لقد أثار الاتفاق الجديد بين ايران والدول 5+1 بوجود المدير العام
للوكالة الدولية للطاقة الذرية في جنيف الكثير من التساؤلات والتي
أصبحت أكثر وضوحاً من ذي قبل خلال المحادثات الأخيرة عندما أعلن النشاط
الجديد القديم لايران قرب مدينة قم والذي يمثّل منشأة من المنشآت
المهمة ضمن البرنامج النووي الايراني والذي أصبح بحكم المؤكّد إستمراره
كما كانت كلّ إستقراءاتنا من قبل(إرجع الى سلسلة المقالات المسماة
البرنامج النووي الايراني بين الحقائق العلمية والصراعات السياسية ـ
الحلقات السبع).
لكنّ السؤال الذي يثير الشجون هذه الايام هو سؤال مركّب عن نوعية
هذه المنشأة وهل هي بالفعل محل التساؤل الذي أثير من قبل بعض الدول
النووية الكبرى فيما يتعلّق بنشاطها الجديد بتخصيب اليورانيوم لانتاج
الوقود النووي للمفاعلات النووية التي يتضمّنها البرنامج النووي
الايراني؟
لقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز موضوع الاتفاق في جنيف بتاريخ 2
أكتوبر تحت عنوان ((إيران توافق على إرسال اليورانيوم المخصّب الى
روسيا)) من قبل الكاتبين ستيفين إيرلانغر ومارك لاندلر.
موضوع الإتفاق حول قبول ايران يوم الخميس ضمن محادثات مع الولايات
المتحدة الامريكية والقوى الكبرى الاخرى(دول النادي النووي) الكشف عن
المنشأة الجديدة لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم والتي وافقت
فيها ايران على تفتيش المراقبين الدوليين لهذه المنشأة خلال الاسبوعين
القادمين ضمن هذا الإتفاق، ثمّ إرسال اليورانيوم الذي تخصّبه هذه
المنشأة بنسبة تقارب %5 الى روسيا لتحويله الى وقود لمفاعلات صغيرة
تنتج النظائر الطبية اللازمة للتشخيص والعلاج بالدرجة الاساس(تحتاج الى
نسبة تخصيب تصل الى %20 تقريباً).
يعتبر هذا الانجاز إنجازاً مهماً بالكثير من المقاييس على مستوى
السياسة النووية الايرانية والمستوى النووي للدول الكبرى وعلى المستوى
الامني السياسي للمنطقة بشكل عام كذلك(إن كمل الاتفاق ونفّذ إن لم تدخل
العوامل الجديدة والتأثيرات الاقليمية على مستوى الشرق الاوسط لتعطّل
هذا الاتفاق! كأن تتحرّك القوى الاقليمية من كيان إسرائيل والانظمة
التي تريد دق إسفينها بين ايران وتقدمها العلمي، والدول الكبرى التي
تسعى الى التهدئة حول هذا الاتفاق في الوقت الحالي لاسباب عديدة منها
قضية افغانستان والاستنزاف المستمر والعراق والاتجاه الى إستقراره
بالاضافة الى التطورات المرتقبة في مصر والمتوقعة بعد رحيل حسني مبارك
وملك السعودية الذي يعاني من مشاكل عديدة على مستوى الداخل بالاضافة
الى العوامل الاخرى).
لقد اشارت وتشير التقارير الغربية حول هذا الاتفاق الى ((أنّ
المحادثات المذكورة أدّت الى إنجازقضية مهمة لتفويت الفرصة على نظام
ايران بامتلاك السلاح النووي!!)) مع انّ قدرات التخصيب في ايران كلّها
لا تشير الى اي نسب تتجه الى هذا التوجّه!(خاصة بعد الزيارات المتكررة
للمفتشين للعديد من المنشآت النووية الايرانية وبعد الزيارة الاخيرة
للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لايران حيث صرّح بمؤتمره
الصحفي الى أن ليس هناك أي شيء يشير الى وجود أثر لنشاط نووي عسكري
ايراني!).
وقد جاءت الزيارة بعد عدة تقارير بالاضافة الى وثيقة سابقة من
الوكالة الدولية في آيار 2009 والتي تنصّ على أنّه ((ما زال هناك عدد
من القضايا العالقة التي تثير شواغل وتقتضي الايضاح من أجل استبعاد
وجود ابعاد عسكرية محتملة لبرنامج ايران النووي)). لذلك أزالت هذه
الزيارة كلّ الشبهات الجديدة حول العمل المتعلق بالمنشأة التي أثير
الجدل حولها.
وهذا ليس بالجديد حيث أثارت عدد من الجهات أسلوب الشك في برنامج
ايران المذكور وخاصة منشأة قم المذكورة التي أثاروها رغم أنّ ايران قد
اعلنت من قبل الى وجود المنشأة والخاصة بعملية التخصيب المطلوبة.
إنّ المحادثات التي جاءت بعد يوم طويل من التباحث والنقاشات كانت
بحقّ محادثات ناجحة وضرورية لتهدئة الوضع في المنطقة والعالم عموماً.
وقد أثير في هذه المحادثات الشيء الكثير رغم أنّ اللاعب الاساس في
عملية الاتفاق كان الوفد الروسي والذي كان من مصلحته الاولى نجاح
الاتفاق مع مصالح الدول الاخرى(كما قلنا)، رغم أنّ الدول الاخرى كانت
قبل فترة وجيزة تظهر التعنّت في مجال إحتفاظ ايران بحق التخصيب اجمالاً.
وكانت تثير المشاكل العديدة لهذا البلد من سياسية وأمنيّة إقليميّة
والضغط الاقتصادي المستمر عليها لمنعها من تخصيب اليورانيوم.
ولا يخفى ما لمشاكل ايران الداخلية من انعكاسات على الوضع النووي
المشار اليه كذلك. فقد كانت تلك الدول تعوّل على نجاح كتلة موسوي ـ
خاتمي في الانتخابات لاشارات عديدة ارسلها اؤلئك بشكل غير مباشر لتلك
الدول حول ايقاف تخصيب اليورانيوم داخل البلد والاقتصار على استيراد
الوقود المخصّب حسب الحاجة من الخارج(روسيا خاصة).
من نتائج المحادثات الاخيرة ووفق الاتفاق المذكور كذلك هو الرغبات
المشتركة للعديد من الدول الى عقد المزيد من المباحثات والتي ستستمر
الى ما قبل نهاية هذا الشهر للنظر فيما يتعلق بمنشأة قم للتخصيب وما
تتضمنه المنشأة بشكل مهنيّ.
لقد فوجيء المفاوض الغربي باللهجة الايرانية الجديدة مما جعل
المعلقين في المجالات السياسية النووية والسياسية العامة الى التشكيك
في الكثير ممّا طرح والتشكيك في امكانية الاستمرار بهكذا اتفاق، وخاصة
المفاوض الامريكي الذي نقل وجهة نظر الرئيس الامريكي أوباما وحذره من
هذا الاتفاق بإعتباره إنعكاس لما حصل من ردّة فعل على الانتخابات
الاخيرة في ايران وعدم جدية السلطات الايرانية للاستمرار بالسياسة
الجديدة! لذلك يطالب اوباما نفسه ((الى محادثات في واشنطن بشرط ان تكون
هذه المحادثات بناءة! وإلاّ فهو مستعد للتحرك سريعاً لفرض عقوبات على
ايران ان لم تكن جدية في المفاوضات حول طموحاتها النووية!!)).
لقد كانت الرسائل المستمرة ما بين روسيا وايران حول الموضوع نفسه
رسائل إيجابية منذ البداية بالاضافة الى الاغراءات الايرانية بعدم
مطالبة روسيا بتعويضات على تأخر تنفيذ منشأة بوشهر التي من المفروض ان
تعمل منذ بداية هذا العام والتأخر الحادث بسبب الضغط الاوروبي الامريكي
على روسيا لتمديد الفترة(فترة تزويد المفاعل بالوقود اللازم للتشغيل).
هل من حقّ الدول بناء المنشآت النووية؟!
تثار التساؤلات بين الحين والاخر حول أحقية الدول ببناء المنشآت
النووية، بينما يلاحظ المطّلع على الوثائق المهمة المتعلقة بالنشاط
النووي عموما والمودعة والمنشورة في ملفات الوكالة الدولية للطاقة
الذرية أنّ معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (إن بي تي) تسمح
لإيران(وللدول الاخرى) قانوناَ ببناء أيّ منشأة نووية، بضمن ذلك واحدة
لتخصيب اليورانيوم، طالما كان القصد من ذلك هو الغرض السلمي. كما تنصّ
هذه الاتفاقية على انّ للدول المنضوية والموقّعة على الاتفاقية الحقّ
بالانسحاب متى شاءت.
لقد أشرنا في العديد من المقالات الى أن الاسلوب الذي يتّبع في
البحث عن إمكانيات المنشآت النووية هو نفسه في كلّ المرات وهي حجة وجود
البرامج السرية للاغراض العسكرية بينما نعلم أن السلاح النووي يحتاج
الى وقود مخصّب بنسب كبيرة تصل الى %90 من اليورانيوم 235 في
اليورانيوم الطبيعي 238. وفي ايران ليس هناك نشاط للتخصيب بهذه النسب
الكبيرة والعالية كما أشارت الوكالة الدولية نفسها الى ذلك. والملاحظ
أنّ ايران منذ فترة ليست بالقصيرة تقدم العديد من حلقات البرنامج الى
الوكالة بلا اي سرية.
خذ مثلاً الوثيقة GOV/2009/35 التي تشير الى أنّ ((الوكالة أجرت في
الفترة بين 8 و12 آذار/مارس 2009 عملية تحقق من الرصيد المادي في مرفق
تحويل اليورانيوم وأثناء العملية عرضت ايران 345 طناً من اليورانيوم في
شكل سادس فلوريد اليورانيوم لكي تتحقق منها الوكالة)). بالاضافة الى
العديد من الوثائق والرسائل التي ارسلتها ايران الى الوكالة الدولية
حول التخصيب وبالنسب التي تذكرها تفصيلاً.
إنّ من الرسائل التي تصل بين الفترة والاخرى الى الدول الاخرى هي أنّ
البرنامج النووي الايراني بات رمزاً مهماً من رموز هيبة الدولة
الايرانية الجديدة (وهيبة كلّ دولة من دول العالم خاصة وان ليس هناك أيّ
تجاوز قانونيّ أو رسمي بهذا الجانب).
إذا ما علمنا أنّ اتفاق الضمانات المعقود بموجب معاهدة عدم الانتشار
والاحكام ذات الصلة المنصوص عليها في قرارات مجلس الامن 1737(2006) و
1747(2007) و1803(2008) و 1835(2008) في جمهورية ايران الاسلامية، يشير
الى تقديم المدير العام للوكالة في 19 شباط/فبراير 2009 الى مجلس
المحافظين تقريراً عن تنفيذ اتفاق الضمانات المذكور ويؤكد هذا التقرير
على ان ايران واصلت تلقيم سادس فلوريد اليورانيوم في الوحدة A24 وفي
إثنتي عشرة سلسلة تعاقبية تابعة للوحدة A26 في محطة إثراء الوقود. وتمّ
A26 تركيب السلاسل التعاقبية الست الاخرى الخاصة بالوحدة وهي الآن في
ظلّ ظروف خوائيّة.
وقد اشارت الفقرة 3 من التقرير الى ان ايران أتمت تلقيم 5723
كيلوغراماً من سادس فلوريد اليورانيوم في السلاسل التعاقبية ما بين 18
تشرين الثاني/نوفمبر 2008 و31 أيار/مايو 2009 وانتاج ما مجموعه 500
كيلوغراماً من سادس فلوريد اليورانيوم الضعيف الاثراء. ويقول
التقرير(ومازالت المواد النووية الموجودة في محطة إثراء الوقود بما
فيها مواد التلقيم والمنتج والمخلفات، وكذلك جميع السلاسل التعاقبية
التي تم تركيبها تحت الاحتواء والمراقبة من جانب الوكالة). وفي الفقرة
الخامسة يقول التقرير (تشير نتائج العيّنات البيئية المأخوذة من محطة
إثراء الوقود ومحطة إثراء الوقود التجريبية الى ان المحطتين ظلتا
تعملان وفقاً لما تم الاعلان عنه(أي أنّ نسبة الاثراء باليورانيوم ـ
235 أقل من %5).
إذن نلاحظ في هذا الموضوع كما المواضيع السابقة المنهج الذي يسير
وفق الاسس القانونية والرسمية الدولية والتي قررتها الدول جميعها
بإتفاقيات موقّعة وسياسات جديرة بالسير فيها.
الموقف العربي!
لقد سعت وتسعى دول المنطقة الى إستعداء ايران بتصريحات متفرقة حول
سعيهم لانشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج في اشارة
الى أنّ البرنامج الايراني يسعى لبلوغ العسكرة وتصريحات بعض المسؤولين
الى أنّ (البرنامج النووي الإيراني بالنسبة للخليجيين أخطر من البرنامج
الإسرائيلي) رغم هذه النسب الضئيلة من التخصيب!!فتصوّر! أيّ سياسة
تحكم المنطقة!!
لقد أشرت الى العديد من الامور فيما يتعلق بالسياسة النووية
العربية والتي تسير بخطى بطيئة لا تجدي نفعاً من كثير من هذه الدول
إبتداء بمصر الى السعودية الى ليبيا(التي سلّمت بكلّ شيء) الى الدول
الاخرى. والعين التي تنظر الى ايران على اسس غير صحيحة ستوقع المنطقة
بمشاكل لا تحمد عقباها بينما الاجدر بهذه الدول ان تقوم بما يلي:
1. القيام بتأسيس منظمة للطاقة الذرية العربية تقوم بالدراسات
الكافية لبناء منشآت نووية في الاماكن المناسبة مثل المناطق البعيدة عن
مدن مصر وليبيا والسعودية وتغذيتها بكل ما تحتاجه من استكمالات ضرورية
لبناء برنامج نووي متكامل وفق الاسس الدولية والمطروحة في وثائق وقواعد
الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتكون الفائدة من هذه المنشآت هي لانتاج
الطاقة الكهربائية وانتاج النظائر المشعة اللازمة للعلاج والتشخيص في
المؤسسات الصحية بالاضافة الى تحلية مياه البحار المحيطة بالمنطقة
والتي تحتاجها كل الدول العربية تقريباً.
2. عدم ربط هذه المنشآت بأي جهة سياسية كي لا يتموج العمل بها وفق
سياسات الانظمة المتذبذبة حسب الهوى!
3. يتم الانفاق على هذه المنشآت من صندوق خاص يمول من دول الانتاج
وهي التي تقوم بالحصول على ارباحها المناسبة والبعيدة عن المضاربات
والمشاكل الاقتصادية.
ولنا عودة في هذا الجانب
4. فتح جانب التعاون مع الدول الاقليمية والدول الصديقة في هذا
الجانب كايران وباكستان وغيرها من الدول الاخرى وعدم الخوض فيما تهابه
من إدعاءات إسرائيلية بوجود البرامج النووية السرية لضربها كما فعلت مع
سوريا عام 2007 وتخويف هذه الدول من نتائج قد تترتب على ذلك! علماً قد
أعلنت بالفعل(مجرّد الاعلان) ما لا يقل عن 13 دولة في منطقة الشرق
الأوسط عزمها على تطوير قدراتها النووية(متفرّدة عن المحيط العربي)،
لاسباب تتعلق بحاجاتها الى الطاقة الكهرونووية والى إستخدام هذه الطاقة
في تحلية مياه البحار المحيطة.
لقد وقعت العديد من الدول في وهم عدم قدرتها على المضي في تطوير
برامجها النووية بحجة أنّ هذا المضمار يحتاج الى ذوي دراية بأمور كثيرة
لا بل وصل الامر الى أنّ يتهموا دول تسعى الى التقدم في هذا البرنامج
الى إحتياجها الى قدرات خارجية من إتهام عبد القدير خان الى مساعدة
ايران على عدة عمليات تطوير البرنامج النووي الايراني وكأنّ العلم
مقتصر على أفراد هنا أو هناك! مما جعل دول في طور الحركة بهذا الاتجاه
ان تنحى بعيداً(مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين حيث
تخلت طواعيةً وبمحض إرادتها عن تخصيب اليورانيوم). |