أصول البنوك والمصارف والمؤسسات الإسلامية بلغت 850 مليار دولار،
وصناعة الصيارفة الإسلامية ستبلغ تريليون دولار عام 2012، وأصول
الشركات والمصارف الإسلامية الخليجية تتجاوز 234 مليار دولار، وتعد قطر
الأكثر نمواً في الأصول، بينما البحرين تتصدر أكثر البلدان احتضاناً
لصناعة الصيرفة الإسلامية، والسعودية تتصدّر قائمة المصارف الإسلامية
الأكثر ربحاً، بينما المصارف الإيرانية تحتل المراتب العشر الأوائل في
قائمة أكبر المصارف الإسلامية من حيث الأصول.
وتتجه الدول الإسلامية لاستخدام الصكوك بدلاً من السندات تفادياً
للضربات المالية. أليست هذه العناوين تبهر الناظرين من أصحاب المال
والأعمال في الغرب وتسيل لعابهم في وقتٍ لا يزالون يعانون فيه من
تداعيات الأزمة المالية، وانهيار البنوك والمؤسسات المالية، وإفلاس
مئات الآلاف من المواطنين، ومصادرة عشرات الآلاف من المنازل خاصة في
الولايات المتحدة !؟ مرة أخرى تتجه الأنظار نحو النظام اللاربوي من جهة،
والأرصدة المالية للدول الإسلامية، وخاصة البنوك والمصارف والمؤسسات
التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية من جهة أخرى.
الأزمة المالية عززت الثقة في النموذج المالي الإسلامي وقدرته على
الاستدامة، وفتحت الأنظار على مدى قدرة الاقتصاد المالي الإسلامي على
المساهمة في علاج الأزمة المالية. في ندوة بعنوان (مستقبل الصيرفة
الإسلامية في ظل الأزمة العالمية) التي نظمتها (جمعية الاقتصاديين) في
(بيت القرآن) بتاريخ 2 سبتمبر، ونقلت الزميلة (أخبار الخليج) مقتطفات
من الحوارات التي دارت فيها. قال الرئيس التنفيذي لمجموعة (البركة)
عدنان يوسف: “إن الاقتصاد المالي الإسلامي يمكن أن يسهم في علاج هذه
الأزمة من خلال عدة نقاط، منها: تعديل أسلوب التمويل العقاري؛ ليكون
بإحدى الصيغ الإسلامية، ومنها أسلوب المشاركة التأجيرية، بالإضافة إلى
ضبط عملية التوريق؛ لتكون لأصولٍ عينية وليس للديون، وهو ما يتم في
السوق المالية الإسلامية في صورة صكوك الإجارة والمشاركة والمضاربة”.
السيولة الوافرة لدى المصارف الإسلامية، وزيادة نسبة نموها من جهة،
وعدم تأثرها بالأزمة المالية العالمية من جهة أخرى فتحت شهية الغربيين؛
لذا سارعت بعض الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى تغيير بعض
قوانينها وأنظمتها المالية بهدف جذب الاستثمارات الإسلامية إلى بلدانها،
وبادرت بعض البنوك الغربية بفتح أقسام وفروع للمعاملات وفق أحكام
الشريعة الإسلامية. هذا الاهتمام المتزايد من قبل الغرب جعل الخبراء
والقائمين على صناعة الصيرفة الإسلامية يتعاملون مع المستجدات
والتطورات بحيطة وحذر شديدين؛ ذلك لأن الاندفاع الغربي لم يأتِ وفق
قناعة بقدرة الصيرفة الإسلامية على حل الأزمة المالية بقدر ما يطمح
الغرب للاستحواذ على السيولة المتوفرة لدى البنوك والمؤسسات الإسلامية.
وفي هذا الصدد نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) تعليقاً للكاتب المتخصص في
صناعة الصيرفة الإسلامية (لاحم الناصر) على الدعوات والتصريحات الصادرة
في الغرب إلى النظر في إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية، وإعمالها في
الجوانب المالية، والأخذ بأصولها، فيقول: “إنّني أرى أنه يمكن تقسيم
هذه التصريحات إلى ثلاثة أقسام، فقسم منها كان على قناعة تامة بصلاحية
القواعد التي أتت بها الشريعة الإسلامية لحماية الأسواق من الأزمات
وهذه أقلية، وقسم لا يعدو أن يكون ردة فعل نتيجة للصدمة الناتجة عن
الأزمة المالية. وقسم كان الباعث على تصريحه استغلال الأزمة للحد من
نفوذ العلمانية في حياة المجتمع، وهو ما صدر من جريدة الفاتيكان”،
ويختم الكاتب تعليقه قائلاً: “إن هذا الاحتفاء والترحيب إنما كان دافعه
الحاجة للسيولة التي تمتلكها هذه الصناعة لا القناعة بصحة ونجاعة
أصولها لمعالجة أسباب الأزمة”.
اليوم يبلغ عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية نحو 450 مؤسسةً
ومصرفًا تعمل في أكثر من 60 بلدًا في العالم، والعدد في تزايد مستمر؛
نتيجة ثقة المودعين في هذه المصارف والمؤسسات، وقد تعززت هذه الثقة
أكثر بعد الأزمة المالية. باعتقادي، هذه المؤسسات المالية التي أخذت
تشق طريقها إلى العالمية بحاجة إلى تنويع منتجاتها من ناحية، وزيادة
أعداد المختصين والخبراء في فقه الاقتصاد الإسلامي من ناحية أخرى.
هذه الأموال المودعة يجب أن تكون في أيدي أمينة، وتعمل وفق المعايير
التي وضعها علماء الشريعة، وأن لا تغتر بإغراءات الغربيين، فتكفينا
اللدغات التي لدغونا بها طوال عهد الاستعمار وما بعده، وصدق الرسول
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: “لا يُلدغ المؤمن من جحر
مرتين”. |