التدخين والتجاوز على حدود الآخرين

 

شبكة النبأ: ربما لا يختلف إثنان على ان ثمة حدودا معينة ينبغي للانسان ان يراعيها ولا يتجاوزها في سلوكه او قوله كونه يعيش في وسط بشري يشاركه المكان الذي ينشط فيه، ولعلنا نسعى الى ترصين منظومة من التقاليد والاعراف التي تحفظ للانسان كرامته وخياراته المتعددة، لكن الامر برمته يعتمد على درجة وعي الانسان ومدى التزامه بعدم التجاوز على حقوق الآخرين.

ولعلنا من خلال نشاطنا اليومي نلاحظ كثرة التدخين من قبل أناس كثيرين يتوزعون على مراحل عمرية متفاوتة، فنرى المراهق يماثل الكهل او الشيخ او المرأة أحيانا في تعاطي التدخين، وإذا كان الامر ينطوي على أضرار صحية على المدخن نفسه، فإن الضرر لا ينحصر بحدود الأذى الفردي بل قد يتعرض له الآخرون ايضا كما اثبتت كثير من الدراسات والتجارب الطبية المتخصصة في هذا المجال، بمعنى أن المدخن بسبب قلة وعيه قد يتسبب في إيذاء الناس الآخرين سواء قصد ذلك أم لم يقصد؟.

فكثير من الافراد لا يفرق بين ممارسة حقه بالتدخين في المكان الخاص والعام، ويرى أن الامر لا يختلف في كلا المكانين، بل أنه لا يؤمن بأنه يحق له التدخين في وقت ومكان بغض النظر عن طبيعة المكان وكونه خاصا أو عاما، ومثال على ذلك تدخين الافراد في الاماكن المزدحمة، كسيارات النقل او الدوائر الرسمية او المصارف والبنوك او قاعات الاحتفالات وما شابه وهي أمكنة عامة وليست خاصة ومع ذلك فإن المدخّن يعتقد انه من حقه التدخين في هذه الاماكن وفي أي وقت يشاء بغض النظر عن الاضرار المحتملة التي يتسبب بها للآخرين ناهيك عن التجاوز على الذوق العام وما شابه.

والمشكلة ربما تتحدد بـ لامبالاة هؤلاء الاشخاص الذين يفضلون رغباتهم الشخصية على حساب الناس، فهناك من يجعل من سيارة الاجرة او حافلة نقل الركاب أنسب الأمكنة لكي يبدأ بممارسة طقوس التدخين المتمثلة بسحب أكبر كمية من الدخان في عملية الشهيق ونفثه في موجات متلاحقة تملأ جوف السيارة فيستنشقه الركاب الآخرون عنوة، وفي أحيان كثيرة يتسبب هذا السلوك المعيب بمضايقة الآخرين والتجاوز على صحتهم لا سيما اولئك المصابون بحساسية القصبات او بالربو وما شابه، وحين يحاول أحد الاشخاص تنبيه المدخن على خطأ سلوكه بهذه الطريقة التي تُلحق ضررا بالآخرين، فإنه لا يعبأ بمثل هذه الاصوات وربما يتحول الأمر الى مشادة بين الطرفين.

وقد بدأت الشعوب تعي خطورة التدخين وتحاول أن تحد من انتشاره بشتى السبل والتحديدات التي تصدر على شكل قوانين وقرارات ملزمة، فكثير من الدول الاوربية منعت التدخين في الامكنة العامة، وقامت بتخصيص قاعات او غرف محددة لمن يرغب التدخين، وقد مورست هذه الحالة في المطارات على سبيل المثال، الامر الذي أسهم بتقيل مضار التدخين الى درجات كبيرة، ومع ذلك لا يزال الصراع محتدما بين الشركات المصنعة من جهة وبين الجهات الحكومية من جهة أخرى، ولعلنا أحوج الشعوب الى مثل هذه التحديدات التي تحاول أن تقلل أضرار التدخين الى أقصى حد، وذلك بسبب الفوضى التي يمارسها المدخنون وهم يتجاوزون على الآخرين.

ولكن هذا لا يعني عدم الوقوف بوجه مثل هذه التجاوزات التي قد تحدث من دون قصد في كثير من الاحيان وانما تحدث كحالة معتادة او متفق عليها، لكننا نرى نوعا من التهاون الرسمي والأهلي مع مثل هذه الحالات، فحتى الآن لم يصدر تشريعا حكوميا يحدد مثل هذه التجاوزات وينظم التدخين في الاماكن العامة، كما أننا نرى تهاونا من لدن الاهليين ايضا كأصحاب السيارات والقاعات المغلقة وما شابه، ولعلنا نتذكر قبل عقدين او اكثر أن حافلة نقل الركاب بالذات كانت تضع لوحة فوق رأس السائق وامام انظار الركاب تقول (يُمنع التدخين منعا باتا/ no smoking) وكان السائق يتعامل بحزم في هذا المجال، أما الآن فليس اللوحات وحدها رُفعت من أماكنها بل ساد نوع من اللامبالاة بين الجميع حتى لو أدى الحال الى التجاوز على صحة الآخرين وأذواقهم.

من هنا فإننا بحاجة الى حملات توعية في هذا الصدد، ترافقها حزمة من القرارات الحكومية والعرفية الملزمة التي تعمل باتجاه مراعاة حقوق الناس وصحتهم وحرياتهم في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/تشرين الثاني/2009 - 22/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م