لم يكن الأمر بحاجة لخطاب السيد خالد مشعل يوم الحادي عشر من هذا
الشهر، ولا لخطاب الرئيس أبو مازن في اليوم الموالي في مدينة جنين،
لننفض اليد من اية مراهنة على نجاح المصالحة الموعودة.
فعندما يعود السيد خالد مشعل للمربع الأول ويؤكد على أن لا بديل عن
تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر وان المقاومة هي الخيار
الاستراتيجي الوحيد لحركة حماس، فإنما لا يريد المصالحة أو لا يرى
إمكانية له، ولو كان السيد خالد مشعل يرى إمكانية للمصالحة بما هي عودة
الأمور إلى ما كانت عليه، لأبقى الباب مواربا للحلول الوسط.، ولكن وحيث
أنه لا يريدها فقد فضَّل أن يكسب الشارع والجمهور العربي والإسلامي
الذي بدأ يثير تساؤلات حول نهج حماس ومدى ثباتها على مواقفها.
أيضا لم يكن الامر بحاجة لخطأ طلب تأجيل تقرير جولدستون لتعلن حماس
تهربها من المصالحة الوطنية وتطلب تاجيل جلسة التوقيع على المصالحة، ،
ولم تكن مصر بحاجة لطلب حماس بالتأجيل لتوافق بسرعة وتعلن التأجيل، وما
كان من الضروري كل هذه المناورات والاتهامات المكشوفة والمبطة
للفلسطينيين بانهم سبب فشل المصالحة ليعلن الوزير أبو الغيط ان لا فرص
للمصالحة، قبل أن يتراجع ويمنح مهلة أيام للطرفين (المشاغبين اللذين لا
يعرفان مصالح وطنهما ) للتوقيع على الورقة المصرية – مجرد توقيع –،
فأبو الغيط والحكومة المصرية يعلمان جيدا أنه لا توجد إمكانية لنجاح
مصالحة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل أحداث يونيو 2007.كما لم يكن
تهرب حماس من المصالحة وتردد الموقف المصري مفاجئا لمتنفذين في السلطة
وفي تنظيم فتح ولا بالنسبة لأصحاب القرار في واشنطن وتل أبيب وعواصم
عربية.
حركة حماس لم تكن بالأساس تريد مصالحة تعيد الامور لما كانت عليه من
حكومة وسلطة واحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة ملتزمتين بنهج التسوية
بما يترتب على ذلك من تخليها عن السلطة والحكومة في قطاع غزة، ولم تكن
ترغب بالاحتكام للعملية الانتخابية مرة أخرى.كما أن مصر لم تكن جادة في
احتضانها لجلسات الحوار وفيما تطرح من أوراق للمصالحة، فآخر ورقة كانت
واضحة بانها خضوع للامر الواقع وتكريس للانقسام مع إيجاد آليات لتنظيمه
وتمريره بشكل متدرج، أيضا فإن قيادات في السلطة الفلسطينية وعواصم
عربية واجنبية كانت تدرك حقيقة ما يجري، كانت تدرك أن كل الحديث عن
الحوار والمصالحة الوطنية منذ أحداث منتصف يونيو 2007 حتى اليوم كان
مجرد تخدير للجمهور الفلسطيني وكسبا للوقت لإخفاء الفشل والعجز، إن لم
يكن التواطؤ المبطن، الأمر الذي أتاح الفرصة لحركة حماس لتكريس سلطتها
في القطاع ولتعويد الناس على التكيف مع واقع الإنقسام، ولأن كل هذه
الاطراف كانت مشاركة في مخطط فصل غزة عن الضفة أو تعلم به وعاجزة عن
وقف مساره، فإنها تخفي حقيقة ما يجري بشعارات كبيرة عن برغبتها
بالمصالحة الوطنية وفي تحميل اكل طرف لأطراف الأخرى مسؤولية فشل
المصالحة، وفي نفس الوقت فكل الأطراف المشار إليها تغذي حالة الانقسام
بطرق متعددة بعضها معلن ومكشوف وبعضها خفي، فلا يُعقل أن حكومة حركة
حماس تعيش ثلاثة سنوات على أموال ومتطلبات حياة لحوالي مليون ونصف من
السكان من خلال ما يأتيها عبر الأنفاق وبدون علم مصر وإسرائيل وواشنطن!
كما أن استمرار السلطة في رام الله بدفع رواتب ومساعدات أو كما يقولون
بأن 58% من ميزانية السلطة تذهب لغزة ليس بدافع الواجب الوطني أو
الإنساني بل بأمر من الدول المانحة وخصوصا واشنطن حتى تتمكن حركة حماس
من حكم قطاع غزة وتثبت وجودها فيه، فقرار بهذا الحجم -58% من الميزانية
لغزة- لا يستطيع سلام فياض إتخاذه منفردا.
صحيح أننا حتى آخر لحظة كنا نؤكد على المطالبة بإنجاح حوارات
المصالحة ونحذر من النتائج الوخيمة لفشل المصالحة ولكن ذلك حتى نبقي
جذوة الأمل متقدة عند الجمهور.كنا نعلم حقيقة ما يجري وبألا جدوى من كل
جلسات الحوار، وندرك بأن قيادات كبيرة في التنظيمات الفلسطينية التي
شاركت في جلسات الحوار و كل من احتضن هذه الحوارات من دول عربية وخصوصا
مصر، كانوا يدركون الحقيقية –وقد كتبنا أكثر من مقال حول الموضوع-،
حقيقة أن ما جرى ليس مجرد خلاف سياسي بين فتح وحماس يمكن حله بمصالحة
على الطريقة العربية أو بمحاصصة وزارية ووظيفية، بل كان توظيفا لهذا
الخلاف من طرف إسرائيل ودول إقليمية وقيادات سياسية فلسطينية للبناء
عليه لتنفيذ مخطط بديل للمشروع الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير
الفلسطينية الذي يقول بدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس
وعودة اللاجئين الفلسطينيين، مخطط تقاسم ما أنجزته التسوية وما تبقى من
المشروع الوطني ولو كشعارات، بما يرضي كل الاطراف المشاركة:
إرضاء حماس بمنحها سلطة ضعيفة ومحاصرة في قطاع غزة، وإرضاء رموز
نافذة في السلطة بمنحهم إمتيازات ومناصب في الضفة، بالإضافة للدفعات
المسبقة على الحساب التي قبضوها خلال سنوات السلطة لتنفيذ هذا المخطط،
أما الدول العربية المشاركة مباشرة وهي مصر والأردن وقطر فكان لكل منها
دور ولكل منها نصيب، و كل من يدرك حقيقة علاقة هذه الأنظمة بواشنطن
وإسرائيل يعلم ما هو الثمن، هذا ناهيك عن إسرائيل التي هيات كل الشروط
والظروف المناسبة لواقعة الانقسام، فالإنقسام أعفاها من أي استحقاقات
تتعلق بالأنسحاب من الأرضي المحتلة كما تنص الاتفاقات الموقعة ومنحها
مزيدا من الوقت لتستكمل مشروعها الإستيطاني والتهويدي في الضفة والقدس.
إذن ما جرى ويجري ليس مجرد خلاف بين فتح ومعها السلطة من جانب وحماس
من جانب آخر، حتى الصورة التي راجت حول كون الخلاف يدور بين مشروع
إسلامي تقوده حركة حماس ومشروع وطني تقوده حركة فتح، لا تعكس الواقع
تماما أو لا تعبر عن كل المشهد، بل كانت تسويقا للخلاف يخفي حقيقة
المخطط، ويضفي شرعية ما على كل طرف، حيث يسمح لحماس بأن تزعم بأنها
تمثل المشروع الإسلامي الجهادي، ويسمح لحركة فتح والسلطة للزعم بأنهما
يمثلان المشروع الوطني.
ما جرى ويجري هو تسوية سياسية خفية شارك فيها بشكل مباشر أو غير
مباشر- بعلم ومشاركة من البعض وبجهل من آخرين - مَن يُفترض أنهم
أعداء:قيادات من فتح والمنظمة والسلطة، وقيادات من حماس، وإسرائيل
وواشنطن، ولعبت انظمة عربية دور العراب وخصوصا مصر التي تكفلت بفتح
والسلطة، وقطر التي تكفلت بحركة حماس.كانت هذه التسوية في حالة كمون
ولكن محل تفكير في مراكز القرار الإسرائيلي منذ توقيع اتفاقات أوسلو،
وانتقلت من االتفكير إلى التنفيذ عندما فشلت حوارات كامب ديفيد واندلعت
الانتفاضة عام 2000، وبأتت تطبخ على نار هادئة عام 2002 عندما تمت
محاصرة الرئيس أبو عمار بالمقاطعة واخيرا تم تخريجها تحت عناوين مخادعة،
كالقول بالحسم العسكري بالنسبة لحماس والإنقلاب بالنسبة لحركة فتح،
فيما الحقيقة انه لم يكن لا حسما ولا إنقلابا بل تسوية أمر واقع غير
معلنة.
حتى آخر لحظة كان يراودنا الأمل بأن تكون رؤيتنا للأمر غير صحيحة
وأن المصلحة الوطنية والانحياز للوطن وللشعب سيتغلبا على أي حسابات
ضيقة عند الأحزاب السياسية، ولكن للأسف فإن القوى الدافعة نحو الانقسام
والمستفيدة منه أقوى من قوى المصالحة والمصلحة الوطنية، كانت سيرورة
الأحداث وموازين القوى تخدم هذا التوجه.كان كل يوم يمر على حماس وهي في
السلطة يبعدها عن نهج المقاومة وعن المصالحة الوطنية، حيث كان عليها أن
تختار بين السلطة والمقاومة، وبين السلطة والمصالحة، وقد خيرتها تل
أبيب وواشنطن بين الأمرين اكثر من مرة وبطرق مباشرة وغير مباشرة، ويبدو
انها اختارت السلطة.كان كل يوم يمر على الانقسام يُنتج ويؤسس في قطاع
غزة ولدى حماس في الخارج نخب جديدة ومكاسب وارتباطات وواقع يجعل
التراجع أكثر صعوبة، أيضا كان كل يوم يمر على السلطة في الضفة إلا
ويجعلها أكثر ضعفا وبالتالي أكثر إرتهانا للشروط الأمريكية
والإسرائيلية وأكثر مسايرة لهما على طاولة المفاوضات، وأكثر توافقا مع
واقع الإنقسام، ولم يكن تعثر مفاوضات التسوية ببعيد عن الموضوع بل كان
مقصودة ومدروسا من طرفي معادلة المفاوضات لفسح المجال لتسوية الانقسام
للتتوطد، حتى حركة فتح وبعد مؤتمرها السادس أفرزت قيادات متنفذة في
اللجنة المركزية معنية باستمرار الانقسام.
وعليه، لم تكن كل الذرائع التي تقول بها فتح وحركة حماس لتبرير عدم
نجاح الحوارات أو للتهرب من المصالحة أو لتبرير الانقسام وما ترتب عليه
من تداعيات في الضفة وغزة...، لم تكن هذه الذرائع صحيحة والقائلون بها
كانوا يدركون أنهم يكذبون على الشعب، فلا الانفلات الامني والاغتيالات
والاعتقالات قبل (الانقلاب ) كانت سببا فيما حدث، ولا الانتخابات
ونتائجها كانت سببا فيما جرى بل كانت جزءا من المخطط، كما لم يكن
التنسيق الامني لحكومة دكتور فياض مع إسرائيل، ولا تدخل الاطراف
الخارجية ولا الاعتقالات المتبادلة ولا تقرير جولدستون الخ، السبب في
إعاقة المصالحة، هذه تداعيات لمواقف وسياسات كانت معدة مسبقة، وكان لا
بد لهذه التداعيات أن تحدث، وبالتالي فهذه نتائج وليست سببا.لقد لعبت
كل الأطراف المشاركة برضاها أو عجزا وقهر، دورها باتقان لخداع الشعب
وتمرير التسوية القائمة(تسوية الانقسام )، وإسرائيل العقل المدبر
والداعم لوجستيا للانقسام تراقب وتوجه الأمور لتستمر حالة الانقسام إن
لم يكن إلى ما لا نهاية فعلى الاقل لتوظف هذا الإنقسام لحين إستكمال
مخططاتها الاستيطانية والتهويدية في الضفة والقدس ولتعيق مسار السلام
لأطول فترة ممكنة، كما أن واشنطن معنية باستمرار حالة الإنقسام لأن
مصالحها تتلاقى مع المصلحة الإسرائيلية ولأنها لا تجد ضغوطا جادة من
العرب والمسلمين عليه، بل كل مسايرة وخضوع، والموقف الامريكي الاخير
الاخير أكد ذلك، فما أن لاحت فرص لمجرد التوقيع على الورقة المصرية
للمصالحة حتى طالبت واشنطن بضرورة أن تؤسس هذه المصالحة على الاعتراف
بشروط الرباعية، فيما لم تطلب من حماس في ظل الانقسام لا الاعتراف
بشروط الرباعية ولا الاعتراف بإسرائيل، بل كانت الوفود الامريكية
تتوافد على غزة وتقابل مسؤولين في حماس بالإضافة إلى اللقاءات الخارجية.
ليس بالضرورة أن تكون الاطراف الفلسطينية والعربية تمارس الخيانة
الوطنية والقومية، فهي لجأت للمشاركة بهذا المخطط- التسوية غير المعلنة
أو تسوية الانقسام-أو السكوت عنه، عندما استشعرت صعوبة نجاح المشروع
الوطني وصعوبة تطبيق حتى الاتفاقات الموقعة، وبالتالي لجأ كل طرف
للحصول على أكبر قدر من المغانم قبل أن يغرق المركب وذوي النوايا
الحسنة أملوا أن يؤدي تصرفهم لمنع مزيد من تآكل الحقوق الفلسطينية،
ولكن هذه الأطراف كان من الممكن أن تستدرك الأمر باكر، بأن لا توظف
الدول العربية والإسلامية القضية اللفسطينية لخدمة اجندة سياسية خاصة
به، وان لا تعزز حالة الإنقسام خدمة لهذه الأجندة، وأن تقوم الفصائل
الفلسطينية بتشكيل قيادة وحدة وطنية والتوافق على خيار واحد موحد:إما
المقاومة بكل أشكالها أو التسوية السياسية على اسس صحيحية، ولكنها
للأسف فضلت الأنظمة مصالحها مع واشنطن وتل أبيب، كل منها بمبرراته
الخاصة، فيما انساقت الفصائل لتغليب مصلحتها الحزبية الضيقة. والنتيجة
أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد راهنا.
لقد جرى ما جرى (ووقع الفاس بالراس) كما يقول المثل، فهل سيبقى
الشعب في الضفة وغزة يدفع ثمن الإنقسام من دمه وراحته وحقوقه التي
تتآكل كل يوم بفعل الإستيطان، إلى ما لا نهاية؟وهل سيستمر الشعب مخدوعا
بمناورات و مهاترات ودجل حديث الحوار والمصالحة وهو يشاهد أن ما يجري
على الأرض سواء في الضفة أو في غزة يتعارض كليا مع حديث المصالحة و
روحها؟ لقد أنكشفت ورقة التوت وبانت العورة، بان ان كل المشاركين في
الحوارات غير صادقين وانهم أعجز – عجز غياب القدرة او عجز غياب
الإرادة- من أن ينجزوا مصالحة وطنية تعيد الاعتبار للمشروع الوطني وتضع
إسرائيل في الزاوية.
بالتالي يجب الكف عن الحديث الممجوج عن الحوار والمصالحة بالصياغات
والمفاهيم السابقة، ولا داع لمزيد من البحث عن تبريرات للتهرب من
مصالحة بمفاهيم وأسس غير قابلة للتحقق الآن.
مصر كما فتح وحماس يدركون أن لا مصالحة إلا إرتباطا بالتسوية
السياسية، فلا ينُتظر أن تؤسِس المصالحة التي ترعاها المخابرات
المصرية، حكومة مقاومة أو حكومة تنقلب على السلطة والتزاماته، وحتى مصر
لن ترعى او تقبل بمصالحة تؤدي لهذه النتيجة، وحيث أنه لا يوجد أفق
لنجاح تسوية خطة خارطة الطريق أو أية تسوية سياسية ناجزة، فلا مصالحة
فلسطينية تؤسِس لسلطة وحكومة واحدة في الضفة وغزة.إلى أن تظهر تسوية
سياسية جديدة وجادة وقابلة للتنفيذ وتلبي ولو الحد الأدنى من الحقوق
السياسية للفلسطينيين، أو تتوفر شروط مقاومة حقيقية، فإن تسوية الأمر
الواقع أي تسوية الانقسام ستستمر بمفاعيلها المدمرة، وحتى لا تستمر
بهذا الشكل وحتى لا تزيد من حالة الكراهية والعداء بين أبناء الشعب
الواحد وبما يمكن إسرائيل من إستغلال هذه الحالة لتتفرد بكل طرف على
حده...
يجب التفكير بمصالحة جديدة وشراكة سياسية جديدة تتعامل مؤقتا مع
هذا الواقع للأنقسام، مصالحة تعمل على تحويل الانقسام إلى تقاسم وظيفي
وطني.
بعد كل ما جرى لا داع لأن تستمر الأطراف الفلسطينية المشاركة
باللعبة بالضحك على الشعب والزعم بأنها تسعى لمصالحة تعيد الأمور إلى
ما كانت عليه، ولا داع بان يستمر كل طرف بتحميل الطرف اللآخر مسؤولية
إفشال المصالحة ؟. آن الآوان لتصارح القوى السياسية - خصوصا فتح وحماس-
الشعب بالحقيقة وتُوقف حملات التحريض والتخوين والتكفير وتصيِّد أخطأ
بعضها بعض، والبدء بمرحلة جديدة حتى وإن كانت صعبة على النفس، مرحلة
التفكير بمصالحة ولكن ضمن مفهوم جديد وأسس وطنية جديدة خارج استحقاقات
التسوية واستحقاقات الصراع على السلطة، مصالحة تؤسس لمشروع وطني يتعامل
مؤقتا مع واقع الإنقسام.مشروع وطني جديد ليس مشروع سلطة وحكومة بل
مشروع حركة تحرر وطني، مشروع يشكل بديلا لنهج التدمير الذاتي الذي
تمارسه الفصائل بحق قضيتنا وشعبنا.هذا المشروع حتى يكون وطنيا بالفعل
يجب أن يكون مشروع الكل الفلسطيني في الداخل والخارج وهذا يتطلب تفعيل
دور نصف الشعب الفلسطيني الذي رُكن على الرف منذ توقيع اتفاقات أوسلو،
وان يضع هذا المشروع على سلم اهتماماته رفع الحصار عن قطاع غزة ومواجهة
الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس.مدخل هذا المشروع ليس بالضرورة
الانتخابات التشريعية والرئاسية وليس التوافق على حكومة وحدة وطنية بل
إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتستوعب الكل الفلسطيني، لو تمكنا
من بناء منظمة التحرير على اسس جديدة وبقيادة جديدة فسيكون حل بقية
القضايا أيسر كثير، لن تنجح أية مصالحة أو شراكة سياسية أو مشروع وطني
إن بقي أي فصيل فلسطيني خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية. والورقة
المصرية يمكن البناء عليها بعد تعديله، ونعتقد بأن اهم ما في الورقة
المصرية انها لحظت اهمية تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية مع
انتخابات المجلس الوطني.
نعلم انها مهمة صعبة وشاقة، ولكن مصير الشعوب لا يرتهن بمصير نخب
سياسية أو بموازين قوى آنية أو بإرتكاسات عابرة، بل بإرادة الصمود
والبقاء عند الشعب، فلنعتبر أن ما جرى انتكاسة لحركة التحرر الفلسطينية
الراهنة وفشل لمشروع وطني لم تات الرياح بما تمكنه من الإقلاع، وحيث أن
(لكل جواد كبوة )فيمكن للشعب وقواه الحية أن يتجاوزوا ويتغلبوا على
المحنة، فتاريخ صراعنا مع المخطط الصهيوني لم يبدأ اليوم ومع منظمة
التحرير بل أقدم من ذلك، ومن الواضح انه صراع مفتوح على المستقبل.
ليست هذه دعوة لشرعنة الإنقسام أو لتكريسه، بل دعوة لوقف المهاترات
حول المصالحة الوطنية والتعامل بواقعية مع ما جرى ومحاولة تجاوزه بأقل
الخسائر الممكنة، إن لم نبادر كفلسطينيين للأمر، فقد يتم توقيع الورقة
المصرية ولكنها لن تنفذ، وآنذاك قد ندخل في جولة جديدة من الصراع
الدامي في الضفة وفي غزة، ليس مع إسرائيل بل مع بعضنا البعض، وقد يمتد
هذا الصراع الدامي للتجمعات الفلسطينية في الخارج، وآنذاك لن يكون لا
مشروع مقاومة ولا مشروع سلام.
Ibrahem_ibrach@hotmail.com |