المرأة المؤمنة ومسؤولية التعليم والتربية والإصلاح

من رؤى المرجع الشيرازي

عبد الكريم العامري/ باحث اجتماعي

 

شبكة النبأ: في مجال التنظيم الذي يرتبط بإنسانية الإنسان يرى المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) لا فرق فيه بين المراة والرجل، لأنهما في نظر الإسلام إنسان على السواء. فالإسلام وحده هو الذي نظر الى المراة نظرة إنسانية على قدم المساواة مع الرجل، بينما لم تنظر الحضارات الأخرى وحتى الحضارة الأوربية الحديثة الى المراة إلا بوصفها أنثى، وتعبيرا عن المتعة والتسلية.

اما حين ينظر الإسلام الى المراة بما هي أنثى وينظم أنوثتها ويوجهها، ينظر في مقابل ذلك الى الرجل باعتباره ذكرا، فيفرض على كل منهما من الواجبات، ويعطي لكل منهما من الحقوق، ما يتفق مع طبيعته، وفقا لمبدأ تقسيم المسؤوليات بين أفراد المجتمع. تنشأ عن ذلك الفروق بين احكام المراة وأحكام الرجل. فمرة الفرق بين احكام المراة وأحكام الرجل الى تقدير حاجات ومتطلبات الأنوثة والذكورة، وتحديد كل منهما وفقا لمقتضيات طبيعته.

التعلم والتعليم:

ما يراه المرجع الشيرازي لازم التبيين ثلاثة أمور متعلقة بالنساء مثلما الرجال:

التعلم والتعليم، والتربية، وقضاء حوائج الناس.

فعلى النساء أن يعلمن أن تعلم وتعليم العقائد والأخلاق والآداب والأحكام الشرعية واجب عيني.

حضرت امرأة عند فاطمة الزهراء (سلام الله  عليها) فسألتها الى عشرة أسئلة، فأجابتها حتى خجلت السائلة من كثرة السؤال فقالت فاطمة (سلام الله عليها): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوما يصعد الى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف ينار يثقل عليه؟ فقالت: لا، فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى الى العرش لؤلؤا، فأحرى أن لا يثقل علي.

روي عن الإمام الرضا (سلام الله عليه): (رحم الله عبدا أحيا أمرنا) قيل: كيف يحيى أمركم؟ قال:(يتعلم علومنا ويعلمها الناس).

التربية:

بالنسبة الى التربية فليست كل التربية من الأب والأم لأولادهما هو إصدار الأمر والنهي فهم بحاجة الى التربية العملية الصالحة، فالطفل لا ينصاع لأمر والديه بالصدق في الحديث ـ ولو تكرر ذلك منهما مئة مرةـ إذا رأى منهما الكذب.

ثم إن وظيفة حدود التربية لا تقتصر على أن يربي الوالدان ولدهما، فهما مسؤولان عن تربية أطفال المجتمع ما تيسر، ففي الحديث الشريف: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

قضاء الحوائج:

أما بالنسبة الى قيام النساء بقضاء حوائج الناس وتقديم الخدمة لهم، فمن جملة ذلك تأسيس المدارس المنزلية لإيجاد الفرص لتعليم الأخريات او جمع المساعدات الخيرية لهم عبر إشراك المتمكنين في مشروع كهذا. كما أن بمستطاع النساء المؤمنات أن يعملن على تأسيس المؤسسات الخيرية الخاصة بالزواج.

هناك الكثير من الشابات والشباب الذين هم بحاجة الى من يساعدهم ويأخذ بأيديهم ليقيموا بناء الأسرة الصالحة. فقد أمر أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) بأن يتحمل المؤمنون مسؤولياتهم الاجتماعية، حتى أن الإمام الصادق (سلام الله عليه)قال لأحد العلماء من أصحابه:

(لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم).

إن تأسيس المؤسسات الإصلاحية لحل المشاكل والنزاعات العائلية والاجتماعية أمر ضروري، ويعتبر عملا بما أمر به الإسلام، ولقد كان الكثير من أسلافنا الصالحين، ملتزمون بالسعي في حل مشاكل الآخرين كلما تيسر لهم ذلك.

روى إبان بن تغلب (رضوان الله عليه) وهو من عظماء أصحاب الإمام الصادق (سلام الله عليه) قال:

(كنت مع أبي عبد الله (سلام الله عليه) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا عبد الله (سلام الله عليه) وأذهب إليه. فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضا، فرآه أبو عبد الله (سلام الله عليه) فقال: يا أبان، إياك يريد هذا؟ قلت: نعم، قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا، قال: هو على مثل ما انت عليه؟ قلت: نعم، قال: فاذهب إليه، قلت: فاقطع الطواف؟ قال: نعم،. قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه.

هذا يدل على مدى أهمية قضاء حوائج الناس عند الأئمة (سلام الله عليهم) لذلك يجدر بجميع النسوة المؤمنات أن يعزمن على ذلك، ويتوكلن على الله تعالى.

المجتمع المتدين مسؤولية الجميع:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (أقيموا الدين)الشورى/11، هذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع رجالا ونساء. فتارة أمر الله تعالى بالفروع او المقدمات فيقول: (أقيموا الصلاة) الأنعام /72، او ( كتب عليكم الصيام) البقرة/183 او ( ولله على الناس حج البيت) آل عمران /97. وتارة أمر بالنتيجة: (أقيموا الدين). هذا أمر بإزاء كل ما من شأنه أن يساهم في إقامة الدين، كأداء الواجبات الشرعية المتقدمة، وكذلك الدروس الحوزوية وبناء المساجد والحسينيات والمدارس، وطبع الكتب ونشرها، والخطابة والتأليف، والتبليغ واكتساب المعلومات والعلوم الجديدة وغير ذلك مما تكون نتيجة اقامة الدين.

يقول الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)آل عمران/19. والدين يشمل العقائد والأحكام والأخلاق. يجب على الجميع العمل من أجل إيجاد مجتمع متدين، كل حسب ما أعطاه الله سبحانه من طاقات وامكانات .ومن يقصر فسيكون مسؤولا أمام الله تعالى.

نعم الإنسان وحده، لا يمكن أن يوجد مقدمات بناء المجتمع المؤمن في كل مكان، ولا يمكنه أن يسافر الى كل البلدان ويقيم فيها الدين، فهو معذور عما خرج عن قدرته، ولكن هذا لا يعفيه من العمل بقدر ما تيسر له.

مذهب الحق:

كان يعيش في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قس نصراني يسمى (سنسن) لم يسلم حتى مات. كان له ولد واحد يسمى (أعين) أسلم ظاهرا لا قلبا. عقب أعين عشرة أولاد وبنتا واحدة. كانت هذه البنت صادقة الأيمان ومن محبي أهل البيت (سلام الله عليهم) فكانت الوحيدة من شيعة أهل البيت في عائلتها. كانت تسمى ام الأسود، وجاء في كتب الرجال أن هذه المراة دعت كل إخوتها الى مذهب الحق، وبالفعل تشيعوا جميعهم، وحسن تشيعهم الى درجة أصبح بعضهم من كبار ثقاة الشيعة، وفي نسل هذه المراة يوجد بعض المحدثين والعلماء.

فمن اجل الموفقية على الإنسان أن يلتزم بـ: الإخلاص، والاجتهاد بأن يعمل مجدا ويترك الكسل، لأن الدنيا دار عمل وعناء, ومن لا يعمل ويجد فيها لن يحصد في الآخرة سوى الحسرة والندامة.

والأخلاق، بأن يقتدي بأخلاق وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (سلام الله عليهم)فيتحلى بالصبر والحلم وغير ذلك.

فكل من تعمل بهذه الأمور الثلاثة اكثر، تبلغ درجة أعلى من التوفيق، وهذه الأمور لها ركن واحد هو العزم والتصميم.

الإرشاد والتثقيف:

ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلان؛ أحدهما عابد والآخر عالم. فقال: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، ثم قال: ( إن الله تعالى وملائكته وأهل الأرض حتى النملة

في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس).

إن بمقدور كل امرأة مسلمة أن تنجح في تعلم وتعليم علوم أهل البيت (سلام الله عليهم) لتكون عاملا في هداية النساء. التاريخ يتضمن الكثير من النساء اللاتي ارتقين الى منزلة من حيث العلم ،والسعي في سبيل الله سبحانه وتعالى.

إن علو الهمة في سبيل تعلم علوم أهل البيت (سلام الله عليهم) يوجب النجاح في هذا الطريق.

تربية الأبناء:

إن العبادة من صلاة وصيام وحج وزيارة أهل البيت (سلام الله عليهم) لا تكون عبادة حقا ما لم تقترن بالعلم ومعرفة الأحكام .فقد يصلي شخص لسنوات طويلة ولكن صلاته تكون باطلة. هكذا بالنسبة الى سائر العبادات، ومنها زيارة أهل البيت (سلام الله عليهم). فدرجة قبول الأعمال منوطة بدرجة التفقه في الدين. وروي عن الإمام السجاد (سلام الله عليه): (لا عبادة إلا بالتفقه). فالذي يصلي لله سبحانه وتعالى، لكنه في الوقت نفسه يقطع رحمه او يأكل المال الحرام او يعق والديه، هل تبقى لمثل هذا الشخص عبادة؟

روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) نظر ذات مرة الى بعض الاطفال وقال ( ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم) فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟ فقال: لا، من آبائهم المؤمنين. لا يعلمونهم شيئا من الفرائض. وإذا (تعلم) أولادهم، منعوهم. ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم مني براء!

من الضروري للآباء والأمهات أن يهتموا بتربية وتعليم أولادهم، وأن لا تشغلهم شواغل الدنيا عن ذلك ما استطاعوا.    

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تشرين الثاني/2009 - 16/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م