهم وزاد عددهم)..

لاحظ!!!.

وما إن تولى السلطان سليم الحكم حتى بدأ تعبئة قواته للحرب ضد الشاه إسماعيل الصفوي وكان للتعبئة المعنوية أهمية كبرى إذ أن إعلان هذه الحرب لم يكن مقبولا لدى كثير من الأتراك حيث عارضها الكثير منهم.

انبرى علماء الدولة العثمانية للدفاع عن السنة وتوضيح منهجها وكشف أباطيل غلاة الشيعة ومروقهم عن الإسلام فكتب ابن كمال باشا رسالة أورد فيها رأيه مدعما بالأدلة وقرر أن التشيع مخالفة صريحة لجماعة المسلمين وأن قتال الشيعة جهاد وحربهم غزوة.

كان من الضروري أن يقوم السلطان بحملة تطهير واسعة قبل أن يمضي للقتال حتى لا يطعن في الظهر واستصدر فتوى بوجوب قتال الشاه إسماعيل كدأب العثمانيين قبل الخروج إلى أي حرب.

وفي أثناء الحرب تمرد بعض الجنود الأتراك فخطب فيهم سليم خان مذكرا إياهم أنهم إنما جاءوا لقتال المرتدين عن الدين حتى يفيئوا إلى أمر الله فمن تخاذل أو ارتد فهو في حكم المرتد أيضا.

التقى الجمعان في وادي جالديران شمال شرقي آذربيجان في رجب سنة 920 هـ/ 1514 مـ وهزم الجيش الصفوي هزيمة قاسية[2].

ولأن التاريخ يعيد نفسه فلا بأس أن ننوه إلى أن وجود الشيعة في تلك المناطق التركمانية كان أقدم من وجود الدولة الصفوية حيث كان (هناك عدد من القبائل التركمانية الشيعية والواعدة بالتشيع)[3].

ما إن فرغ سليم خان من حربه الأولى مع الشاه إسماعيل حتى قام بغزو مصر كما هو معلوم وهي ملاحظة قد تكون مفيدة لأولئك  الذين يطبلون ويزمرون ضد (التبشير الشيعي) الآن متجاهلين أن السلطة هي السلطة وأن الراغبين في الغزو والتوسع يفعلون هذا لا من أجل دين أو مذهب بل من أجل الاستيلاء على كل ما يمكن لهم الاستيلاء عليه

يقول الكاتب عبد اللطيف هريدي: أطلت الفتن الباطنية برأسها والجيوش العثمانية في خنادقها في وادي موهاج بالمجر في شهر ذي القعدة من عام 933هـ وقد بدأت الفتنة بواقعة عادية إذ تقدم شخصان بشكوى إلى قاضي السنجق فلم يحسن القاضي استقبالهما وأساء إلى أحدهما (؟!) فاكفهر الجو وخرج رجل شيعي يعرف بذي النون فرفع يده وإذا بحشود ضخمة تتحلق حوله وخرجت جماعات العلويين من كل مكان لتعلن تمردها على الوالي ومن الواضح أن النية كانت مبيتة لإثارة الفتنة لأن الشاكيين وكما يبدو من اسميهما كانا من الشيعة كما كانت هناك فتن أخرى في أماكن متفرقة غطت جنوب شرق ألأناضول ولم تتمكن الحكومة من إخماد هذه الفتن إلا بشق الأنفس.

كما كانت هناك الفتنة التي أشعلها الشيخ البكتاشي العلوي اسكندر قلندر جلبي والتف حوله ما يربو على ثلاثين ألف علوي.

وكأي من الفتن كان لها عوامل داخلية إلا أن التوقيت واتفاق كل هذه الزعامات العلوية في وقت واحد يلقي بظلال صفوية على هذه الأحداث[4].

من الطبيعي أن يرى هذا الصنف من الكتبة الذين تربوا على ثقافة عبادة السلطة في كل ثورة أو تمرد داخلي على الظلم والقهر مؤامرة خارجية صفوي وما أشبه الليلة بالبارحة.

أما الدليل الأكبر على التآمر الصفوي الإيراني هو أن الشاكيين وكما يبدو من اسميهما كانا من الشيعة وكفى بذلك دليلا وبرهانا على وجود هذه المؤامرة!!.

مات سليم خان يوم 9 شوال سنة 926 هـ, 22 سبتمبر 1520م في السنة التاسعة من حكمه والحادية والخمسين من عمره وكانت مدة حكمه أيام فتوحات خارجية وتنظيمات داخلية إلا أنه كان ميالا لسفك الدماء فقتل سبعة من وزرائه لأوهى الأسباب وكان كل وزير مهددا بالقتل لأقل هفوة حتى صار يدعى على من يرام موته بأن يصبح وزيرا له[5].

سليمان خان الأول القانوني

حكم سليمان خان الدولة العثمانية لمدة 64 سنة ومات عن عمر يناهز الرابعة والسبعين.

لم يكن لسلاطين بني عثمان من همة إلا الغزو والقتل حيث قام سليمان الإرهابي اللا قانوني بغزو إيران واحتلال تبريز سنة 1533 مـ ثم تحرك منها ليحتل بغداد سنة 1534 مـ والهدف هو الهيمنة واستعراض القوة وقتل الشيعة المرتدين وهي الحروب التي دامت لعدة قرون كرا وفرا بين العثمانيين والصفويين ويكفي أن ننوه إلى واقعة الاتفاق بين الأتراك والروس على تقاسم بلاد فارس سنة 1724مـ.

فعندما تولى داماد إبراهيم باشا منصب الصدر الأعظم سنة 1718 أراد أن يستعيض عما فقدته الدولة من ولايات بفتح بلاد جديدة في آسيا وقد أتيحت له الفرصة بسبب الاضطرابات الداخلية ببلاد العجم وتقدم القوات الروسية لاحتلال طاجيكستان وكافة سواحل بحر الخزر الغربية في حين تقدم هو لاحتلال أرمينيا وبلاد الكرج وكادت الحرب تشتعل بين الترك والروس فاتفق الطرفان على أن يتملك كل طرف منهما ما احتله من البلاد وأبرمت معاهدة بين الطرفين بذلك في يونيو سنة 1724.

لم يقبل الفرس بذلك وأعلنوا المقاومة ولكنهم كانوا في حالة ضعف فلم يتمكنوا من إجلاء المحتلين الأتراك والروس إلى عام 1727 حيث طلب الشاه طهماسب من العثمانيين استعادة ما احتل من بلاده[6].

العثمانيون وإحراق الشيعة بالنار

يروي ابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) في أخبار سنة 944 هـ 1538 مـ: وفيها قتل القاضي شمس الدين محمد بن يوسف الدمشقي الحنفي الذي ناب في القضاء عن قاضي القضاة ابن الشحنة وعن قاضي القضاة يونس بدمشق ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البقسماطي عند قاضي دمشق أنهما رافضيان فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد وألقى عليهما القنب والبواري والحطب ثم أطلقت النار عليهما حتى صارا رمادا ثم ألقى رمادهما في بردى وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب قال ابن طولون وسئل الشيخ قطب الدين بن سلطان مفتي الحنفية عن قتلهما فقال لا يجوز في الشرع بل يستتابان!!.

الاستثناء الثاني: الحالة المصرية

الحديث عن الدولة الفاطمية حديث يثير الشجون والأحزان.

فمصر التي كانت في العصر الفاطمي دولة عظمى صاحبة حضارة ويحسب لها ألف حساب تحولت بفضل الغز الأيوبيين إلى خرابة ومباءة يحكمها العبيد المماليك الذين وصفهم المقريزي بقوله (وصارت المماليك السلطانية أرذل الناس وأدناهم وأخسهم قدرا وأشحهم نفسا وأجهلهم بأمر الدنيا  وأكثرهم إعراضا عن الدين ما فيهم إلا من هو أزنى من قرد وألص من فأرة وأفسد من ذئب, لا جرم أن خربت أرض مصر والشام من حيث يصب النيل إلى مجرى الفرات بسوء إبالة الحكام وشدة عبث الولاة وسوء تصرف أولي الأمر حتى أنه ما من شهر إلا ويظهر من الخلل العام ما لا يتدارك فرطه).

لم يتوان العباسيون عن شن الحروب المتواصلة من أجل القضاء على الدولة الفاطمية من دون ذنب ارتكبه الفاطميون إلا انتماؤهم لمدرسة أهل البيت وكان آخر ما اقترفته أياديهم الآثمة هو انقلاب يوسف بن أيوب المسمى بصلاح الدين والذي لم يكتف بتغيير النظام السياسي وإنما قام بتخريب وتدمير كل ما أنجزته هذه الدولة وما قدمته من عطاء حضاري لمصر والعالم.

الآثار الكارثية لهذه الحروب

يتباهى أصحاب العقل الطائفي المشوه بالانتصار الذي حققه السيد صلاح على الفاطميين وأنه كان نجما بارزا من نجوم الإبادة المذهبية والحضارية.

فات القوم الذين لم يعتادوا قراءة التاريخ قراءة طولية (قراءة الحدث وتداعياته) أن القضاء على الدولة الفاطمية جر وراءه سلسلة من التداعيات الكارثية التي تركت بصماتها على تاريخ المسلمين من يومها وصولا إلى الواقع المعاصر.

أسقطت الدولة الفاطمية عام 568هـ تحت تأثير الهجوم العباسي الصليبي المزدوج ثم جاء الاجتياح التتري لبغداد سنة 656هـ أي بعد أقل من مائة عام ليدفع المسلمون ثمن تواطؤِ هؤلاء مع الصليبية العالمية وهكذا تواصل واستمر التعثر الإسلامي وصولا إلى وقوع هذا العالم الآن بصورة شبه كاملة تحت الهيمنة الغربية التي تقول للعربي كن فيكون, هُن فيهون!!.

ولكنها لا تقدر على إقناع الصهاينة بوقف التهام أرض المسلمين.

الحالة العراقية

وأخيرا وليس آخرا تأتي الحالة العراقية وهي حالة فريدة ومتميزة عن التجربتين الفاطمية والصفوية من حيث أن التشيع العراقي لم يأت أو يدعم بقرار سياسي كما قد يدعي البعض في الحالتين السابقتين.

الحالة الوحيدة التي استلم فيها فريق شيعي السلطة في بغداد تمثلت في الحقبة البويهية ومن المعلوم أن البويهيين تركوا الأمور على ما هي عليه ولم يفرضوا مذهبهم بل بقي منصب الإفتاء والقضاء بيد السنيين ولا يمكن الزعم بأنهم مهدوا أو فتحوا طريقا كان مغلقا أمام نشر التشيع.

يزعم البعض على خلاف الحقيقة أن الصفويين والفاطميين هم من فرض التشيع على الإيرانيين والمصريين وكان أن ذاب التشيع كما يذوب الملح في الماء ما إن أقصي الفاطميون عن السلطة وهو قول بلا دليل.

التشيع العراقي لم يدعم من أي سلطة بل العكس هو الصحيح ويكفي أن نسجل أن النظام الصدامي قد فعل أقصى ما يمكن لمحو التشيع من العراق فلم يفلح في تحقيق هذا الهدف.

عندما جاء العثمانيون ومن بعدهم البريطانيون واصلوا سياسة إقصاء الشيعة ومن بعدهم الدولة الملكية ثم النظام الصدامي الذي زاد وفاض في هذه السياسة الإقصائية وصولا إلى الحالة الراهنة التي هي ثمرة هذه السياسة الإقصائية المزمنة.

حكم الأتراك العثمانيون العراق منذ العام 1532 حتى العام 1918 مـ وتميزت هذه الفترة بنشوب الحروب بين العثمانيين والصفويين الذين حكموا العراق عدة مرات بدءا من 1508 م، عندما دخل اسماعيل شاه مدينة بغداد على رأس جنوده التركمان ثم اندحر الصفويون بقيادة اسماعيل من قبل السلطان سليم الاول بعد معركة جالديران عام 1514 ثم استعاد الشاه طهماسب الاول ابن اسماعيل، بغداد في 1529 وفي عام 1533 شن السلطان العثماني سليمان الاول ابن سليم حملة واستولى على بغداد من الحاكم الصفوي محمد سلطان خان ثم أصبحت المدينة ضمن الامبراطورية العثمانية عدا فترة قصيرة حيث اعاد الصفويون احتلالها من 1623 الى 1638 مـ.

أنهت معاهدة قصر شيرين ( وتسمى ايضا معاهدة زوهاب) لسنة 1639 حربا استمرت 150 عاما بين العثمانيين والصفويين ورسمت حدودا بين الامبراطوريتين بقيت عمليا دون تغيير الى العهد الحديث.

ورثت الدولة العراقية الحديثة إرثا ثقيلا بسبب ذلك الصراع الدامي الذي استمر قرابة 150 عاما من بينه قانون الجنسية العراقي الصادر في العام 1924 الذي منح الجنسية العراقية حصرا لكل من كان (عام 1924 من الجنسية العثمانية وساكنا في العراق عادة فيعد حائزا للجنسية العراقية ابتداء من التاريخ المذكور) في حين استثنى هذا القانون أصحاب التبعية الصفوية.‏

ولا شك أن هذه المادة تعد نموذجا للتمييز الطائفي بين أبناء البلد الواحد على أساس الموقف السياسي والمذهبي حيث استغلها سيء الذكر صدام حسين أداة من أجل تنفيذ التهجير القسري لمئات الآلاف من شيعة العراق من العرب الأقحاح.

الآن يقف النظام العربي الرسمي (المؤتمن على دستور السلطة غير المكتوب) المشار إليه في بداية هذا البحث في حالة حيرة وتخبط لا يعرف على وجه الدقة ما يتعين عليه فعله.

يتباكى القوم على تصريح منسوب إلى الراحل عبد العزيز الحكيم عن حق إيران في الحصول على تعويضات حرب الخليج الأولى وهو تصريح لم يجري تحويله إلى مطالبة أو قانون يسنه البرلمان العراقي ويصمتون صمت القبور على اقتطاع الكويت لنسبة 5% من عائدات النفط العراقي منذ أكثر من سبعة عشر عام حتى الآن رغم أن النظام الكويتي كان شريكا كاملا للنظام الصدامي البائد في مغامراته الفاشلة!!.

يطلع علينا من يقول أن إيران هي من قام بتفجير أئمة أهل البيت في سامراء وهو زعم أسوأ من الزعم القائل بأن جورج بوش هو من قام بتفجير أبراج مانهاتن!!.

فات القوم أن التاريخ الوهابي حافل بعمليات الإغارة والهدم لمراقد أئمة أهل البيت في مكة والمدينة وكربلاء بل وفي القاهرة!!.

في كتاب (حاضر العالم الإسلامي) يقول الأمير شكيب أرسلان ولوثردوب استودارت: (قام الوهابيون بغزو مدينة كربلاء فذبحوا قسما من أهلها ونهبوا المشهد الحسيني وحازوا كل ما فيه من تحف ونفائس تأتي إليه من زوار العجم ولم يثقل ذلك على ضمائرهم لأنهم ينظرون إلى كل من يعظم القبور نظرهم إلى الكافر).

(وحدثت فتنة بين الشريف غالب وأخيه عبد المعين بسبب النزاع على إمارة مكة فتغلب غالب على أخيه واستعان عبد المعين بابن سعود فزحف إلى الحجاز وهزم الشريف غالب واجتاح الطائف وتقدم إلى مكة فدخلها وهدم أضرحة الأولياء ورفع التحف والنفائس التي كانت مودعة في الحرم الشريف ثم أعادوا الكرة مرة أخرى فعادوا إلى الحجاز عام 1805 ودخلوا الحرمين وهدموا قبور الأولياء ونهبوا ما في الحرم الشريف من الجواهر والتحف وباعوها بالمزاد العلني وأذابوا قناديل الفضة والشمعدانات والآنية الفضية كلها ووزعوا أثمانها على حامية المدينة ثم توجهوا صوب مشهد الإمام علي عليه السلام في العراق وكبسوه بياتا فأحس بهم الخفراء فأيقظوا أهل البلد فثاروا بهم ودفعوهم عنهم وامتد الصريخ إلى الأعراب الذين حول النجف فجدوا في أثر الوهابيين فكسروهم وانقلبوا صوب السماوة وكان الأمير سعود بن عبد العزيز رجلا ماهرا في السياسة فرأى أنه ما دام مقاوما للسلطة العثمانية فلا بد أن يصافي أعداءها فتودد إلى شركة الهند الإنجليزية وإلى العجم وأمر جماعته بالحفاظ على قافلة الحج الفارسي).

الذين قاموا بتفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء لم يأتوا بجديد لم يسبقه إليه أسلافهم الوهابيون والعباسيون[7] والفارق بين هؤلاء وهؤلاء أن أجهزة المخابرات المعاصرة قد اخترقت الحجب وطوت الأزمنة والمسافات!!.

لو كانت إيران ضالعة في تفجير مرقد العسكريين فهي أيضا ضالعة في تفجير ضريح الإمام الرضا عليه السلام في مشهد عام 1994 والذي تشير بعض الدلائل إلى مشاركة الزرقاوي ورمزي يوسف في هذا العمل الإجرامي!!![8].

أما عن (التعويضات المطلوبة لإيران) عن الحرب التي شنها صدام حسين عام 1980 عليها فالقوم يتجاهلون أن الكويت والسعودية يرفضان إسقاط ديون العراق (ثمن السلاح الذي اشتراه صدام حسين لشن الحرب على إيران) ويصران على عدم إخراج العراق من طائلة البند السابع.

إيران دولة حامية للشيعة؟!

يتجاهل الذين يولولون على تنامي الدور والنفوذ الإيراني في العراق أن هذا البلد كان واحدا من البلدان القلائل التي استضافت اللاجئين العراقيين الفارين من جحيم النظام الصدامي وأن النسبة الأكبر من هؤلاء كانت محطتهم الأولى هي إيران.

في بلدان أخرى وفي أعقاب انتصار الثورة الإيرانية لم تجد الأجهزة الأمنية وسيلة لمحاربة إيران أفضل من إلقاء القبض على بعض المواطنين البسطاء واتهامهم بالتشيع وتلقي الدعم من إيران.

أخيرا وربما ليس آخرا فعندما اهتزت صورة بعض الأنظمة العربية جراء تعاطيها السيئ مع الحرب الإسرائيلية على غزة والحرج الذي وقعت فيه, من وسيلة لمماحكة حزب الله وإيران إلا إلقاء القبض على بعض مواطنيها الشيعة واتهامهم باعتناق مذهب منحرف عن صحيح الدين وهو ما جرى في الشهور التي تلت أبريل 2009. 

السؤال هو: هل حقا تحرص هذه النظم على إبقاء مواطنيها في دائرة الانتماء للوطن أم أنها لا ترى فيهم إلا أحجارا ملقاة على الأرض يحق لها استخدامهم في المضايقات والمماحكات المتبادلة وتكسير زجاج الآخرين وقتما وأينما شاء (أولياء أمورنا)!!.

لو كان القوم يحرصون حقا على عروبة العراق لما شاركوا في التنكيل بهذا الشعب كما حدث في الانتفاضة الشعبانية (مارس 1991مـ) ولمنحوا المضطهدين منهم حق اللجوء السياسي أثناء الحقبة الصدامية.

البعد المذهبي في المسألة العراقية

Psycho-politics

بذل كثير من علماء الدين من السنة والشيعة على مدى العقود الماضية جهودا للتقريب بين (السنة والشيعة) إلا أن شيئا من هذه الجهود لم يؤت ثماره المباشرة على الساحة السياسية.

قبل بضعة أعوام وفي أعقاب انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان شن أحد الشيوخ حملة ضارية على ما أسماه بالتبشير الشيعي محذرا حزب الله (الذي كان ما يزال يلملم أشلاء قتلاه ويقوم بترميم البيوت المدمرة) من استغلال انتصاره لتشييع السنة!!.

لم يكن قد مر وقتها على وقف إطلاق النار أسبوعان بينما كان الشيخ يصرخ ويستصرخ وا سنتاه وا إسلاماه!!.

هلا انتظر الشيخ إلى ما بعد أربعينية الشهداء ليطلق صراخه المدوي؟!.

لم يكتف الشيخ بهذا بل واصل مهمته وصولا إلى الزعم بأن الشيخ الراحل محمود شلتوت لم يفت بجواز التعبد على المذهب الإمامي.

في هذا الإطار يمكننا تناول ملف الخلاف السياسي المذهبي رصدا وتحليلا.

كيف ومتى يمكن لحزب أو لمنظمة مثل حزب الله خرجت توا من حرب ضروس أن تضع وتنفذ خططا لتشييع أهل مصر و(فتنتهم) عن مذهب (آبائهم الأولين؟!) خلال أسبوعين لا أكثر؟!.

هلا تريث الشيخ أسبوعين أو سنتين إضافيتين قبل أن يطلق هذا الصراخ المدوي لعله يكتسب مصداقية واقعية؟!.

القضية إذا تتعلق بما يمكن أن نسميه psychopolitics أو اعتماد سياسة تقوم على مزج العقائد والأفكار بالحالة النفسية حيث من حق الشيخ أو السياسي أن يقرر مصير البلاد والعباد وفقا لمزاجه وهواه النفسي وأن يطلق العنان لغضبه ولا مكان لما يسميه البعض بحرية الاعتقاد ووو.

المصطلح السابق جرت صياغته على غرار مصطلح psychosomatic وهو ما يشير إلى المشاكل الجسمانية الناجمة عن الاضطرابات النفسية فالعنصر النفسي هو الأصل والعرض الجسماني هو الفرع وفي حالة العلاقة السنية الشيعية فالمشكلة ترتبط بمدى قدرة البعض النفسية على قبول الآخر وليس بمفردات الخلاف الفقهية أو حتى الواقعية.

المشكلة لا تتعلق بآحاد الناس بل بالمزاج النفسي لأهل السلطة والثروة الذين يعتقدون أنهم أصحاب حق إلهي في فرض خياراتهم الدينية والدنيوية على الناس.

عشرات الآلاف من البشر راحوا ضحايا تلك الهيستيريا التي كانت تفتش عن ذريعة للقتل حتى ولو كانت هذه الذريعة هي إصرار الشيعة على التلفظ (بحي على خير العمل) ضمن الأذان!!.

لا أعتقد أن الكثير من أهل السياسة يعرفون حقائق الخلاف السني الشيعي أو هم معنيون بهذا من الأساس فما بالك بعد أن دخل جورج بوش وكوندوليزا ومارتن إنديك على خط النقاش الذي أراد البعض تحويله إلى مستنقع دائم لا لشيء إلا لأنهم عاجزون عن ضبط عواطفهم وانفعالاتهم أو لأن البعض الآخر قد تقمص شخصية سليم خان وجنكيزخان وصدام حسين!!.

إنها الفتنة النائمة التي تبحث عمن يوقظها ولعن الله من أيقظها وحرض عليها من دون أن يقدم للناس دليلا واحدا على خطر حقيقي يتهددهم.

هنا تبدأ فصول المأساة المعاصرة.

لقد استنفد المسلمون أغلب رصيد قوتهم في صراعات لم يكن لها من سبب أو محرك إلا المزاج النفسي لأهل السلطة الذين رفعوا شعار (أنا أكره كذا وكذا إذا أنا موجود)!!.

يضاف إلى ذلك أن العرب على وجه الخصوص قد بددوا ما تبقى لهم من رصيد خلال الأعوام الثلاثين الماضية حيث خاضوا خلال هذه الأعوام عدة حروب فاشلة أفضت  إلى حالة فراغ في القوة تبدو الآن واضحة من خلال حالة التخبط والارتباك التي يعاني منها العرب في كل الساحات من الشمال في الشام إلى الجنوب في اليمن (لا طالوا عسل اليمن ولا بلح الشام)!!.

يخطئ من يتصور أن التاريخ يمكن له أن يعيد ويكرر نفسه, دواليك دواليك لأن هذا وهم كبير.

يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه مرة أو مرتين ولكن الشيء المؤكد أن حركة التاريخ تسير في خط تصاعدي ومن المحتم أن يأتي زمان تضيع فيه الفرصة نهائيا ممن أدمنوا التضييع والضياع.

من وجهة نظرنا فإن قرار تفجير الصراع المذهبي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ومحاولة الوصول به إلى نقطة اللاعودة لم يكن قرارا اتخذته ما يسمى بالقاعدة أو المجموعات الجهادية والدليل القاطع على ذلك هو تفجير ضريح العسكريين وهو قرار لا يمكن اتخاذه بعيدا عن مراكز طبخ القرار في المنطقة وأهمها بكل تأكيد مركز القرار الصهيوني الأمريكي.

في اعتقادنا أن قرار تفجير مراقد سامراء ربما كان يهدف للتغطية على قرار هدم المسجد الأقصى وهو قرار قد اتخذ بالفعل ولكنه يبحث عن التوقيت الملائم لتنفيذه ولن يكون هناك توقيت أفضل من حرب طائفية سنية شيعية تلتهم المنطقة بأسرها.

لاحظ أن جريمة التفجير الأولى حدثت في فبراير 2006 في حين وقع التفجير الثاني وقع في يونيو 2007 (بعد عام من حرب يوليو 2006).

الخلاصة: هل يمكن للعرب والمسلمين أن يخرجوا من حفرة (الصراع المذهبي) التي سقطوا فيها بمحض إرادتهم؟!.

الجواب أن هذا ممكن وسهل للغاية كما أنه بكل تأكيد أرخص ثمنا وأقل كلفة من الإصرار على السير في طريق المواجهة والصراع بين المسلمين شريطة أن يعملوا بالنصائح التالية.

يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة 8.

(اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ). علي بن أبي طالب.

..........................................

 

قبور الائمة  (السبط الاول ) الحسن بن علي بن ابي طالب،  (زين العابدين) علي بن الحسين، (الباقر) محمد بن علي بن الحسين، و(الصادق) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام بعد تهديم القباب وتجريف القبور من قبل الوهابية./6

.....................................................

[1] محمد فريد المصدر السابق. ص 189.

[2] الحروب العثمانية الفارسية وأثرها في انحسار المد الإسلامي عن أوربا. محمد عبد اللطيف هريدي. رابطة الجامعات الإسلامية 45-53.

[3] المصدر السابق ص 45.

[4] ص 61-63 من المرجع السابق.

[5] محمد فريد. تاريخ الدولة العثمانية ص 197.

[6] محمد فريد الدولة العثمانية 317-318.

[7] قام المتوكل العباسي بحرث ضريح الإمام الحسين وإغراقه بالماء ونكل بكل من يقوم بزيارته.

[8] http://www.metransparent.com/spip.php?page=article&id_article=1161&var_lang=ar&lang=ar

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/تشرين الثاني/2009 - 8/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م