على من تقع مسؤولية التفجيرات الثلاث في كربلاء

علي الطالقاني

لا ريب أن ماحدث في كربلاء أخيرا من عمل إرهابي عبر ثلاثة تفجيرات متلاحقة ومتزامنة استشهد جراؤها شخصان وجرح أكثر من أربعين آخرين ينم عن خلل أمني وعن وجود عقلية تخريبية تعيش أو تتنقل في أحياء المحافظة، فحقيقة الأمر أن التفجيرات التي يفصل بين واحد وآخر خمسة دقائق أو أقل يبقى أمر محير، فأن غموض هوية الجهة التي تقف خلف هذا الحادث وطريقة استخدامها التكتيك العسكري قضية معقدة، ولكن الأعقد منها أن محافظة كربلاء تعيش بين إفراط وتفريط أمني، بالرغم من وجود حواجز التفتيش، فالتداعيات الأمنية التي تعقب أي عمل إرهابي والتي تبدأ من انتشار القوات والدروع في الشوارع بشكل غير منتظم وهي حالة انتقدها غالبية المجتمع الكربلائي وزوار المحافظة اللذان وجها انتقادات لاذعة في كثير من الأحيان للطريقة التي تستخدمها قوى الجيش والشرطة في درء المخاطر، مما شوه ذلك منظر الأمن المطلوب.

 و بعد فترة من الزمن على انتهاء الوضع الامني المضطرب تسود حالة من الاسترخاء بين صفوف القوات الأمنية وإصابة المواطنين بحالة من السبات التأمين على حياتهم من خلال وهمهم أن المحافظة في مأمن من وصول الإرهابيين، وما أن يعود نشاط إرهابي مرة أخرى تعود معه حالة التوتر الأمني مرة أخرى، فليس هناك حالة وسطية في سيادة القانون وتطبيق الامن.

أما الجهة التي تقف خلف العمل الإرهابي فبالرغم من كشف الجهة التي وقفت خلف الحادث على لسان مدير عام شرطة كربلاء علي الغريري تبقى هناك شكوك جماهيرية حول إدعاءات وتخمينات واتهامات يتم تداولها بين المواطنين موجهة للسياسيين بحجج كثيرة منها الانتخابات وتصفية حسابات...الخ، وثمة قول آخر ومع شديد الأسف يستثنيه قسم كبير من المجتمع الكربلائي من قائمة المجرمين الذين يقفون خلف الحادث وهي الجهات الإرهابية والمتطرفة والتكفيرية التي عاثت بالأرض فسادا على مرور الزمن وهذا هو موضع تشخيصنا للعمل الإرهابي الذي حدث وان كانت أدواته محلية فهناك عدة قرائن تؤيد ذلك.

القرينة الأولى أن كربلاء وعلى امتداد التاريخ كانت الهدف الرئيس لقوى الإرهاب والمتطرفين الذين ينصبون العداء للشيعة ولقادتهم.

القرينة الثانية يحيط بكربلاء مناطق يشتبه بها عادة على أنها تأوي مجموعات إرهابية وهذا ما يزيد من حدة المخاطر المحدقة بالمحافظة.

وربما يسأل سائل لماذا يستهدف قلب المدينة وقرب الأماكن المقدسة على وجه التحديد ربما كان بمقدور قوى الإرهاب أن تحصد أكبر عدد من أرواح الأبرياء في أحياء كربلاء، فالجواب على ذلك بديهي وهو أن ماحدث إنما هو رسالة موجه إلى القوى الأمنية مفادها على أن قوى الإرهاب قادرة للوصول إلى أية مكان تريده، كما أن التفجير قرب الأماكن المقدسة يأخذ مساحة إعلامية أكبر في وسائل الإعلام، وهناك من يقف لدعم الإعلام الموجه ضد هذه المحافظة التي تلعب دورا كبيرا في التأثير على القرار السياسي.

الطرق الفنية والتكتيكية التي يستخدمها الإرهابيون تنم عن قدرتهم في نشر الرعب بين صفوف المواطنين، ومن هنا ينبغي على المواطنين والقوى الأمنية أن يتنبهوا للخطر المحدق بهم، فالروح الأمنية العالية والإحساس بالمسؤولية هو عامل مشترك لكل من يعيش على أرض هذه المحافظة، ومن ثم ينبغي أن تكون هناك حملات توعية تثقيفية حول تحمل المسؤولية بدلا من المبادرة العشوائية في فرض الأمن ساعة وقوع الحدث الذي يوجب حالة من السخط الجماهيري على القوات الأمنية والحكومة المحلية.

 أما الكلام عن التفتيش ونشر القوى الأمنية وغيره من الإجراءات التي باتت مكشوفة لدى الجميع بات الكلام عنها أمرا كلاسيكيا، فالمطلوب أن تكون هناك إستراتيجية توعية نوعية تتماشى مع ما ذكر من عمل أمني، كما يتحتم على القوى الأمنية أن تتحلى بعامل الفطنة والتعاون مع المواطنين وحمايتهم وخصوصا أولئك الذين يساعدون القوات الأمنية للوصول إلى أية معلومة صحيحة ضد الإرهابيين لأن طبيعة المجتمع العراقي عشائرية وهذا مما يزيد المخاوف من النظام العشائري الذي يُحّمل المسؤولية في بعض الأحيان إلى الجهة التي تدلي بأية معلومة ضد أحد أفرادها مما يحتم على قوى الأمن أن تبقي المعلومة سرية وحماية أولئك الذين يدلون بمعلومة تقي أرواح المواطنين من الخطر.

ان ما هو مطلوب لحفظ الأمن يكمن في عدة محاور:

المحور الأول كشف الجهة التي تقف خلف العمل الإرهابي أمام وسائل الإعلام بأسرع وقت ممكن ومعاقبتهم.

المحور الثاني الاعتماد على مختارية المناطق في التحقق من سكنة المنطقة، ولا نقصد من ذلك جعل المواطن في دوامة الروتين القاتل بل على العكس من ذلك ينبغي إشعار المواطنين بروح المسؤولية للحفاظ على حياتهم.

المحور الثالث إقامة مؤتمرات تثقيفية وطبع بوسترات توعية لحث المواطنين والقوى الأمنية لتحمل المسؤولية الأمنية، وإشراك منظمات المجتمع المدني من أجل إقامة تلك البرامج.

المحور الرابع ما يخص المدينة ينبغي تفتيش الجميع دون استثناء حتى أبناء المدينة الذين يقول نحن أهلها فعادة ما تثار مشاكل عند نقاط التفتيش بهذا الخصوص.

المحور الخامس تعويض المتضررين جراء الأعمال الإرهابية قدر المستطاع.

وأخيرا تبقى المسؤولية عامل مشترك بين أفراد المجتمع لحماية أرواح الأبرياء ويبقى جزء كبير من هذه المسؤولية على عاتق المسؤولين الأمنيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 18/تشرين الثاني/2009 - 28/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م