السعي من أجل التغيير سمة الأمم المتجددة

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ونحن نعيش هذه الايام الذكرى الثامنة لرحيل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله، فإننا نستذكر أفكاره وطروحاته ومسعاه المتواصل لتغيير الامة نحو الافضل سواء على مستوى الافراد او الشعوب والجماعات، وقد وضع لهذا الهدف مؤلفات عدة ووظف فكره النير لعرض البرامج (التغييرية) القابلة للتطبيق من اجل النهوض بعامة الناس الى درجة عالية من الرقي الانساني سواء في طرائق التفكير او الاساليب العملية التي تُدار بها شؤون الحياة بصورة عامة.

بيد أن التغيير توجبه عدة عوامل، أهمها سيادة الفوضى في السلوك والتفكير ثم غياب السعي والطموح وغياب القادة او ضعف قيادتهم حتى بوجودهم، ويرى الامام الشيرازي أن الانسان عندما يضع أهمية تحقيق التغيير ضمن اهدافه، فهذا يتطلب منه التخطيط السليم ثم الشروع بالتنفيذ وفقا لخطة مبرمجة ولا يكون الامر عشوائيا، ولعل الركيزة الاساسية التي ينصح بها الامام الشيرازي ويراها خطوة البداية من اجل التغيير هي سعي الفرد (للإصلاح الذاتي) أولا.

بمعنى ينبغي أن تتمثل الخطوة الاولة في اصلاح النفس وتغييرهها ومن ثم الشروع بتغيير ما هو خارج الذات، ويقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه القيّم الموسوم بـ (لنبدأ من جديد):

(إن التجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والطبيعي وغيرها).

وهنا تتبادر الى أذهاننا المقولة الشائعة التي تنص على أن (فاقد الشيء لا يعطيه) بمعنى ان الانسان الذي لا يتمتع بالقدرة على تغيير نفسه اولا لا يمكن ان قادرا على تغيير غيره، وهذا يعني ان الامر بحاجة الى عنصر الارادة.

فالارادة هي التي تحرك الانسان وتدفعه باتجاه تحقيق اهدافه في التغيير والتطور، وكلما كانت الارادة صلبة وقوية كلما انجز الانسان اهدافه المخطط لها سلفا بدقة وسرعة اكثر والعكس يصح بطبيعة الحال، فالارادة الضعيفة تعني عدم القدرة على التغيير بقاء الحال على ما هو عليه، ولا ينطبق هذا القول على الفرد فحسب بل يمتد ليشمل الشعوب والامم ايضا، يقول الامام الشيرازي رحمه الله في هذا الصدد بكتابه المذكور اعلاه:

(ولا نجاة، حيث لا إرادة للأمة، ولا كلمة جامعة لهم، وكل يدّعي وصلاً بليلى، ولكن لا يمشون في طريقها).

بمعنى أن معظم القادة السياسيين والمعنيين الآخرين يعلنون غير ما يبطنون، فهم يعلنون اهمية كذا وكذا من الامور التي تتعلق بالسياسة او الامن او التعليم او الخدمات وما شابه فيما يتعلق بالارتقاء بالامة غير ان الامر عند التطبيق لا يتشابه مع القول والاعلان.

ولعل الامام الشيرازي رحمه الله محقا حين يرهن عملية التغيير والتطوير البشري بعوامل عدة، فحين يرغب الانسان او الشعب او الامة ان تبدأ من جديد من اجل تغيير الفكر والسلوك نحو الافضل، فثمة امور ملزمة لتحقيق ذلك، إذ يقول الامام الشيرازي رحمه الله حول هذا الموضوع في كتابه نفسه:

(من أهم ما يلزم في البدء من جديد: رعاية أسس التقدم وهي الحرية والعلم والصنعة، فاللازم على من يريد التحرك لإنقاذ البلاد وإسعاد العباد أن يهتم بهذه الأمور الثلاثة. أما الحرية فهي أساس البقاء ثم التقدم، إن الإنسان إذا لم يكن حراً لم يبق حياً فكيف يمكنه أن يتقدم؟).

وهكذا نرى ان رؤية الامام الشيرازي تشير بل تؤكد على نحو جلي لأهمية أن تتوافر عوامل التغيير، ولا غضاضة أن نبدأ من جديد من اجل ذلك، فالزمن فضاء مفتوح وهدف التغيير مطلب لا يتوقف عند حد معين، حيث يسعى الانسان والشعب والامة الى بلوغ اقصى مرتبة من الرقي والتطور البشري، غير أن هذا الهدف الكبير يرتبط بعوامل هامة تساعد على تحقيقه او الاقتراب منه على اقل تقدير، تتمثل كما ورد قبل قليل، بالحرية/ العلم/ والصنعة.

حيث يؤكد الامام الشيرازي على:

(ان العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية، فإذا لم تكن حرية لم يكن عمل للحياة، إن العامل حتى لأجل أكله وشربه ولبسه ومسكنه ومركبه ومنكحه يحتاج إلى أن يكون حراً في هذه الأمور).

إذن ثمة ترابط بين الحرية والعمل، وثمة ترابط بين الحرية والعلم، حيث الافكار والآراء تنطلق في فضاء الحرية، كي تصب في صالح الامة من اجل تحقيق التغيير المنشود الذي نهدف إليه جميعا لا سيما اننا (في العراق على الاقل) نمر بمنعطف سياسي اجتماعي كبير وخطير في آن واحد يتطلب منا جميعا أن نوظف جل طاقاتنا وامكاناتنا من اجل ان تتوجه دفة التغيير نحو جادة الصواب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تشرين الثاني/2009 - 16/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م